عمّمت موجات المد السماوي المعروفة باسم lt;lt;تسوناميgt;gt; لعناتها فوق أكثر من جزيرة وارخبيل وساحل من جنوب آسيا، الا ان موجات الأرض المتفجرة من قعر البحر، والبحار المتمادية مجوناً حتى ابتلاع السماوات الساحلية ومن أقام فيها أو ساح اليها في جزائر المحيط الهندي، انما تقصّدت منطقتين يجمع بينهما نوع من اشكالية واحدة. حيث ان كليهما، ونعني اقليم اتشيه في شمال جزيرة سومطرة الأندونيسية واقليم التاميل في شمال جزيرة سريلانكا انما يخوضان نضالاً دامياً على أساس مرام انفصالية. يبدو الأمر اذاً كما لو كانت هجمات التسونامي تعمل لحساب الحكومتين المركزيتين في جاكارتا وكولومبو، في الوقت نفسه الذي تبتلى فيه هاتان الحكومتان بما حصل.
توحي الكارثة الطبيعية بمفارقة أساسية. من جهة اولى، تستدعي الكارثة تضامناً دولياً لا يقتصر على الطوارئ الأولية بل يؤسس لفترة من الدعم المزمن بالنسبة الى مناطق تراجعت فيها عجلة التنمية سنوات عديدة. من جهة ثانية، تكشف هذه الكارثة أشكالاً شديدة المحلية لجهة التخفيف من بعض آثار ما حدث، فمناطق التاميل مثلاً ظلّت على نفس درجة تمردها، وحاولت أن تضمد جراحها لوحدها. ليس من السهل ان تتواصل كتائب الاسعاف الدولي مع منطقة انفصالية تشن فيها حرب عصابات. أما ان حاولت ذلك، فلدينا المثال الاندونيسي في التعامل مع المنظمات الدولية في اقليم اتشيه. يجري التخوف من تفشي الأوبئة ان لم يكن هناك من تدخل، الا ان الحكومتين المركزيتين تتخوفان من التواصل، بذريعة انسانوية، بين حركات انفصالية تصنف ارهابية وبين المجتمع الدولي. تتباهى عاصمة التاميل، جافنه، في المقابل بأنها أقامت نظاماً تعاونياً لمقاومة آثار الكارثة، في حين عمت أشكال للفوضى عديدة في أنحاء أخرى من جزيرة سيلان.
يكشف التعامل مع الكارثة الطبيعية عن مستوى عال من التدخل والتفاعل حقّقته مجموعة من الظواهر التقنية والمؤسسية الداخلة في اطار lt;lt;العولمةgt;gt;. في الوقت نفسه، فهي تكشف في أكثر من موضع ولأكثر من سبب عن بقاء المحصلة العامة لهذه الظواهر دون المستوى المطلوب. لا داعي في هذا المجال للنحو باللائمة على المجتمع الغربي، حصراً، لأنه لم يكلف نفسه وضع محطات انذار لموجات المد العالي، كما لا داعي لتصوير كل دعم أجنبي على انه من طلائع التدخل الامبريالي بحجة انسانوية. الا انه لا بد من تسجيل محدودية المساعدة الدولية ما دامت تعجز عن وضع حد لحرب داحس والغبراء بين lt;lt;الحكومة المركزيةgt;gt; وlt;lt;الانفصاليينgt;gt; عند حدوث كوارث طبيعية أو اوبئة.
ولو استعرضنا الزلازل والكوارث الطبيعية التي حدثت منذ نهاية الحرب الباردة الى اليوم، لأمكن الحديث فعلاً عن تطور متفاوت ومركب في آن لطريقة تفاعل البشر في ظل نمط الانتاج الرأسمالي المعولِم لدائرة انتاجه من بعد عولمته لدائرة التبادل على مرّ الحداثة. لم نصل بعد الى يوم يتحول فيه الزلزال مهما علت درجته الى مجرد وعكة صحية، الا ان الزلازل لا تقاس قدرتها التدميرية بدرجات ريختر وحدها أو بغير ذلك من أدوات التعيين الجيولوجية.
في جنوب آسيا، فان الكارثة الطبيعية هي التي تأتي لتقيس درجة التمكن من حل المسألة الاثنية، ودرجة التمكن من ارساء علاقة اقليمية متطورة بين دول المحيط الهندي.
بانتظار ان تمنح الفرصة للمناطق المنكوبة، وغيرها من المناطق التي تستعر فيها النزاعات الاثنية او تقل فيها الروابط الاقليمية، فخير للكوارث الطبيعية ان تضرب بلداناً واقاليم تكون مستعدة فعلاً لذلك. هذا أفضل من الغوص في متاهة من قبيل: هل تعمل موجات تسونامي لصالح الحكومات المركزية أم لصالح منظمات الاغاثة الامبريالية!