زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى موسكو، حدث مهم ولا شك. وقد تكون الظروف المحيطة بالعلاقات الاميركية - الروسية على اثر "الثورة البرتقالية" الاوكرانية، وشعور روسيا بأن الغرب يخترق قلب الامة السلافية، ومهد الارثوذكسية الاول في كييف (قبل موسكو) - قد تكون العامل الاساس الذي عجّل في وضع زيارة الرئيس السوري على جدول اعمال الكرملين، كرد مباشر من موسكو على تدخل واشنطن والاتحاد الاوروبي في انتخابات اوكرانيا الرئاسية التي حاول فيها الرئيس الروسي التدخل مباشرة لانجاح مرشحه رئيس الحكومة السابق عبر مسلسل واسع من المخالفات والتزوير انفضح امرها امام عدسات الفضائيات العالمية، ومعها آلاف المراقبين الدوليين. ولولا المراقبة الاعلامية والتقنية الخارجية لاستطاع بوتين منع الاوكرانيين من ايصال الرئيس الذي كانوا يرغبون فيه.
اذاً ثمة تقاطع ظرفي في المصالح بين روسيا التي تشعر بأن مداها الحيوي استبيح في اوكرانيا، وسوريا التي ترى "مداها الحيوي" اللبناني يفلت من بين يديها بفعل عاملين مكملين لبعضهما البعض: الاول الوضع اللبناني الذي وصل الى حالة من الرفض الواسع لاساليب السيطرة السورية على البلاد، بعدما بلغت حدودا لم تعد مقبولة في معركة فرض التمديد بالقوة والقهر، وفي معاملة اللبنانيين على انهم مأمورون لا رأي لهم في ادارة شؤونهم. وهذا ما ادى الى التمرد على ادارة ذكرت الكثيرين باساليب الادارات الاستعمارية القديمة. اما العامل الثاني فهو اتخاذ المجتمع الدولي قراراً بانهاء تغطيته للسيطرة السورية على لبنان (القرار 1559)، والتعامل مع الوجود السوري في لبنان على انه غير شرعي لاسباب عدة بعضها اقليمي (العراق، فلسطين) ، وبعضها الاخر مرتبط بالقراءة الجديدة للمنطقة، ولمستقبل الانظمة الحاملة مشاريع تمدد خارج حدود بلدانها الاصلية.
ان التقاطع في المصالح بين روسيا وسوريا يبقى ظرفيا ومن الصعب على اي مسؤول سوري بعيد النظر التفكير جديا بمشروع مواجهة مع الغرب، مستندا الى روسيا فلاديمير بوتين. فالاخير يسعى من خلال الدعاية المفرطة لزيارة الاسد، الى اشعار الاميركيين بأنه هو ايضا يمكنه ان يزعجهم في منطقة حساسة من العالم حيث تنخرط الولايات المتحدة مباشرة (العراق)، وتحاول الدفع بتسوية في حدها الادنى على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، وتعمل على كسر محور طهران دمشق الذي يصل الى عمق الجنوب اللبناني، فضلا عن اعادة سوريا الى حجمها الطبيعي بفرض انسحابها من لبنان.
بالطبع يستطيع بوتين ان يزود الاسد اسلحة متطورة من دون ان تكون لديه وسائل المساعدة الاقتصادية التي تحتاج اليها سوريا. ولكن هل ان روسيا مستعدة للدخول في سباق تسلح بالواسطة مع الولايات المتحدة واسرائيل، يحتاج الى عشرات المليارات من الدولارات لا تملكها سوريا، بالاضافة الى عنصر الوقت (عشر سنين لاعادة تأهيل الجيش تسليحا وتدريبا)؟ وهل روسيا مستعدة لطرح، الفيتو" في وجه اي قرار اممي جديد على غرار القرار 1559 يطلب سحب القوات السورية من لبنان، او يعترض على تدخلات محتملة في الانتخابات النيابية المقبلة؟
وهل ان روسيا مستعدة للرهان على بلد يستنجد بها على امل ان يحسّن من موقعه التفاوضي مع الاميركيين؟ وهل في مستطاع روسيا ان تنسى مشاكلها الداخلية والمحيطة بها، من الشيشان الى اوسيتيا الى جورجيا الى اذربيجان، وصولا الى علاقاتها المعقدة بكل الجمهوريات السوفياتية السابقة وحاجتها الماسة الى تعاون مع الاميركيين فيها، لتركض خلف حلم امبراطوري سابق لانقاذ حلم امبراطوري اقليمي مستحيل؟
ان زيارة الاسد لموسكو مهمة، ولكن الاهم بالنسبة الى سوريا يبقى ان تعيد تنظيم علاقاتها بالغرب على قواعد جديدة، لأن القواعد التي دامت ثلاثة عقود سقطت، ومعها مشاريع الامبراطوريات الاقليمية.