قد يكون الفارق الابرز بين روسيا غير السوفياتية والولايات المتحدة، اليوم، ان لروسيا من المشاكل الداخلية ما يحول دون تطلعها الى لعب دور فاعل ومؤثر في الخارج، فيما خلو الولايات المتحدة من مشاكل داخلية (تستحق هذه التسمية) يدفعها لان تفتش عن مشاكل خارجية تتيح لها ممارسة دور القطب الدولي الواحد على حساب الجميع... وحساب روسيا قبل غيرها.
من هنا تبدو مطالبة الرئيس السوري بشار الاسد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلعب دور أكثر فاعلية على الساحتين الدولية والشرق أوسطية مطلبا دونته تجارب عقود من العلاقات العربية ـ السوفياتية...فلو تحقق هذا المطلب في السابق، يوم كان الاتحاد السوفياتي «يحاشر» الولايات المتحدة على زعامة العالم، لما كانت القضية الفلسطينية اليوم رهينة قرارات أرييل شارون المزاجية.
أيام الاتحاد السوفياتي، حشرت القضية الفلسطينية لعقود في معادلة استراتيجية يصح اختصارها كالآتي: العرب + الاتحاد السوفياتي (مقابل) اسرائيل + الولايات المتحدة.
وعلى مدى سنوات الاستقطاب الدولي الثنائي لم يكن الخلل الحقيقي في هذه المعادلة ضعف العرب مقارنة بقوة اسرائيل ـ وحرب اكتوبر دليل على القدرة القتالية العربية على الجبهتين المصرية والسورية ـ بل عدم تساوي العامل الروسي (في الشطر العربي من المعادلة) مع العامل الاميركي (في الشطر الاسرائيلي منها) فاستمر الترجيح «الخارجي» للمعادلة لصالح اسرائيل على صعيدي «نوعية» السلاح الاميركي الموضوع بتصرفها ـ مقارنة بما يتسلمه العرب من الاتحاد السوفياتي ـ و«الالتزام» الاميركي بأمن اسرائيل الذي كاد أن يبلغ حد التبني.
حتى إبان ما عرف «بالعدوان الثلاثي» على مصر عام 1956 لم يكن العامل الاول في حمل اسرائيل على الانسحاب من سيناء ما صوره الاعلام العربي آنذاك بانه إنذار «ساحق ماحق» من خروتشوف بل تأنيب الرئيس الاميركي ايزنهاور لحلفائه البريطانيين والفرنسيين على إقدامهم على مغامرة عسكرية من دون استئذان زعيمة حلف شمال الاطلسي أو حتى استشارتها.. الامر الذي اضطر الدولتين الى سحب قواتهما من منطقة القناة واضطر بن غوريون الى اللحاق بهما، بعد حين، في اعقاب انكشاف «التواطؤ» بين المستعمرين القدم في الشرق الاوسط (بريطانيا وفرنسا) والمستعمر الجديد، اسرائيل.
مرة واحدة وقفت الولايات المتحدة بكل وضوح الى جانب حق عربي ـ وان لم يكن محبة بهذا الحق ـ فاستجابت اسرائيل، ولو متلكأة، لمطلبها سحب القوات الاسرائيلية من سيناء، رغم ان بن غوريون كان قد بدأ بتحضير شعبه لاقامة استيطانية طويلة وباشر فعلا بتهويد اسماء البلدات المصرية في سيناء بدءا بما أصبح اليوم لؤلؤة البحر الاحمر، شرم الشيخ (التي ادعى ان اسمها التوراتي مفراتزشلومو).
لا جدال في ان الخلل في العاملين الروسي والاميركي في معادلة المواجهة العربية ـ الاسرائيلية من الستينات الى التسعينات يعود الى اعتبارات عديدة قد تكون في مقدمتها قدرة اسرائيل على التأثير على القرار السياسي الاميركي عبر شبكة «لوبي» منظم ونافذ واضطرار العرب للتعامل مع نظام توتاليتاري مغلق في موسكو، إضافة، طبعا، الى الحسابات الاستراتيجية الثنائية بين موسكو وواشنطن.
ولكن السؤال يبقى: ماذا تغير في موسكو في عهد النظام اللاسوفياتي لتأمل سورية بالحصول منها على صواريخ «اسكندر» المتقدمة... هذا إذا اسقطنا من حساباتنا أن اعمال العنف في جمهورية الشيشان ـ المصنفة رسميا في موسكو بالعمليات الارهابية ـ تجعل علاقتها مع العرب، والمسلمين قاطبة، علاقة ضرورة أكثر منها علاقة خيار.