واشنطن من عصام محمد: ليس من المعروف الآن، اي بعد بدء عمل الادارة الجديدة والتغيرات التي حدثت في وزارة الخارجية، ما اذا كانت جهود إقصاء الديبلوماسي المصري الذي عرف باستقلاليته ستتواصل.
وكانت واشنطن قد اعربت عن استيائها من البرادعي حين رفض تأكيد مزاعمها بامتلاك العراق برنامج نووي قبل الحرب، اذ اكتفى البرادعي بالقول انه لا يوجد لدى الوكالة اي دليل يعتد به على وجود مثل ذلك البرنامج وذلك في رد مقتضب على تصريح ادلى به الرئيس بوش قبل اشهر من الهجوم الامريكي على العراق.
وادى تصريح البرادعي الذي تلقى تغطية اعلامية واسعة في الولايات المتحدة آنذاك الى توعد مكتوم ان جاز التعبير بتسوية الحساب ليس لان البرادعي قال ما قال فحسب ولكن لانه بدا وكأنه تعمد احراج الرئيس بوش في لحظة سياسية حساسة. وقال الامريكيون وقتها انه كان من الافضل ان يبقي البرادعي آراءه داخل القنوات الرسمية للوكالة والا يدلي بها علنا لان ذلك جعله يبدو لاعبا سياسيا في ساحة الجدل التي احاطت بالبرنامج العراقي في ذلك الوقت فيما ان دوره لا ينبغي ان يتجاوز الاطار التقني لعمل وكالته.
وبدأت بعد ذلك مباشرة عملية التنصت على المكالمات الهاتفية للبرادعي بهدف التقاط اي دليل يمكن ان يضاف الى كفة الطلب الذي كانت واشنطن تستعد لتقديمه الى مجلس مديري الوكالة بضرورة إبعاد البرادعي عن منصبه. وكان ذلك امرا مهما ايضا بالنظر الى ان واشنطن كانت تعد آنذاك لفتح الملف النووي الايراني فيما توقع الجميع ان يرفض البرادعي مرة اخرى الانصياع لما تطلبه الادارة الامريكية في هذا الصدد ايضا.
وبعد تسرب نبأ قيام اجهزة المخابرات الامريكية بتسجيل محادثات البرادعي ثارت تساؤلات عن السبب الذي ادى الى هذا التسريب والجهة التي تقف خلفه.وقال البعض في واشنطن ان التسريب لم يكن مقصودا بينما اكد البعض الآخر ان الادارة سجلت ثم سربت خبر تسجيلها عن عمد لتبلغ البرادعي انه تحت المراقبة ولترسل اشارة الى الجميع انها تريد تغييره.
وقيل آنذاك ان مساعد وزير الخارجية جون بولتون الذي يعد احد اعمدة تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة هو صاحب « مشروع «إبعاد البرادعي خاصة وان بولتون وتياره كانوا يعدون لتصعيد قضية الملف الايراني وانهم ادركوا ان البرادعي لن يشارك في اللعبة على نحو ما يأملون.
الا ان الدول الاعضاء في الوكالة ابدت تبرمها من ضغوط الولايات المتحدة خاصة وان البرادعي يحظى باحترام خاص بين المعنيين بقضايا الانتشار النووي فهو اولا قانوني بحكم دراسته الطويلة للقانون الدولي وهو ثانيا على دراية واسعة بالقضايا الفنية المعقدة التي تكتنف مسألة الطاقة النووية والفوارق بين استخداماتها المدنية والعسكرية ثم انه ثالثا يحترم مصداقية الوكالة وينأى بها عن الاهواء السياسية والضغوط الدولية. اي انه كان يجمع الصفات التي ينبغي ان يتحلى بها اي رئيس لهذه الهيئة الدولية المهمة.
وهكذا فان اتصالات الولايات المتحد بالعواصم المعنية لجمع التأييد لإبعاد البرادعي لم تسفر عن اي نتيجة. بل ان وزير الخارجية الاسترالية السابق الذي فاتحته الولايات المتحدة في رغبتها ان يقبل شغل موقع البرادعي رفض ذلك بصورة قاطعة ونقل عنه انه قال للامريكيين انه لا يفهم لماذا يريدون ابعاد شخصية تحظى بالاحترام الذي يحظى به البرادعي في المحافل الاكاديمية والدولية.
الا ان واشنطن لم تتوقف عن اتصالاتها بهذا الشأن. وعلى الرغم من ان لائحة الوكالة تقضي بان يغلق باب الترشيح لرئاستها في الثلاثين من ديسمبر، وانها لم تتمكن من العثور على مرشح مناسب يقبل منافسة البرادعي بل ولم تحصل على التأييد الضروري لمبدأ تغييره من الاصل قبل انتهاء المهلة فان واشنطن لم تغلق الملف بعد.
فقد اشارت تقارير نشرت في العاصمة الامريكية الى ان الادارة كثفت اتصالاتها بعواصم اوروبية شرقية وتمكنت اخير من العثور على مرشح. ولم تكشف التقارير عن اسم ذلك المرشح او جنسيته الا انها كشفت عن ان الاستراتيجية الامريكية تتلخص في استخدام بند من بنود لائحة الوكالة يتيح اجراء تصويت على الثقة في رئيس الوكالة حالما يتوفر 12 صوتا يوافقون على ذلك من مجموع اصوات مجلس الوكالة الذي يضم 35 دولة. فاذا قرر 12 عضوا ممن صوتوا على إقالة البرادعي فلابد عندها من اقالته.
وكان البرادعي قد تعمد الا يعلق على اي شيء مما يدور بشأنه. ونقل عنه تقرير نشر في واشنطن انه قال لاحد مساعديه انه يشعر ان هذه المحاولات «تافهة ولا تستحق التعليق« وانه «تعود على حدوث امور من هذا النوع«.
ويقال في واشنطن الآن ان الادارة توشك ان تصل الى رقم ال 12 الذي تحتاجة من اعضاء الوكالة لاقتراح التصويت على الثقة في البرادعي ومن ثم لاقالته. الا ان هناك من يقولون ان الحملة الامريكية توقفت بعد اخراج بولتون من منصبه. ولم يرصد احد حتى الآن انه تم استئناف الاتصالات على هذا الدرب حتى اللحظة الراهنة. ويعني ذلك ان من الصعب التكهن بما اذا كان هذا التوقف مصدره تخلي الادارة عن سياستها بابعاد البرادعي بالكامل ام انه توقف مؤقت راجع الى رحيل المهندس الاول لمشروع الابعاد اي جون بولتون. الا ان الاسابيع القليلة المقبلة ستكشف حقيقة ما حدث. فاذا لم تتحرك واشنطن على صعيد اقتراح التصويت على الثقة في البرادعي فان ذلك يعني ان المشروع انتهى برحيل مهندسه الاول. اما اذا تقدمت في ذلك الاتجاه فان ذلك سيكشف ان الادارة تتهيأ لتغيير البرادعي ومن ثم تصعيد الملف الايراني بصورة كبيرة بعد ذلك.