تقدم بعض السادة النواب بمشروع قانون لتخصيص مكافآت وامتيازات مالية مجزية لمن يستشهد من رجال الأمن. صعب معارضة او حتى التفكير في التروي عند مناقشة مثل هذا الأمر. فأحد لا ينكر فضل رجال الأمن، وأحد لا يمكن إلا ان يقدّر لهم تصديهم للارهاب وفداءهم أنفسهم في سبيل راحته وأمنه.
لكن رجال الأمن يؤدون واجبا نذروا انفسهم له، تدربوا وأُعدوا له وتم توظيفهم وتخصيص امتيازات وبدلات لهم وفقا له ايضا. القوى المسلحة وقوى الأمن في الجيش والشرطة موظفون اجتماعيون يؤدون وظيفة لها تبعات، ويقومون بعمل يعرفون مسبقا أخطاره ولديهم دراية بظروفه وما يحيط به من أخطار. لهذا فإنه، بعيدا عن الابتزاز الذي يمارسه البعض باسم الوطن، وبعيدا عن الخشية او الخوف من الاتهام بنكران الجميل او الانتقاص من دور رجال الأمن او أي كان ممن فدى البلد وأهله بنفسه، فاننا نرى ان موضوع «الشهداء» بشكل عام، سواء شهداء الغزو او شهداء المهمات الوطنية المختلفة قد استُغل، وتمت المتاجرة به من قبل الكثيرين. ان هذه التجارة تنزع قيمة الشهادة وتلغي معنى التضحية والفداء.. ولكن، مع الأسف، فإن الطمع أعمى والاتجار بالوطنية ليس عليه قيود.
حتى لا يشتط البعض او يفسر الأمر خطأ، فأنا أرى الآن ان المكافأة «العامة» لرجال الأمن ضرورية ورفع رواتبهم بشكل «عام» في هذه الأيام يبدو منطقيا، لأنهم يواجهون أمورا لم تكن تخطر ببالهم او ببال من اختارهم قبل سنين، فهذه أفضل وأجدى من معاقبة أو حرمان المجتهد من المكافأة لانه لم يجرح او يقتل بينما يتم تكريم ومجازاة من قتل او استشهد. كتبت عند اقرار عقوبة الاعدام للاتجار بالمخدرات ان اقرار مثل هذه العقوبة يرفع من درجة الخطر الذي يواجهه رجال الأمن من المتصدين لمروجي المخدرات، وانه في المقابل يجب ان يعاد النظر في أجورهم. الوضع تماما الان.. رجال الأمن يواجهون أخطارا لم تكن معروفة بالأمس، ولهذا فانهم يستحقون وبشكل عام مقابلا و«بدلا» عن الأخطار الجديدة.
مع كل هذا، يبقى ان الأهم إعداد رجال الأمن والصرف على تدريبهم وتجهيزهم بمعدات ومواد واقية تضمن سلامتهم، او تقلل من الأخطار التي يواجهون، وهو الأفضل، وهو الأكثر ضمانا لهم وأمنا للمجتمع.. اما صرف المكافآت والمنح فهو اتجار رخيص بالعواطف واستهتار بقيمة الانسان لم يمارسه إلا الطغاة ومن يدفعون الناس للقتال عنوة مثل صدام حسين.