باريس: كشف نائب في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) النقاب عن ان الرئيس جاك شيراك مازال حذراً من الموقف الأميركي غير المبرر من الرفض السوري لمطالب واشنطن ولتنفيذ القرار الدولي 1559 كما انه لا يفهم حتى الآن أسباب إحجام الولايات المتحدة عن اتخاذ الاجراءات الردعية المناسبة لحمل دمشق على التجاوب مع هذه المطالب وبنود قرار مجلس الأمن.

ونقلت صحيفة السياسة الكويتية عن النائب في البرلمان الفرنسي قوله إن اللقاء المرتقب بين الرئيسين جورج بوش وشيراك هذا الشهر سيدفع بالرئيس الفرنسي بشتى الوسائل الى أن ينتزع من نظيره الأميركي أسباب تردده المثير للدهشة في اتخاذ القرار الحاسم حيال دعم سورية الارهاب في العراق واستمرارها في تنظيم العمليات ضد القوات الأميركية فيه، وهو أمر سيؤكد شيراك انه يثير قادة اوروبا والعالم ويعرض بوش نفسه على المدى القصير الى المحاسبة حول تقصيره في حماية قواته، وحول مسؤوليته في سقوط هذه الأعداد الهائلة من جنوده بين قتيل وجريح »طالما الفاعل السوري معروف.

ونسب النائب الديغولي البارز في حزب شيراك الحاكم الى أحد الوزراء الفرنسيين الفاعلين قوله إن "هناك ظلالاً كبيرة من الشك تخيم لا على العلاقات الفرنسية - الأميركية حول موضوعي العراق ولبنان فحسب, بل على العلاقات البريطانية - الأميركية الأكثر التصاقاً، وبالتالي على العلاقات الأميركية - الأوروبية بصورة عامة، إذ ان قادة هذه الدول مازالوا حتى هذه اللحظة، بعد مضي أكثر من عشرين شهراً على احتلال بغداد، وظهور الدلائل والاثباتات التي لا يرقى اليها أي شك عن ان سورية هي المنبع الأول في المنطقة المحيطة بالعراق للإرهاب وعمليات القتل والنسف والتدمير الجماعي هناك, غير قادرين على فهم أسباب التردد الأميركي في وقف فوري للنظام السوري عند حدوده حتى ولو كان ذلك عن طريق استخدام القوة الذي باتت أوروبا والغرب والعالم العربي تؤيده بقوة لانقاذ العراق من محنته الدموية التي لم يسبق لها مثيل إلا عندما سيطرت القوات السورية على لبنان منذ عام 1976".

وقال النائب الديغولي لـ"السياسة" في باريس أمس إن شيراك سيبلغ بوش في "لقائهما الحاسم" القريب ان فرنسا "لم تعد تعارض في قرارة نفسها تدخلاً فاعلاً لحلف شمال الاطلسي لإنهاء الحرب في العراق وإخراج السوريين من لبنان تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الذي ساندته دول الحلف قاطبة، إذ ان ما يستمر من فوضى في العراق بات يؤثر بشكل واضح لا على المصالح الغربية - الاوروبية في الشرق الأوسط فحسب, بل أيضاً على حلفائنا العرب في المنطقة الذين باتوا معرضين لأن ينتقل الارهاب الضارب في العراق الى دولهم, وهم يلحون علينا منذ مطلع العام الفائت لأن نلعب دوراً هناك يوقف التدخلين السوري والإيراني بشكل حاسم عبر استخدام كل الوسائل, بعد فشل واشنطن الذريع في حماية أمن العراقيين ومواطني الدول المحيطة بهم".

ونقل النائب عن الوزير الفرنسي البارز اعتقاده أن "يخرج الرئيسان الأميركي والفرنسي من لقائهما الأخطر القريب بتحديد مواعيد وأطر عسكرية لعمل واسع ضد سورية التي إذا لم يجر القضاء على تدخلها في الدول المحيطة بها, فإنها أيضاً قد تنسف التوجه السلمي الجديد بين الاسرائيليين والفلسطينيين كما فعلت طوال نيف وعقد من الزمن منذ مؤتمر أوسلو, في الوقت الذي ترى فيه اوروبا وفرنسا وبريطانيا خصوصاً أن وفاة عرفات ومجيء محمود عباس (أبو مازن) خلفاً له يشكلان الفرصة الفريدة لانهاء الصراع, إلا ان السوريين مازالوا عبر التنظيمات الفلسطينية الارهابية التي يحتضنونها في دمشق ويوجهون عملياتها منها ضد الاسرائيليين, ما من شأنه ان يشكل خطراً محدقاً بالجو السلمي المتكون خلال الشهرين الماضيين".

وأعرب الوزير الفرنسي عن اعتقاد حكومته »ان النظام البعثي السوري الفردي يدرك على ما يبدو ان نهايته تكمن في تكوين ثلاث ديمقراطيات برلمانية حوله في العراق ولبنان وفلسطين لأنه غير قادر على التكيف مع أي مفهوم للديمقراطية ونظم وقوانين الحرية, لذلك يعمل مستميتاً على هذه الجبهات الثلاث بكل ما ملكت يداه لمنع اقامة هذه الديمقراطيات عبر محاولات نسف الانتخابات التي من شأن نتائجها ان تؤدي الى حكومات ديمقراطية حرة والى وضع دساتير متطورة تناقض مفهوم حزب البعث ودستوره القائمين أصلاً على العقيدة السوفياتية الشيوعية السابقة القائلة بتسخير الناس لمصلحة الحكم القائم وليس لتسخير أعمال الحكم لمصلحة الشعوب".

وقال الوزير الفرنسي إن تمكن العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين من اقامة أنظمة ديمقراطية حقيقية »سيخنق النظام البعثي في سورية, لذلك يعمد الى وسائل الترهيب لمنع قيام هذه الأنظمة, وإذا لم نبادر فوراً الى كبح جماح مخططاته هذه فإنه على الأقل سيؤخر ولادة مشروع الشرق الأوسط الكبير الديمقراطي سنوات عدة اخرى بمنع عقربي الساعة من التقدم".
وأماط النائب الفرنسي اللثام لـ"السياسة" في باريس عن أن الأميركيين »منعوا رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون بعيد احتلال العراق ثلاث مرات على الأقل من شن هجوم واسع على سورية بهدف اسقاط نظامها, وهو أمر آخر يحيرنا حتى الآن, فيما منعوها كذلك من شن هجوم جوي على ايران لاجتثاث أنيابها النووية والكيماوية والبيولوجية والصاروخية في الوقت الذي تظهر واشنطن نفسها فيه بأنها مصممة على منع الايرانيين من تحقيق حلمهم في امتلاك السلاح النووي بينما هي تقترب كل يوم أكثر فأكثر من تحقيق هذا الحلم".

وفي سياق المنطق الفرنسي الجديد هذا نفسه, كتب المستشرف الاسرائيلي الشهير غي باخور في صحيفة "يديعوت احرونوت" الخميس الماضي يقول "إن في يد الاميركيين اثباتات قاطعة على ان قيادة البعث السورية التي تزرع الارهاب في العراق وتواصل سيطرتها الفعلية على لبنان, تدير العمليات ضد قواتهم في العراق, وان الارهابيين العراقيين يجدون الملجأ, تمويلاً ومساعدة لوجيستية في سورية, وان بعض ابناء عشيرة المجيد, أبناء عمومة صدام حسين وحراس النظام البعثي المطاع به يقيمون في سورية ويديرون الصراع من هناك".

وقال باخور "انه من أجل جنودهم القتلى في العراق, حان الوقت لأن يفهم الاميركيون ان في الحالة السورية الراهنة, لن يكون كافياً التوبيخ مهما كان خطيراً, وحتى العقوبات لم تعد تكفي".

يشار الى ان مصادر فرنسية واسعة الاطلاع أكدت أمس ان الرئيس شيراك والقيادة الفرنسية تعتبر ان القرار الدولي 1559 يلغي جميع التفاهمات والاتفاقات في لبنان بما فيها »الطائف« في حين هدد السفير الاميركي لدى بيروت جيفري فيلتمان بادراج لبنان على لائحة الدول الراعية للارهاب إذا لم توقف الحكومة اللبنانية التنسيق المستمر مع حزب الله.