بهيئة فيلم لم يخلُ من اللحية والسواك والتطرف:
الوليد يلقي حجراً في مياه المملكة الراكدة
سلطان القحطاني من دبي: بلغت تكلفة الحجر الذي ألقاه الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال في مياه بلاده الراكدة نحو ثلاثة ملايين من الدولارات الخضراء، على هيئة فيلم سينمائي لم يخلُ من اللحية والسواك والتطرف والثياب البيضاء التي لا تتعدى منتصف الساق، ويناقش أحد أكثر أهم المواضيع المطروحة في الداخل المحلي، ألا وهو الفكر الديني المتشدد وحروب التحديث التي تضج بها ساحة المملكة ذات الأغلبية المحافظة.
واُفتتح الفيلم السعودي quot; كيف الحال quot; عرضه الأول في أمارة دبي يوم الخميس الفائت في ظل حضور جماهيري وإعلامي ضخم تحلّق حول أبطال العمل الذين لم يتغيب منهم أحد، ولمعت فلاشات التصوير الفضيّة في أرجاء سينما quot;غراند سينما فليكسquot; التي احتضنت الاحتفال الأول الذي أقامته الشركة المنتجة للفيلم quot;روتاناquot; للصوتيات والمرئيات مدفعية الأمير الوليد الثقيلة في الساحة الإعلامية العربية.
ويحكي الفيلم، الذي لن يُعرض في المملكة العربية السعودية كونها لا تحوي أي دور عرض سينمائي، قصة شاب يعاني من البطالة، كحال نحو 8 في المنة من الشبان في البلاد، ويحاول إنتاج فيلمه الخاص وتحقيق حلمه بافتتاح مسرح للفن التجريبي في أحد الأحياء وسط العاصمة، إلا أن عقبات عديدة تعترضه خلال هذه المحاولات منها أن أحد رجال الدين، الذين يمثلون ثقلا ًلا يستهان به داخل المملكة، حاول إعاقته بإبلاغ قوى الأمن عنه بأنه يحاول نشر الرذيلة.
ويشير الفيلم الذي تبلغ مدته نحو تسعين دقيقة إلى الموقف الوسطي الذي تتخذه الحكومة السعودية في أتون المناكفات بين القوى المحافظة في المجتمع وبين رجال الدين ومناصريهم الذين يريدون تطبيق نسخة متشددة من الإسلام السني، وذلك عبر المشاهد في الفيلم التي يظهر فيها رجال الأمن السعوديون وهم يحاولون إفهام الطرفين ضرورة التقيد بخطوط اللعبة بما يكفل احترام النظام والقوانين المعمول بها في البلاد.
وإن لم تكن من الراصدين لهيئة الحراك الاجتماعي في المملكة السعودية، الغنية بالنفط، فإنك ستشاهد ما يكفيك من أصوات المجتمع وشجونه على شاشة ضخمة وملوّنة: رغبة المرأة في قيادة السيارة، والتي صورها الفيلم على أنها إحدى الضرورات في حال إصابة رب الأسرة، الشقيق المتدين الذي يقوده صديقه نحو تطرّف أكبر، البطالة التي تنتشر في صفوف الشباب وعدم وجود متنفس يحتويهم، إضافة إلى العديد من المشاهد الأخرى التي تبين ما وصلت إليه البلاد من تحولات.
وفي افتتاح فيلم quot; كيف الحالquot; امتلأت مقاعد الصالة التي تحمل الرقم 5 بالمشاهدين الذين جاؤوا من دبي ومن مناطق المملكة العربية السعودية، التي يقوم سكانها بهجرة أسبوعية إلى المملكة المجاورة البحرين لارتياد صالات السينما، إذ تقدر الإحصاءات التقريبية أن نحو 57 ألف من الشباب السعوديين يزورون المنامة أسبوعياً لهذا الغرض، ويضخون ما مجموعه 22 مليون دولار في العطلة الأسبوعية على أقل تقدير.
وفي أحد المقاهي التي لا تبعد عن مقر الصالة التي شهدت العرض الأول للفيلم السعودي الروائي الطويل، شوهدت بضعة نساء سعوديات وهن يرتدين عباءاتهن السوداء دون أن يستخدمن غطاء الوجه، وينتظرن دورهن أمام الشباك للحصول على تذكرتهم. تقول إحداهن التي رفضت ذكر أسمها بسبب خشية ردود الفعل : quot;أتمنى أن يأتي اليوم الذي أقف فيه في مثل هذا الصف أمام شباك تذاكر إحدى سينمات الرياض .. لا أهتم بكون البائع رجلا ً حينها، المهم أن تكون هناك سينماquot;.
ومنذ أكثر من أربعين عاماً لم تعد هناك دور للسينما في السعودية بعد التحولات التي شهدها المجتمع نتيجة لعوامل عدة، كان من أهمها صعود نجم التشدد الديني في سائر أرجاء العالم الإسلامي.
ومؤخراً تجاوز وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور إياد مدني سؤالا ً حول إنشاء دور للسينما في بلاده قائلا ً أن الأمر ما زال بيد المجتمع حتى اللحظة.
وعلى الرغم من أن الفيلم السينمائي السعودي الأول يشعر بغربة كبيرة كونه لم يحصل على تأشيرة دخول إلى بلاده حتى الآن، إلا أن إعلاميين خليجيين رأوا بأن الأمير الوليد بن طلال الذي موّل الفيلم اتخذ خطوة تقدمية تحسب له في السير بالمجتمع نحو الوجهة التحديثية التي يقودها عمّه عاهل البلاد الملك عبد الله بن عبد العزيز، مما جعلهم يصفونه بأنه quot;الأمير محترف الزوابعquot; الذي لا يتوقف عن تحريك المياه الراكدة.
وقبل بدء عرض الفيلم تحدث كل من الفنان هشام الهويش خالد سامي وميس حمدان ومحمد الصيرفي والدكتورة هالة سرحان و عبروا عن بالغ تقديرهم وشكرهم لشركة روتانا ومنتج العمل أيمن حلواني الذي كان حاضراً بهدوئه المعتاد، على غير مبعدة من الإعلامي السعودي تركي الشبانة صاحب شرارة الفكرة الأولى للفيلم، والذي حضر حفل الافتتاح بزيّه الوطني مرتدياً دشداشة بيضاء وكوفية حمراء مرقّطة . وقد حضر حفل الافتتاح السيد عبد الطيف شلبي مدير العلاقات العامة والإعلام في الشركة.
ويقول الهويش الذي كان النجم الأول الذي تطارده عدسات التصوير خلال العرض الأول للفيلم في الإمارات العربية المتحدة :quot; إنها تجربة مهمة كونها الأولى في السينما السعودية ..إنه فيلنما الأول وأنا متفائل بهquot;. ويضيف وهو يوقع اتوغرافات لمعجبين صغار أن سعادته هذا اليوم quot; لا يمكن وصفها أبداًquot;.
ولكن هذا العصفور السينمائي الجديد لن يستطيع الحصول على تأشيرة دخول لفيلمه، الذي يعتبره عشّه الدافئ، إلى بلاده خلال السنوات القليلة المقبلة، كما تشير القراءات المعمقة لتحولات المملكة العربية السعودية، إلا إذا شهدت مياهها الراكدة مزيداً من الأحجار ذات العيار الثقيل بشكل متتابع.
التعليقات