السياسة الخارجية ترى النور
لبنان يتحرك لدعم فلسطين
اجتماع للخبراء العرب لاتخاد موقف من الاعتداءات الاسرائيلية
بلال خبيز: يرى المراقبون والمقربون من رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة ان التحرك اللبناني في اتجاه مجلس الامن والدول العربية والغربية لمتابعة الموضوع الفلسطيني وتحريك مجلس الامن ضد اسرائيل حيال ما يجري من عدوان على مناطق غزة وقطاعها، وهو نشاط لبناني غير معهود في العقود الاخيرة، يعبر، بما لا شك فيه، عن حد مقبول من استقلالية السياسة الخارجية اللبنانية التي كانت طوال العقود السابقة ملحقة الحاقاً كاملاً بالسياسة الخارجية السورية. وعدا محاولات بالغة الاهمية في محطات مفصلية كان يقوم بها الرئيس الراحل غيلة رفيق الحريري، مستنداً إلى وزنه الدولي وعلاقاته المتشعبة، لم يكن المسؤولون في السياسة الخارجية اللبنانية يستطيعون ان يفعلوا اكثر من السباحة في فنادق الدرجة الأولى، والصمت المعبر في الجلسات الرسمية وفي كواليس السياسة الخارجية، ومحاولة تخمين ما يريد المسؤولون السوريون من اللبنانيين ان يعلنوه.
وحده الرئيس الحريري، مستغلاً علاقاته المتشعبة، كان يقوم بادوار استثنائية تتجاوز واقع الحال السياسي اللبناني، واحياناً واقع الحال السياسي السوري نفسه. فكان الرئيس الراحل يتحرك في اللحظات الحرجة، مثلما جرى في تموز - يوليو 1993 حين شنت اسرائيل عدواناً واسعاً على جنوب لبنان، او في نيسان - ابريل 1996 حين قامت اسرائيل بعملية quot;عناقيد الغضبquot; ضد لبنان والتي اسفرت عن ارتكاب جيشها يومذاك مجزرة مروعة في بلدة قانا الجنوبية، وانتهت مغامرتها بالاتفاق مع حزب الله وسورية على ما دعي quot;تفاهم نيسانquot;. في تلك اللحظات المفصلية كان الحريري يستثمر كل علاقاته الشخصية ويوظفها في خدمة لبنان وسورية والمنطقة، حتى قيل بحق انه وزير خارجية البلدين في اللحظات الصعبة.
الحريري كان يوظف وزنه الشخصي في هذه المناسبات الخطيرة، وتالياً لم يكن ممكناً الحديث عن سياسة لبنانية خارجية متماسكة وتستند إلى اسس يمكن الاعتداد بها، لكن النشاط الدبلوماسي الذي بذله رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة إثر تصاعد حدة الهجوم الإسرائيلي على غزة والقطاع بدا خير معبر عن ولادة سياسة خارجية لبنانية مستقلة، ولا غبار على عمق التزامها القضايا العربية والدفاع عنها في المنتديات والمحافل الدولية والإقليمية.
ويضيف المقربون من رئيس الحكومة اللبنانية ان اهم ما يميز هذه السياسة ويعطيها مصداقية، يتصل اتصالاً وثيقاً بنظرة تعاطف دولية امام معاناة الشعب اللبناني طوال اكثر من ثلاثة عقود من النزاعات اللبنانية ndash; اللبنانية والعربية ndash; العربية والعربية - الاسرائيلية على ارض لبنان وساحته، وهو النزاع الأطول عمراً والأكثر تعقيداً من كافة النزاعات الأخرى في المنطقة بعد النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، ويملك من التعقيدات ما يجعله نزاعاً مستعصياً على الحل، ومعقداً كما هي حال النزاع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، مما يجعل التوق اللبناني إلى انهاء فتائل النزاع واسبابه، والنجاح في عبور مجازفة الحرب الأهلية اللبنانية الباردة نحو جعلها سلماً اهلياً بارداً، مثار تقدير عالمي ودولي للشعب اللبناني، الذي عانى الأمرين في سبيل استقلاله ووحدته وتحرره من الاحتلال الإسرائيلي. وهذا ما يجعل الحركة الدبلوماسية اللبنانية على قدر من الفاعلية وتلقى تجاوباً من اي حركة اخرى في المنطقة. طبعاً ثمة تحركات عربية فاعلة اخرى تملك اسباباً أخرى لفاعليتها، تتصل بالدور والوزن والفاعلية كما هي حال مصر ذات الوزن الإقليمي، وكما هي حال المملكة العربية السعودية ذات الوزن العالمي، إذ لا يخفى ان بعض المحللين الاقتصاديين الاميركيين في التسعينات من القرن الماضي كانوا يرون في المملكة العربية السعودية منافساً اقتصادياً مرموقاً للويات المتحدة الاميركيةة في المقبل من السنوات. لكن التحرك اللبناني يملك اساساً عاطفياً وسياسياً في الوقت نفسه وهذا ما يجعله تحركاً ذو قيمة معنوية على الاقل، فالعالم ينظر إلى التجربة اللبنانية بعين المتعاطف الحذر والمتأمل في الوقت نفسه. فلو نجحت التجربة اللبنانية في تخطي المصاعب الهائلة التي تعترض استقرار البلد وامنه وديموقراطيته، لشكل لبنان نموذجاً يمكن الاستفادة من تجربته في حلحلة الصراعات الأشد تعقيداً في المنطقة او المساعدة على حلحلتها، بدءاً من فلسطين وصولاً إلى العراق والازمات الملبننة التي يعانيها.
لا شيء يدعونا إلى افتراض ان التحرك الدبلوماسي اللبناني يمكن ان يوقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. لكن النشاط الدبلوماسي اللبناني يملك ملمحاً آخر يتوجب علينا الانتباه له. فحين يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت انه لن يوقف حربه على الفلسطينيين ما لم تعتقل دمشق قادة حماس المقيمين هناك والذين، بحسب السيد اولمرت، يخططون للعمليات quot;الإرهابيةquot; من هناك، فإن ذلك يذكر اللبنانيين بمرارة الإعتداءات الإسرائيلية ربيع العام 1996 حين قصفت طائرات quot;تساحالquot; محطات الكهرباء اللبنانية وامطرت قرى الجنوب اللبناني ناراً وباروداً، مطالبة دمشق، إياها، بوقف العمليات quot;الإرهابيةquot; على جيشها وعملائها التي تنطلق من جنوب لبنان، ويخطط لها في دمشق بحسب القادة الإسرائيليين يومذاك. يومذاك كان اللبنانيون يذوقون الموت والنار والدم، والهدف اخضاع دمشق. كما لو ان الدم اللبناني مباح وليس بذي قيمة، ويمكن اهداره من اجل اي شيء في العالم وبسبب اي هدف.
تصريح اولمرت المتعلق بمسؤولية دمشق عما يجري داخل الخط الأخضر في الوقت الذي يمطر جيشه الشعب الفلسطيني بالنار واللهب، يذكر لبنان بتلك المعادلة الجائرة التي كانت تستبيحه عند كل مناسبة باعتبار ان البنادق الإسرائيلية لا تصوب إلا على الهدف السهل.
التعليقات