لحود: استحضار لغة الحرب لا يخدم الاستقرار

حزب الله :خطاب جعجع انفعالي

بلال خبيز من بيروت : شكل الحشد السياسي والشعبي الذي احتشد في يوم الشهيد الذي نظمته القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع مناسبة حارة في لبنان لاستئناف النقاش في اوضاع الطائفة المارونية في لبنان. وذهب بعض المحللين إلى التدقيق في نوعية الحشد لجهة الشخصيات التي السياسية التي أمت المهرجان، وحجمه بوصف تقاطر عشرات الألوف من اللبنانيين إلى سيدة حريصا لسماع خطاب سمير جعجع مثابة استفتاء ماروني على حجم الزعامة التي يمثلها وحدود الانقلابات في الرأي العام الماروني خصوصاً والمسيحي في وجه عام. وعليه رأى هؤلاء ان انقلاباً حاسماً في توجهات الرأي العام الماروني قد حصلت وان المهرجان جاء ليثبت سمير جعجع زعيماً مبرزاً من زعماء الموارنة ويكاد يكون الابرز بينهم والاكثر قوة.


طلعاً لن يمر استعراض القوة هذا على الجنرال ميشال عون مرور الكرام ويسلم به تسليم الأمر الواقع، وستعود لعبة الحشد والحشد المضاد إلى البروز في يوميات السياسة اللبنانية في المقبل من الأيام والشهور القادمة. لكن الحشد المضاد لن يجعل من سمير ججع زعيماً ضعيفاً، فقدرته على الحشد باتت ثابتة ولا يرقى إليها الشك.
لكن الحشد الذي تقاطر لسماع سمير جعجع يخطب في يوم الشهيد لم يؤثر قليلاً او كثيراً في طبيعة الخطاب الذي القاه القائد الماروني الأبرز اليوم. بل ان سمير جعجع جعل من هذا الحشد مناسبة للرد على السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الذي اعلن فيه العمل بكل قوة على اقامة الدولة القوية والعادلة والتي وحدها قد تحل مشكلة سلاح حزب الله. عنوان هذه الدولة بالنسبة للأمين العام لحزب الله يتلخص في مطلبين واضحين: قانون انتخاب جديد لم يحدد عناوينه العريضة وحكومة وحدة وطنية. معتبراً ان الحكومة الحالية غير قادرة على قيادة البلد في هذه الظروف والأوضاع الدقيقة.


رد سمير جعجع على السيد نصرالله معتبراً ان المهمة الاكثر الحاحاً اليوم هي مهمة إقالة رئيس الجمهورية. والحق ان بقاء الرئيس لحود في منصبه معزولاً ومن دون اي دور فعلي لا يستقيم مع مطلب بقائه من قبل حزب الله والمطالبة برحيل الحكومة، إلا إذا كانت الدولة القوية بالنسبة لحزب الله هي الدولة التي يرأس سلطاتها الثلاث رؤساء يشبهون الرئيس لحود من حيث الوزن والقدرة والقوة والفاعلية.


أعلن سمير جعجع ان quot;رئاسة الجمهورية لنا وسنستعيدهاquot;. والحق ان مثل هذا الإعلان وبصرف النظر عن حجم الحشد الشعبي الذي يمثله جعجع في وسط الطائفة المارونية يجعل من مطلب السيد نصرالله مطلباً فئوياً وليس كما اراده السيد نصرالله ان يكون مطلباً وطنياً عاماً. فحين يعلن قطب من اقطاب المارونية السياسية مدعوماً بهذا الحشد الواسع من الشخصيات السياسية المارونية رفضه لمطالب حزب الله، لا يعود باستطاعة حزب الله ان يفرض مطالبه على اجندة البلد بوصفه ممثلاً حصرياً لمهمة الدفاع عن البلد لا يشاركه في هذه المهمة احد. فالأطراف الاخرى في البلد لا تشاركه رأيه في النصر ولا وسائله في الدفاع، مما يجعل سلاحه تالياً قيد التجاذب الحاد، ينقسم اللبنانيون حول جدواه ولا يجمعون عليه.


لكن هذا الحصار الذي نجح سمير جعجع في تنفيذه، مستكملاً طوق الحصار الاهلي الذي افتتحه وليد جنبلاط، على السيد حسن نصرالله ومطالب حزب الله، لا تجعل من سمير جعجع زعيماً مارونياً يستطيع ان يقود الطائفة نحو دور متجدد في لبنان. وان كان ينجح في جعل دور حزب الله اهلياً وليس وطنياً فإنه لا يكف عن المراوحة عند حدود الدور الماروني السلبي الذي يستطيع التعطيل والاعتراض لكنه لا يقترح اي نوع من الدور الإيجابي لطائفة رائدة في البلد وتملك بيدها مقاليد هوية البلد الأصلية والمعنى الجوهري الذي نشأ لبنان على اساسه.


لاحظ المطارنة الموارنة في النداء السابع الذي اصدروه في التاسع من هذا الشهر، ان دور الطائفة المارونية في لبنان يحتاج لتجديد في الجوهر الذي يقوم عليه، والأرجح ان المطارنة الموارنة كانوا يلمحون إلى دور يتجاوز حدود الطائفة المارونية ويعبر إلى ارجاء البلد كلها. لم يصرح المطارنة بطبيعة هذا الدور ولم يحددوه في بيانهم، لكن الإشارات كلها كانت تنحو منحى يفيد ان الدور الماروني الممكن والمفيد والذي لا يمكن لغير الموارنة اداءه في تمتين وحدة البلد وتقرير مستقبله هو دور الطائفة الحريصة على صناعة آليات الحوار الديموقراطي بين اللبنانيين، ولا شك ان مثل هذا الدور متاح لرئيس الجمهورية بحكم صلاحياته والدور المنوط به بحكم الدستور. مما يعني ان معركة استعادة رئاسة الجمهورية التي كانت مطلب قائد القوات اللبنانية الأول تصب في مصلحة هذا الخيار، لكن مثل هذا الخيار يحتاج إلى خطاب سياسي اوسع افقاً واكثر عمقاً من مجرد الرد على السيد حسن نصرالله.