عن الدور الإيراني في المنطقة والتحديات أمام الخليج
الفيصل تخلص من الأعباء الرسمية وتحدث بجرأة

ايلاف من أبو ظبي: الحضور الذين استمعوا إلى محاضرة السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير تركي الفيصل خلال اليوم الأخير من المؤتمر الثاني عشر، الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، شعروا بأن هذا السياسي المحنك الذي يتحدث إليهم من المنصة قد تخلص من القيود الرسمية بعد مغادرته الحياة السياسية وأصبح طرحه أكثر جرأة، إذ تحدث عن الدور الإيراني في لبنان وأشار دون وضوح مطلق إلى عمليات العنف التي تقوم بها القوى الشيعية في العراق.

وفي الكلمة التي تنشر quot;إيلافquot; نصها كاملاً، قسّم الأمير السعودي، الذي أمضى ربع قرن من حياته في العمل الاستخباراتي، الخليج إلى quot;فسطاطينquot;: الأول تمثله quot;إيران الشيعيةquot; حسب وصفه، والثاني الدول السنية الممتدة على شواطئ الخليج العربية، قائلاً إن العديد من الطروحات السياسية التي تأتي من الخارج تميل إلى تقويض حركة التعايش السلمي بين ايران وجارتها من دول الخليج عبر التحليلات التي تفترض أن طهران سوف تصبح قوة مهيمنة على الشرق الأوسط.

التحديات التي تواجه دول الخليج العربية

quot;بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تلاهم بإحسان إلى يوم الدين. أشكر سمو الأخ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على دعوته الكريمة للحضور. كما أشكر الدكتور جمال السويدي لما يقوم به من خلال هذا المركز لإثراء التفاهم و إذكاء حب المعرفة في من يهمه أمر ذلك.

أيها الأخوات والإخوة:

لقد واجهني عنوان هذه المحاضرة quot; التهديدات والمخاطر التي تواجه دول مجلس التعاون quot; يومياً حين عملت سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في كل من المملكة المتحدة وايرلندا والولايات المتحدة، وما يلي هو تبيان لما خالجني من أفكار ومعلومات طوال السنوات الأربع الماضية في محاولة للتصدي لهذا الموضوع الشائك والحيوي لنا أبناء الخليج العربي.

يواجه مجلس التعاون لدول الخليج العربية أزمة تعكر صفو الاستقرار فيه وتهدد أمنه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وحالة الأزمة أصبحت ظاهرة تخطّى الحديث عنها النطاق الإقليمي، فغدت محور كتابات كثيرة تحللها وتبحث عن دوافعها وتقترح لها الحلول يغذي بعضها روح الكراهية والعداء مستفيدا في ذلك من خلافات مذهبية وسياسية تطرأ بين طرفي الخليج: دوله السُّنيّة على شواطئه العربية، وإيران الشيعية على الشاطئ الآخر.

وهذه الكتابات والتحليلات الصادرة عن محللين سياسيين يعيشون بعيداً عن المنطقة جعلت من إيران محوراً لمدّ شيعي يسعى حثيثاً إلى مدّ نفوذه في منطقة الهلال الخصيب ، مما يعني تقويض حركة التعايش السلمي بين أطياف المجتمع العربي بمختلف مذاهبه وعقائده التي ظلت قائمة على مدى قرون طويلة، ومن ثم كما يزعم هؤلاء المحللون بروز إيران كقوة مهيمنة في المنطقة، وقد ساعد على قبول مثل هذه التحليلات غير الايجابية بروز قوى حديثة التكوين في المنطقة تدور في فلك إيران اشتدت في تحديها لكل ما يخالف توجهاتها فلجأت إلى العنف لتصفية حساباتها مع إخوانها السنة فسمتهم تارة بالوهابيين ، وتارة أخرى بالتكفيريين ، وأشاعوا أنهم ممن ساندوا أو سكتوا على اضطهادهم في فترة صدام حسين في العراق ، والحق انه إذا عدل صدام في شيء ، فلقد كان عادلاً في اضطهاده لكل العراقيين وبكل أطيافهم وطوائفهم .

وفي المقابل فإن هناك عناصر انطلقت من عالمنا السني بدعوة بغيضة لقتل من سموهم بالرافضة والتنكيل بهم، واجتمعت الفئتان في العراق الذي أصبح مَلْفاً ومسرحاً لشتى أنواع الكره والبغض والمنكر. وهنا يبرز السؤال عن حقيقة ما يوصف بالخطر الإيراني وربطه بأحداث العراق ولبنان وانعكاسات ذلك على أمن واستقرار دول مجلس التعاون.

لقد رأينا قبل يومين اللقاء بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس أحمدي نجاد وقد اتفقا على إخماد نار الطائفية المشتعلة في العراق وإطفاء جذوتها في لبنان، ولذلك فإنني أفضّل النظر إلى إيران بوصفها دولة جارة وصديقة تربطنا بها روابط تاريخية ومصالح اقتصادية وتقارب في نمط الحياة الاجتماعية، وإذا كان هناك خلاف مذهبي بين إيران ودول المجلس فيجب ألا يؤدي هذا الخلاف المذهبي إلى أي نوع من العداء والكراهية، لأنه خلاف قديم يصعب علاجه بين يوم وليلة، وتجاوزه يكون بتحكيم العقل والرجوع إلى جوهر الدين الإسلامي الحنيف ، وتغليب سماحته ، وتوعية عامة الناس بأن التعايش مطلوب من أجل توفير الأمن للمنطقة، وأن لا فائدة من تسخير جزئيات من السلبيات المذهبية في زمن يحتاج فيه الناس إلى التقارب والألفة لتحقيق الرفاهية والاستقرار لشعوب المنطقة بأكملها. إن إيران و دول مجلس التعاون نسيج باهر من السنة والشيعة يشبه في دقة حياكته أبرع ما ينسج من زرابى في تبريز أو نائين أو شيراز.

يجب أن ندرك أن جزءاً كبيراً من الخلاف المذهبي تحول إلى فعل سياسي صرف، وإذا ما تم الركون إليه تحول إلى خطر عظيم؛ لأنه سوف يصبح باعثاً على الخوف من الآخر والتوجس منه والارتياب من أفعاله، ولو استسلمنا لهذه المخاوف والتوجسات فلن يكون هناك معنى لوجود نفوذ إيراني في العراق أو لبنان أو فلسطين، ولا لنفوذ سعودي فيها ، إذا كان الغرض أن يتواجه ويتصدى كل فريق للآخر هناك ، وما يفترض أن يكون هو تعاون من أجل البناء وشراكة بين دول متجاورة تعملمعا من أجل إخراج المنطقة من الأزمات الخانقة التي تواجهها اليوم.

فلم لا نأتي البيوت من أبوابها ونحول هذه النفوذ إلى استثمارات في العراق ولبنان وفلسطين ، ودعم للتنمية فيما ، بل و بيننا أيضا فنتطلع إلى استثمار سعودي في مشهد أو شيراز مقابله استثمار إيراني في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية أو في الجبيل ، وبذلك نُذهب عنا رجس التوجس والشك .

إن دول الخليج كلها وليس دول مجلس التعاون وحدها تواجه تحديات ومصاعب جمة . تحتاج إلى حلول عقلانية أهم من تأجيج خلافات مزعومة ، كالقول بصراع بين السنة والشيعة في العراق، أو البحث عن هلال شيعي أو مدّ سني هنا أو هناك؛ ففي إيران بطالة وصعوبات اقتصادية واجتماعية متزايدة وزيادة في عدد السكان مطردة. ومثلها عندنا في دول مجلس التعاون وإن اختلفت الأرقام مما يستدعي الاجتهاد والعمل المشترك، استناداً إلى المعارف التي أكسبنا إياها الخالق وتعاونا مشتركا، وحالة استقرار تساعد في تطبيق خطط التنمية.

وأما الذين يبحثون عن حلول غيبية غير واقعية بوساطة مهدي منتظر أو إمارة إسلامية مزعومة ، تستمد من الموروث التاريخي فإنما يعترفون بعجزهم عن معالجة تحديات اليوم، بوسائل دنيوية بشرية، وفق السنن الإلهية التي وضعها الله عز وجل واشترطها لإعمار الأرض، وجعل من مستلزماتها العمل ثم العمل ثم العمل، مع الإخلاص وبذل الجهد والشورى، ثم يكون توفيق الله بعد ذلك (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

إن الاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة وجلهم من الشباب يجب ألا تكون بتخديرهم وجعلهم ينتظرون (مائدةً من السماء) ولا بنشر أفكارٍ متطرفة بينهم تشل قدراتهم الإنتاجية، وتُورث التواكل، وتُشيع التعصب والاختلاف. ولذلك فإن التحدي الأول الذي يواجهنا، على جانبي الخليج، هو أن نعمل بإخلاص على العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه ونقتدي به عليه الصلاة والسلام في تأسيس فكر سياسي بَنّاء يخص أمور الدنيا، دون إغراق في الغيبيات، ومن ثم نشرع في فتح آفاقٍ للتعاون والبناء المشترك والتبادل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمواجهة التحديات الحقيقية.

إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تسعى إلى استتباب الأمن لجميع دول المنطقة روحياً واقتصادياً، ولذلك فلقد أكدت المملكة العربية السعودية وشريكاتها في مجلس التعاون على ضرورة حل القضية الفلسطينية ، حلا عادلا ، لأنها قضيتنا الاولى ومرتكز امننا وهمنا ، ، وكذلك على ضرورة خلو منطقة الشرق الأوسط من جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل، وحق جميع دول المنطقة المشروع في الاستخدام السلمي لجميع أنواع الطاقة، بما فيها الطاقة النووية، ولقد حثت دول المجلس إيران لمرافقتها في هذا المجال. ولا يحق للمجتمع الدولي أن يكيل بمكيالين فيحرمنا وإيران بل يندد بنا جميعاً عندما نسعى إلى اقتناء أسباب المعرفة النووية من جهة، ويغض الطرف بل ويدير ظهره لما قامت وتقوم به إسرائيل التي أصبحت تملك القنبلة النووية.

ما ذكرته سابقاً يدخل في إطار التمني والأمل، وإن كنت أقر بأن الحكمة لا تزال غالبة في جانبي الخليج، ومن ضمن ما أتمناه هو أن نغير نظرتنا تجاه ما يمكن أن نطلق عليه (عقدة العيب) التي تظهر عند ربط الاهتمام بالمصالح المادية. إن العلاقة القائمة على مصالح مادية بين الدول مفيدة وإيجابية، فلا نقيسها بالعلاقات الإنسانية الخالصة بين رجل وشقيقه أو صديق وصديقه، وأعطي مثالاً على ذلك بعلاقة المملكة بدول الخليج وهي علاقات ممتازة وأخويه ولكن البحرين ودبي هما أقرب من غيرهما بحكم الاستثمارات السعودية الهائلة فيهما، وحجم التبادل التجاري المتزايد بينهما والمملكة ، وفي هذا السياق تسعى المملكة وتضع في قائمة أولوياتها التنموية التكامل الاقتصادي بينها وبين جميع دول الخليج العربي.

ولنا في لبنان أنموذج آخر، فهذه العلاقة والمصالح مع لبنان جعلت المملكة تنشغل بتطورات الوضع هناك منذ استقلاله ، وحتى التنازع الأخير بين الحكومة والمعارضة، والذي خرج عن الإطار المقبول واقترب من حالة الفتنة السياسية والأدهى من ذلك ، الطائفية، ولما كان طرف النـزاع الرئيس مرتبطاً فكرياً وعضوياً بإيران، وأقصد هنا حزب الله، كانت المملكة ودول الخليج ولا تزال مرتبطة بكل لبنان، فلا يمكن القول بان حلفاءنا هناك السُنّة دون غيرهم ، لأن موقع المملكة الريادي في العالم الإسلامي يحتم عليها أن تكون لكل العرب والمسلمين ، دون تفريق بين طائفة وأخرى، مسلمة أو غير مسلمة، ودفعاً للتنافس والشقاق فقد وجدتِ المملكة أنه من الضروري فتح حوار مع إيران بدلاً من الصراع معها في لبنان، لأن الصراع سيضر أولاً باللبنانيين كلهم، ثم بالعلاقة بين الجارين الكبيرين على ضفتي الخليج، وأخيراً وهو الأمر الأهم سوف يضر أي صراع بالعلاقة المتوترة أصلاً بين السنة والشيعة، وهي علاقة لم نبذل بعد الجهد الكافي لعلاج اضطرابها بطرق تؤدي إلى تأصيل أسس للتعايش الحضاري في إطار روح التسامح الهائلة التي يفيض بها ديننا الحنيف، فإن لم نستطع فعل ذلك فعلى الأقل نمنع الاحتراب بين أتباع المذهبين.

ومما لا شك فيه أن أي صراع ينشأ بين السعودية وإيران في لبنان سوف يمتد إلى خارجها، ولن يجد له من مشجعين سوى المتطرفين في الجانبين الذين لا يعيشون ولا يزدهر منطقهم السقيم والأعوج المخالف للإسلام الصحيح إلا في زمن الفتن والنـزاعات، فإذا غابت الفتن أثاروها، وإذا اصطلح الناس فتنوا بينهم وأججوا الخلاف والشقاق، أما المشجع الآخر فأجنبي غريب، يعيش على خلافاتنا ويبرر وجوده بيننا بنـزاعاتنا؛ ولذلك فنحن نتشاور مع كل اللبنانيين، ونسدي النصح لهم ونستمع إلى ما يخالجهم من اهتمامات وهموم ونقارب ونوازن بينهم ، ولكننا حريصون كل الحرص على ألا نخدش سيادة لبنان أو أن نقدم مصلحتنا على مصالح الشعب اللبناني.

إن الأزمة اللبنانية مستمرة، وهذا أمر لا يمكن إخفاؤه، ولكن يمكن القول إن حدتها خفّتْ بعض الشيء بفضل التواصل السعودي الإيراني الذي أدّى بالتعاون مع القوى اللبنانية المختلفة إلى تجاوز لحظات حرجة كادت أن تُفجر كل شيء، ولا تزال المساعي مستمرة، وعسى أن تكلل بنجاح قريباً.

إن المبدأ الذي تنتهجه المملكة في التفاوض ليس التهديد، أو القوة العسكرية، أو الضغوط السياسية، وإنما هو مبدأ يستند إلى حقيقة قوامها أن شعوب المنطقة تريد العيش الكريم، والأمن، والاستقرار، مع الحرية والكرامة كي يسعى كل مواطن في طلب ما قسمه الله له من رزق يوفر له بيتا يأويه، وتعليما لأبنائه وصحة تغنيه. إنه منطق سليم، وعندما نتفق عليه مع الطرف الآخر نستطيع أن نحل به كل مشاكلنا، ولا يبقى حينها اختلاف حول تشكيل محكمة دولية تقضي بالحق في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري رحمه الله، فهذه المحكمة إن أدّتْ دورها فلن تكون بدافع سياسي بل بدافع أمني يحتاجه كل مواطن في لبنان، كما أنه لا معنى للاختلاف على حقوق الشيعة في لبنان؛ إذ إن من البديهي أن لهم التمتع بكل الحقوق التي يفترض أن يتمتع بها أفراد المجتمع اللبناني كافة للمشاركة في بنائه والاستفادة من خيراته. لا يبغون ولا يهمشون، طرف في الحكومة، فلا يُقصون عن قرار ولا يفرضون على الشعب قراراً.

وإذا انتقلنا إلى مشكلة العراق فسوف نجد أن هناك حاجة ملحة وضرورية إلى تعاون سعودي خليجي عربي إيراني يسعى حثيثاً إلى رأب الصدع دون انتظار حل الأزمة في لبنان، وإن كان حلها هناك سوف يساعد في توفير أرضية تشكل قاعدة يمكن البناء عليها، ولكن وضع العراق لا يمكن تأجيله إلى حين حل أزمة لبنان ، فهو ينـزف الآن وكل يوم وبغزارة، وثمة حاجة للتعاون فيه للم الشمل.

أيها الأخوات والإخوة:

إنه لمن المؤسف أن في العراق قوى سياسية لم تتعلم بعد فن التعايش وتقاسم السلطة، واللجوء إلى العقل في إعطاء كل ذي حق حقه بدلاً من السعي إلى استئصال الآخر ونفيه وتشريده. إن هذه القوى بحاجة إلى أن يقدم لها العون كي تنهج النهج القويم الساعي إلى تحقيق العدالة والمساواة والحرية لأفراد المجتمع العراقي، وعلينا ألا نسمح لها باستغلالنا من أجل تصفية حساباتها، والتمدد ألقسري على بعضها البعض مستخدمة سلاح التشدد والمذهبية، لتغطية أطماعها السياسية ، وتحقيق شهوة الزعامة والتسلط. ونطالبها بالكف عن المزايدات، إن كانت عرقية أو مذهبية، وبالإخلاص في النية والصفاء في القلوب. وعلينا نحن أن نترفع بأنفسنا عن استخدامهم، واستغلال حاجاتهم، واستثمار خلافاتهم، من أجل تصفية حساب مع عدو بعيد، أو كورقة ضغط على طامع قريب.

أيها الأخوات والإخوة:

أريد أن اختتم بالتحذير من خطر حقيقي دهمنا ولا يزال يفعل، ولن يتوقف إلا بموقف حاسم ضده يرفضه ولا يبرره ولا يوظفه بأي شكل من الأشكال، وهو خطر التطرف والغلو في الدين، عنيفاً كان يستخدم السلاح، أم لفظياً كان يستخدم اللسان والبيان، فيشيع الكراهية والبغضاء، ويفرد الأرضية المناسبة لشركائه، حاملي السلاح، وناشري القتل والتدمير والتفجير في مجتمعاتنا، وهو موقف يجب أن يشترك فيه مع الحكومات علماء الدين وأهل الرأي، فمثلما اكتوينا نحن السنة بنار (القاعدة) وفتنتها، هاهم الشيعة يكتوون بنار وفتنة طائفة جديدة بينهم تدعى (جند السماء) رأينا شرها، وفعلها المنكر، من النجف في العراق إلى زاهدان في إيران. فالتطرف والغلو مهلكة، وأي مهلكة، سنياً كان أم شيعياً، يهودياً كان أم مسيحياً.

وعندما يحضر هؤلاء بين أي فرقاء، فلا يمكن لأي مفاوضات أن تنجح، أو لاتفاقيات أن تحترم، أو لثقة أن تؤسس، وليكن العراق الساحة الأولى التي نؤسس فيها لموقف حازم ضد التطرف بكل أشكاله سنياً كان أم شيعياً، فهؤلاء هم الذين فرقوا بين العراقيين ودفعوهم إلى حالة من الاستقطاب، انتهت إلى ما نشهد اليوم من إرهاصات لتطهير عرقي قبيح قد يلغي العراق كما نعرفه وطناً واحداً وحالة إخاء وعيش مشترك، عمره ليس مئة عام كما يزعمون في الغرب ، بل هو عراق عربي مسلم عمره أكثر من ألف وأربعمئة عام .

وأدعو إلى موقف مماثل ومكمل لما سبق، لحرمان هؤلاء الغلاة والخوارج من سلاحهم المفضل والأقوى وهو سلاح الموت وتفضيله على الحياة ونشر ثقافته وفقهه الباطل، العمليات الانتحارية، واستباحة دماء العامة ومن يسمونهم المخالفين وكلنا مخالفون لهم. لقد توقفنا عن عد ضحايانا الذين يسقطون كل يوم في العراق، رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً، دون خوف أو توجس من الوقوع في كبيرة القتل، ولو مضى الأمر كما يتمنون لكانت كل أوطاننا عراقا، وأذكّر هنا بموقف شجاع اتخذه علماء المملكة، حاسم لا يقبل التأويل في تحريم العمليات الانتحارية كلها، ضد مسلم أو غير مسلم، ضد عدو محتل أو جندي يحمي الوطن، إن تساهل البعض في إباحة هذه العمليات الانتحارية ، وتجميلها بوصفها بالاستشهادية ، والتي لا تخلو من شبهة قتل النفس المحرمة ، ولم تفتح ثغرتها إلا في زماننا هذا، ما يدل على شبهة كبيرة تحيط بها .

لا يستطيع أحد أن يزايد على علماء المملكة في التزامهم في الفتوى بمنهج السلف. فمن الممكن أن يبني على هذا ، ليكون موقفا إسلاميا شاملا وموحدا ضد فقه الموت الذي غرر بكثير من أبناء الأمة، وكلفنا وكلف الإسلام صورته النقية المتسامحة الكثير. دعوني أقولها بملء فمي: فعوضاً من الحلم بهلال شيعي، أو التخوف منه ، يمكن أن نعمل معاً لبناء هلال خصيب يمتد من العراق حتى لبنان، تكون لسورية صدارة فيه، وللأردن حصة فيه، ولفلسطين زاوية فيه، ينشغل بالبناء والرخاء والسعادة، وتستفيد منه دول الخليج كافة، ليكن هلالاً نتفق عليه، لا هلالاً نختلف عليه. ولكن ومع هذا كله فلا يزال هناك جرح يدمي بين ضفتي الخليج ألا وهو جرح الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية. فكيف لنا أن نتفق مع إيران في العراق ولبنان وهي لا تزال تحتل أرضاً من أراضينا ؟ أتمنى على إيران أن تواجه نفسها وتقر بأن هذا الاحتلال لا يمكن أن يدوم وأطلب من الشعب الإيراني قبل حكومته وقياداته بأن ينصفنا ولا يجور علينا وما أقسى جور الصديق والجار.

شكراً لكم جميعاً وأدعو الله جل وعلا أن يكون غدنا أفضل من يومنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.