حافلة عين الرمانة الشهيرة تحضر رفضاً للتجربة الأليمة
ذكرى حرب لبنان quot; كي لا تُعادquot; بعد 32 عاماً

الياس يوسف من بيروت: الجمعة المقبل تكون مرت اثنتان وثلاثون على اندلاع الحرب اللبنانية ، ذات 13 نيسان/ أبريل 1975 بإطلاق للنار على دفعتين في ضاحية عين الرمانة المسيحيين، قتل في أولاهما مرافق رئيس حزب الكتائب آنذاك بيار الجميّل (الجدّ) وجرح بعض رفاقه، وفي ثانيهما أطلقت النار على حافلة ركاب كانت تقل مسلحين فلسطينيين وعدداً من المدنيين فوقع فيها عدد من الضحايا وبدأت الحرب على الأثر . وأصبحت تلك الحافلة ( quot;البوسطةquot; بالعامية اللبنانية) رمزاً أشهر من نار على علم لحرب لبنان.

وفي المناسبة أعلنت عشر جمعيات أهلية انها ستحيي الذكرى في ميدان سباق الخيل، تحت شعار quot;تذكّر...كي لا تعادquot;، أو quot;13 نيسان...نهار للذكرىquot;، بنشاطات تقام حول quot;بوسطة عين الرمانةquot; الأصلية التي كانت رمزاً للشرارة الأولى لتلك الحرب التي مزقت لبنان وأوقعت فيه من المآسي ما لا يوصف.
وتشارك في هذه النشاطات الجمعيات الآتية: quot;أمام 05quot; والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي وquot;للوطنquot; وquot;جمعية نهار الشبابquot; وquot;مؤسسة سمير قصيرquot; وحملة quot;أحب الحياةquot; وquot;الحملة المدنية للاغاثةquot; وquot;المستقلونquot; وquot;شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنميةquot; وquot;آذار ربيع الأسئلةquot;.

ويقول المنظمون أن الغاية من احياء الذكرى بمجموعة من النشاطات التي تمتد طوال يوم الجمعة المقبل، هو quot;ابراز رفض اللبنانيين العودة الى هذه التجربة الأليمة التي دفعوا ثمنها غالياً، دماً وخسائر مادية، وسنوات ضائعة من أعمارهم وطموحاتهم ومستقبل أبنائهمquot;.ويوضحون أن الجمعيات المشاركة في احياء هذه الذكرى quot;تريد الاضاءة على المآسي التي تسببت بها الحرب، من خلال تذكير من عايشوها بمرارة تلك الأيام السود، وتعريف الجيل الجديد ببشاعة تلك الحقبة من تاريخ وطنهم. والرسالة التي نتوخاها من تحركنا هذا، برمزية موقعه، في مكان كان خط تماس بين شطري العاصمة المقسّمة، وبنشاطاته المميزة، هي ضرورة الاتعاظ، في هذه المرحلة الضبابية التي نعيشها، بالذات، من الأخطاء التي قادت الى الكارثة الكبرى في تاريخ لبنان الحديث، وضرورة العمل على تفادي تكرارها والوقوع في فخها، والتمسك في المقابل بثقافة السلام والحياةquot;.

يحيى جابر

وفي مؤتمر صحافي عقده المنظمون في فندق quot;مونروquot;، تحدث باسم الجمعيات المشاركة الشاعر والمسرحي يحيى جابر، قال quot;جئنا نتذكر ونقول نعم للحرب ضد الحرب. نعم لخطف الهوية من أيدي اللصوص لتعود التذكرة المفقودة الى أصحابها. نعم للحرب ضد الحرب. نعم لمنع تجول السيارات المفخخة والتصريحات المفخخة. نعم لحياة الملجأ، الملجأ فوق الأرض. نعم للوقوف أمام طوابير لصالة مسرح أو سينما أو مدرسة أو حضانة. نعم لقانون انتخابات، وألف لا لقانون العبوات. نعم لصندوق الانتخابات، وألف لا لصناديق التوابيت. نعم للخط المدني وضد الخط العسكري. نعم للمجتمع المدني وضد المجتمع الحربي. نعم للحرب ضد الحرب. نعم لنفجّر دشمة عن باب العين ونفرغ أكياس الرمل من الرؤوس ويعود الرمل الى الشاطئ. نعم للحرب ونفرض الخوة على كل عنصري وطائفي ومذهبي. هنا بيروت، هنا صوت العالم، ونعم للحرب ضد الحرب حتى يوم القيامةquot;.

صاحب الحافلة

حافلة عين الرمانة

ثم تحدث سامي حمدان، المالك الحالي لحافلة عين الرمانة، quot;حافظ الأمانةquot;، كما وصف نفسه. وروى حمدان الذي كان سائقاً في quot;الكلية العامليةquot;: quot;ذات يوم تعرضت لحادث في البوسطة التي كنت أنقل بها التلاميذ، قضى بسببه بعض الأطفال، لا أعرف متى بالضبط، ولكن تقريباً منذ نحو 25 عاماquot;. وأضاف: quot;بقيت بوسطتي في أرض بور عند دوار شاتيلا، كنت اجمع فيها سيارات للكسر وبوسطات، وأتولى تصليحها. وذات يوم جاؤوا واخذوا هذه البوسطة ليستخدموها متراساً بين عين الرمانة والطيونة. وخلال تلك المرحلة اصبت في صدري وظهري بشظايا قذيفة، ونقلوني الى مستشفى بيروت. كنت بين الحياة والموتquot;.

وقال حمدان انه كان صديقاً لصاحب بوسطة عين الرمانة الأصلي quot;أبو رضاquot;، زميله في quot;المصلحةquot;. وأضاف ان بوسطة quot;أبو رضاquot;، أي بوسطة عين الرمانة، أصيبت مجدداً بقذيفة في مؤخرها، بعدما كان أصلحها وعاود العمل على اثر حادث 13 نيسان 1975. وتابع: quot;ذات يوم سألت أبو رضا عن البوسطة، فقال لي انها أصيبت. اخبرته ان البوسطة التي كانت معي تعرضت لحادث ومات معي اطفال فيها وأخذوها وجعلوها متراساً. سألته هل يبيعني اياها، فقال لي (خذها وحل عني)quot;. وقال quot;احضرتها الى قطعة ارض لشخص سعودي كنت مؤتمناً عليها عند جسر المطار مقابل قصر الحاج حسين العويني. كنت اعمل هناك وعندي أرض بور لسيارات الكسر ووضعتها هناكquot;.

وأضاف quot;جاءني يوما شخص وقال لي يا حاج هذه الارض يجب ان تفرغها. رفضت، وبعد جدل، حبسوني ثلاثة ايام حتى جعلوا اخي يوقع على ورقة بترك الأرض البور. نقلت كل اغراضي بما فيها البوسطة الى بلدة حاروف في الجنوب (...) وبعد أن واجهت صعوبات بعت قسماً من أغراضي واشترطت على من اشتراها مني أن يترك لي بوسطة عين الرمانة عنده حتى اشعار آخر.

وتابع:quot;كنت أقول للصحافيين الذين يأتونني ليطلبوا مني الادلاء بحديث عن البوسطة: يا اخي هذه بوسطة والله يساعدها، هي معتّرة وانا معتّر. وجاء شخص يوماً وعرض عليّ أن يشتريها مني بخمسة آلاف دولار، فأجبته أني لن أبيعها حتى لو بمئة الف دولار. قلت له ذاكرتها من ذاكرتي. انا وقعت بمشكلة فيها، وقال لي شخص اؤمن بحديثه اياك ثم اياك ان تبيعها. سالني لماذا؟ قلت لا اعرفquot;. وخلص حمدان الى القول quot;عندما اتصل بي السيد ابراهيم عيد (منسق حملة quot;أحب الحياةquot;) وعرض علي مشروع عرض البوسطة يوم 13 نيسان في ميدان سباق الخيل، جهزتها باطارات لأنقلها، وان شاء الله تكون نهضتها الآن بين الصخور والزهر وربيع الجنوب، ربيعا لكل لبنان، ومنها نستفيد من العبرة وهي ان كل شيء يبقى في هذه الحياة إلا الانسانquot;.

وعرض ابراهيم عيد لبرنامج quot;13 نيسان...نهار للذكرىquot;، فأوضح أن اليوم الطويل قسمان، الأول تحت عنوان quot;تذكر...quot;، والثاني تحت عنوان quot;كي لا تعادquot;. وفي القسم الأول، الذي ينطلق في العاشرة صباحاً، نشاطات عدة متوازية تستمر الى الأولى بعد الظهر.

وأضاف أن quot;بوسطة عين الرمانةquot; ستكون معروضة في ميدان سباق الخيل، وحولها مساحات أو لافتات بيضاء سيكون في إمكان الزائرين أن يدونوا عليها تعليقاتهم وإنطباعاتهم وذكرياتهم ومخاوفهم وهواجسهم، وما يرغبون في قوله، فيما ستعلَّق في المكان صور عن الحرب اللبنانيَّة، وستعرض الصفحات الأولى من صحف لبنانية صادرة يوم 14 نيسان 1975، اضافة الى بعض الوثائق التاريخية الموقّعة من جمعيات أهلية، تنبذ حروب لبنان.
وفي مكانٍ آخر، في الساحة نفسها، بحسب عيد، منصَّة تقام عليها ندوة يشارك فيها أربعة محاربين سابقين يدلون بشهادات حيَّة، كما يمكن الحضور التفاعل معهم وطرح الأسئلة عليهم . والمشاركون في هذه الندوة هم الشاعر والصحافي يوسف بزي والشاعر والصحافي بلال خبيز والشاعر والروائي شارل شهوان والشاعر والإعلامي والمسرحي يحيى جابر الذي يدير الندوة.

وفي خلفية كل ذلك، بحسب عيد، تبث أغنيات تذكّر بأيام الحرب، وبين الحين والآخر بعض المقنطفات من نشرات أخبار اذاعة quot;صوت لبنانquot; أيام الحرب، والملاحق التي كانت تبث عند حدوث تطور طارىء.وبين المواقع المختلفة، تنتشر منصات صغيرة لكلّ جمعية من الجمعيات الأهليَّة المشاركة في تنظيم النشاط، عليها لافتة تحمل إسم الجمعيَّة، وتضم المنشورات الخاصَّة بالجمعيَّة، وغير ذلك.

وبعد استراحة للغداء، تقام ما بين الثانية والربع والرابعة والربع من بعد الظهر، حلقة quot;المصارحةquot;: أمام البوسطة، طاولات، كلٌّ منها لشخصين، تشكّل خطين طويلين، يجلس إليها من يرغب، قبالة أي شخصٍ عشوائياً للتحدث عن الحرب. وهنا، قد يتصارح مقاتلان سابقان، أو قد يلتقي شاب مع شخص أكبر منه سناً يخبره كيف عاش الحرب، أو قد يتصادف جلوس شخص مما كان يعرف سابقاً بـ quot;المنطقة الغربيةquot;، قبالة شخص من quot;المنطقة الشرقيةquot; سابقاً، وهكذا...

وبعد ذلك، وتحت عنوان quot;...كي لا تعادquot;، تقام ندوة عن quot;كيفية تحصين أنفسنا ومجتمعنا ضد الحرب الأهليةquot;، يشارك فيها النائب الدكتور فريد الخازن، والوزير السابق دميانوس قطّار، والكاتب الصحافي راجح الخوري، والباحث فادي توفيق∙ ويلي الندوة التي يديرها الاعلامي وليد عبود، نقاش بين الحضور والمتحاورين.

وختام اليوم الطويل، مساء، بالتعاون مع quot;نادي لكل الناسquot;، عرض أفلام سينمائية لبنانيَّة عالجت موضوع الحرب، مثل quot;نكاية بالحربquot; للمخرجة زينة صفير، وquot;بيروت اللقاءquot; للمخرج برهان علوية. ويلي كلاً من العرضين حوار مع المخرج.الدعوة عامّة ومفتوحة للجميع، والدخول مجاناً، ومواقف السيارات متوافرة داخل ميدان سابق الخيل، ويلح الداعون على المشاركة بكثافة quot;تعبيراً عن رفض العودة الى الحرب بكل أشكالهاquot;.