بيروت تنتظر 3 زيارات حاسمة
المحكمة في الشوط ما قبل الأخير
إيلي الحاج من بيروت: تترقب بيروت ثلاث زيارت حاسمة ذات صلة مباشرة بموضوع المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
الأولى، زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر سلطانوف إلى بيروت ودمشق بدءًا من الإثنين، والغاية منها إستكشاف النتائج السلبية التي يمكن أن تنجم عن إقرار المحكمة في ظل الإنقسام اللبناني حولها. خصوصًا بعد المواقف الأخيرة الجذرية منها التي أعلنها الأحد الماضي الأمين العام لـ quot;حزب اللهquot; السيد حسن نصر الله.هذه الزيارة مهمة جدًا على صعيد تحديد موقف روسيا التيتؤيد المحكمة، ولن تصوت ضدها في مجلس الأمن، لكنها لا تحبذ فكرة اللجوء إلى الفصل السابع في أي مرحلة، وتحذر من إنعكاسات ومضاعفات سلبية على الإستقرار اللبناني، إذا لم تقر على أساس توافق داخلي وفي إطار المؤسسات الدستورية. وهو توافق متعذر حتى الآن.
الثانية، زيارة رئيس الدائرة القانونية في الأمم المتحدة نيكولا ميشال إلى لبنان الثلاثاء المقبل، للمرة الثانية في خلال أسبوعين. غاية هذه الزيارة التقنية وغير السياسية ليست التفاوض على مضمون المحكمة مع القوى المعارضة لنظامها، بل تقديم إيضاحات وتفسيرات لمن يريد الإستفسار في شأن نظامها السياسي، إضافة إلى الإطلاع مجددًا على آليات العملية الدستورية، لإبرام معاهدة إنشاء المحكمة والظروف التي حالت دون إقرارها في البرلمان اللبناني. أي أنها زيارة ترتبط بموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الرافض دعوة مجلس النواب إلى الإنعقاد وبموقف السيد نصر الله الإعتراضي على المحكمة ورسالة الرئيس فؤاد السنيورة إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة داعيًا إياها إلى إتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة في ضوء هذا الواقع.
الثالثة، زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي- مون لدمشق في24 نيسان(أبريل) الحالي، وهي مخصصة أساسًا لمناقشة الملف اللبناني مع القيادة السورية، وتحديدًا في موضوعين رئيسين: المحكمة ذات الطابع الدولي ومسألة الحدود اللبناني-السورية. وفي ضوء نتائج هذه الزيارة، تتحدد الخطوة التالية لمجلس الأمن واتجاهات التحرك الناشط للدبلوماسية الفرنسية. وما يمكن قوله في السياق إن أي تطور متعلق بالمحكمة بات مستبعدًا هذا الشهر، وإن هناك ميلاً واضحًا إلى التريث لدى الأمم المتحدة في التعامل مع هذا الملف عكسه الأمين العام في إشارته الواضحة إلى quot;حساسية الملف ودقتهquot;، وفي سؤاله للرئيس السنيورة في اتصاله معه قبل ثلاثة أيام عن إمكان بذل جهود من أجل التوصل إلى تسوية تسمح بإقرار مشروع المحكمة في البرلمان اللبناني.
وتدور في أروقة المنظمة الدولية في نيويورك وداخل فريق الأمين العام في هذا الوقت، مناقشات حول طرق التعامل مع ملف المحكمة الدولية وزيارة بان كي-مون العتيدة لدمشق. وتبرز في هذه المناقشات، وفق تقارير دبلوماسية وردت إلى بيروت، وجهتا نظر:
- الوجهة الأولى، تقول بضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية والتحاور مع كل الفئات في لبنان لحل مشاكله، بدلاً من دفعها إلى التفاقم وتهديد إستقراره، وضرورة إستهلاك العملية الدستورية اللبنانية قبل إصدار قرار دولي ينشئ المحكمة الدولية وينتشلها من المزايدات السياسية الرامية إلى إجهاضها.
-الوجهة الثانية، تقول إن المحكمة الدولية ليست مسألة محض لبنانية داخلية، إنما باتت مسؤولية دولية تقع على عاتق الأمين العام ومجلس الأمن. فهذه المعاهدة تحمل توقيع الدائرة القانونية للأمم المتحدة، وجاءت بعد مفاوضات إستمرت أكثر من سنة مع السلطات القضائية اللبنانية، وصادق عليها مجلس الأمن بالإجماع.وقد إنتهت العملية الدستورية اللبنانية، بعدما استهلكت جميع الوسائل لإستكمالها، وحان الوقت للأمم المتحدة كي توجه رسالة حازمة إلى جميع المعنيين بتعطيل إنشاء المحكمة تتمثل في إصدار قرار دولي يقضي بإنشائها. فالكرة لم تعد في الملعب اللبناني بل في ملعب المجتمع الدولي والأمم المتحدة والأمين العام بان كي- مون الذي يواجه أول إختبار جدي في مستهل ولايته.
-
وإذا كان الملف اللبناني أولوية لدى الأمين العام الجديد، فإن زيارته الأولى لسورية هي المحطة الأبرز في سياق تعاطيه مع هذا الملف، والأنظار تتجه إلى نتائج هذه الزيارة وإلى الطريقة التي سيتصرف بها. فإذا عاد من دمشق بإلتزامات قاطعة وواضحة تجاه المحكمة والحدود فيكون قد حقق إنجازًا، وإذا قفزت الزيارة على المطالب الدولية من القيادة السورية تجاه لبنان فتكون مثل زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، أي إستعراضيةوفاشلة في نظر خصوم القيادة السورية وناجحة جدًا في نظر هذه القيادة التي يقول زوارها إنها مرتاحة إلى وضعها، وإنها بدأت تخرج من مرحلة الضغوط الدولية الهائلة التي تعرضت لها، خصوصًا بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم يبق منها في شكل رئيسي إلا الضغط الذي تمثله المحكمة ذات الطابع الدولي، وبدرجة أقل التدخل الدولي في ضبط الحدود اللبنانية-السورية، ومراقبتها.
وينتظر فريق الرئيس السوري بشار الأسد بفارغ الصبر مغادرة الرئيس الفرنسي جاك شيراك قصر الإليزيه الشهر المقبل، وفي إنتظار ذلك تمارس دمشق سياسة كسب الوقت وتحاول بأي وسيلة تفادي أي قرار دولي جديد في شأن المحكمة في الشوط الأخير.