إنطباعات لبنانية حول زيارة كوسران لدمشق
باريس أخرجت قرار الإتصال بسوريا من الثلاجة

واشنطن تشكك في جدوى ارسال موفد فرنسي الى دمشق
الياس يوسف من بيروت: فور عودتهم إلى لبنان من اللقاء الحوار في ضاحية سيل سان كلو الباريسية، أبلغ بعض المشاركين في اللقاء من سألوهم، أن فرنسا تميّز بين موقفي إيران وسورية حول لبنان، فترى موقف إيران ايجابيًا ومسهلاً، وتنظر إلى موقف سورية نظرة مشككة. فطهران وفق المنظور الفرنسي لا ترغب في حصول فتنة أو حرب في لبنان، ولا تريد الزج بـ quot;حزب اللهquot; في صراعات داخلية ولم تكن معترضة على قيام المحكمة الدولية، ولن تعارض تسوية بشأن رئاسة الجمهورية اذا كان لـ quot;حزب اللهquot; وحلفائه رأي واضح فيها .

ويرى الفرنسيون أيضًا أن إيران طامحة، وبطريقة سلمية وليس من طريق القوة، إلى حصول تعديلات في النظام اللبناني لتحقيق وضع مريح لحلفائها الشيعة في السلطة ومعادلة تكوين القرار، بدءًا من دور وموقع لهم في اختيار الرئيس الجديد للجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة.

أما سورية فلها حسابات أخرى وهي لا تساهم ولا تتعاون في تهدئة الأجواء وتسهيل الحلول كما تفعل ايران، وإنما تدفع بها إلى التفجير وتعمل على زعزعة الإستقرار في لبنان بكل الوسائل من أجل دفع المجتمع الدولي الى رفع سيف الضغوط المسلط عليها وأولها quot; سيف المحكمة الدولية quot; أو دفعه إلى نفض يده من لبنان والعودة إلى الإعتراف بدور ونفوذ لسورية التي اضطرت الى مغادرته عسكريًا وتريد العودة إليه سياسيًا.

لكن انطباعًا آخر عاد به بعض المشاركين في اللقاء، وهم من المعارضة ، فحواه ان الدبلوماسية الفرنسية أخذت قرارها بفتح اتصال مباشر مع دمشق وأوفدت السفير جان كلود كوسران اليها ، بعدما بات وزير الخارجية برنار كوشنير مقتنعًا بضرورة زيارة دمشق وإعادة وصل الحوار معها نتيجة غربلة طروحات الأفرقاء ووجهات نظرهم التي قدمت في سيل سان كلو، ولأن الهدف المطلوب هو quot;إنقاذ لبنانquot; ومنع تطور الوضع فيه نحو الأسوأ والفراغ والفوضى بعد شهرين. والخلاصة ان فرنسا لم تغيّر موقفها من دمشق، وما زالت ترهن العلاقة معها بدورها الايجابي في لبنان، وانما باتت مقتنعة ان التقدم في لبنان على طريق حل الأزمة الحالية لم يعد ممكنًا من دون دمشق، تمامًا مثلما كانت قد استنتجت أن لا حوار لبنانيًا في باريس ولا جدوى منه من دون quot;حزب اللهquot;، ما دفعها إلى فعل أقصى ما يمكنها لتأمين حضوره حتى لا ينهار اللقاء الحواري.

وما قررته الدبلوماسية الفرنسية لمرحلة quot; ما بعد سان كلو quot; هو تطوير مبادرتها حول لبنان وتعزيز فرص نجاحها عبر دورة جديدة من الاتصالات مع quot; قيادات الصف الأولquot; في بيروت، وعبر تأمين الحماية او المظلة الاقليمية لهذه المبادرة مع ما استلزمه ذلك من اضافة دمشق الى أجندة اتصالاتها في المنطقة التي تشمل أساسًا طهران والرياض والقاهرة، بعدما تبيّن ان وجود سورية خارج دائرة الاتصالات الجارية حول لبنان يشكل الثغرة الأساسية في المبادرة الفرنسية حاليًا بما لسورية من دور وتأثير في الساحة اللبنانية، خصوصًا انها لا ترضى بحلول لا تكون مناسبة لمصالحها أو حتى لا تكون مشاركة في صنعها، وترفض ان تجيّر دورها لأحد او ان ينوب عنها أحد في ما يتصلب الملف اللبناني والعلاقة بين لبنان وسورية.

وكما انزعجت سورية من تعاطٍ عربي في موضوع الحدود اللبنانية ـ السورية واقتراح مشاركة جامعة الدول العربية في عملية الضبط والمراقبة، يمكن تصور ان دمشق انزعجت من الحوار الفرنسي ـ الايراني حول لبنان مثلما كانت منزعجة قبل أشهر من المساعي الايرانية ـ السعودية في شأنه ، وذلك على الرغم من انها ترتبط بتحالف استراتيجي مع ايران يشمل كل المنطقة.

وكانت باريس قد إضطرت الشهر الماضي تحت وطأة تحفظات اميركية وأحداث لبنانية الى تجميد قرار رفع مستوى الاتصالات مع سورية وايفاد كوسران الى دمشق بعد طهران، وقد أخرجت هذا القرار .

من الجلادة في الأيام الماضية. ويلاحظ أنه فيما يعبّر الاميركيون عن عدم رضاهم عن سياسة quot; الغزل quot; الفرنسية حيال سورية، يعبّر السوريون عن حذر في التعامل مع الاشارات الفرنسية الجديدة وينتظرون المزيد الذي يؤكد استعداد باريس للتخلي عن quot; سياسة العزل quot; المطبقة ضد دمشق، وغالب الظن ان دمشق تفضل ان تعطي وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في لبنان ما يمكن أن تعطيه للسفير كوسران او لعمرو موسى، وتتطلع الى احياء الحوار الاميركي ـ السوري حول لبنان انطلاقًا من الاستحقاق الرئاسي الوشيك.