مراقبون يرصدون أبعاد المأزق المصري بين إسرائيل وحماس
إستمرار تدفق الفلسطينيين من غزة إلى مصر لليوم الرابع
الفلسطينيون ركبوا الرياح وحصدوا الهشيم قوات أمن فلسطينية تتدرب في الأردن برعاية أميركا
نبيل شرف الدين من القاهرة: بينما استمر تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين من قطاع غزة صوب الأراضي المصرية لليوم الرابع على التوالي، فضلاً عن هؤلاء الذين بقوا منذ أيام داخل مدن شمال سيناء quot;العريش، والشيخ زويد، ورفح المصرية quot;، فقد أثار هذا الحدث ردود فعل متباينة في أوساط المحللين السياسيين المصريين، بين مرحب بذلك الحدث، ومتحفظ عليه، ومتوجس من النتائج التي يمكن أن تترتب على استمرار فتح الحدود من دون ضوابط، مع بؤرة احتقان مزمنة مثل قطاع غزة .
وتواجه القاهرة موقفًا بالغ الحساسية إزاء التعامل مع هذا الوضع على حدودها فهي تخشى من أن ينظر إليها شعبيًا على أنها شريكة لإسرائيل في حصارها لغزة، غير أنها تخشى أيضًا من امتداد نفوذ الإسلاميين والآثار الأمنية التي يمكن أن تترتب على دخول عناصر فلسطينية تتبنى أفكارًا متطرفة، قد تسهم في ارتكاب عمليات عنف في شبه جزيرة سيناء أو المنتجعات السياحية المتاخمة، خاصة في ظل تنامي المد الأصولي بين أوساط شباب سيناء، وما جرى خلال الأعوام الماضية من حوادث تفجير إرهابية .
المأزق المصري
ويكاد يسود اتفاق بين المحللين على أن حركة (حماس) نجحت بالفعل في فرض واقع quot;جيواستراتيجيquot; جديد على الحدود المصرية وباتت القاهرة الآن بين شقي رحى، فإعادة الوضع الأمني المنضبط على حدودها مع قطاع غزة إلى سابق عهده، سوف يكون مستحيلاً من دون تقديم تنازلات لحركة (حماس) التي أمست حاليًا طرفًا لا يمكن تجاهله في أي ترتيبات أو إجراءات لإعادة الفلسطينيين الذين عبروا إلى الأراضي المصرية لقطاع غزة مجددًا، ووضع الضوابط للحيلولة دون تكرار مثل هذه الأحداث مجددًا، كي تثبت مصر قدرتها على الوفاء بتعهداتها التي وردت باتفاقيات السلام وتنظيم معبر رفح، وفي الوقت نفسه فهناك حرص رسمي مصري على عدم مواجهة الفلسطينيين بأي شكل من أشكال العنف، حتى لا يجري تصوير الموقف المصري من زاوية الاصطفاف في الخندق الإسرائيلي .
ومن هنا فقد جاءت دعوة الرئيس المصري حسني مبارك إلى كل من حركتي (فتح) و(حماس) لإجراء جولة جديدة من الحوار الداخلي الفلسطيني، برعاية مصرية، كمخرج وحيد من هذه الأزمة، التي وجدت فيها القاهرة نفسها في موقف أو بالأحرى مأزق لا تحسد عليه .
ويرى دبلوماسي غربي يقيم في القاهرة أنه لابد من تكثيف الاتصالات بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بغية التوصل إلى تفاهمات مصرية مع هذه الأطراف إضافة إلى السلطة الفلسطينية، يسمح بمقتضاها للجانب المصري بإدخال المزيد من قوات الأمن، التي يمكنها التصدي لهذه الأعداد الهائلة من العابرين الفلسطينيين، تجاوزًا للضوابط والقيود التي تفرضها اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل وإدخال تعديلات على المعاهدة، وهو الأمر الذي طالما رفضته إسرائيل من قبل حين اقترحته مصر عليها مرارًا في مناسبات سابقة .
أما الدكتور إبراهيم زيادة أستاذ العلوم السياسية فيرى أن القوات المصرية ستنجح في نهاية المطاف في فرض الضوابط الحدودية على معبر رفح باعتبارها نقطة العبور الوحيدة المتاحة أمام الفلسطينيين في قطاع غزة للتواصل مع العالم، لافتًا إلى أن ما حدث على الحدود ربما يعيد النظر في مدى مرونة إجراءات تنظيم المعبر، وقد يسمح للفلسطينيين بالعبور من خلال مواءمات دقيقة لمواجهة التحدي الذي باتت تواجهه مصر الآن بين مسعى إسرائيلي لفض يديها من القطاع من ناحية، وإصرار نشطاء (حماس) على إحراج مصر ووضعها في مواجهة لا ترغب فيها مع مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين الذين يعانون الأمرين من الحصار الإسرائيلي على غزة .
تصدير الأزمة
وميدانيًا فقد فشلت محاولة للقوات المصرية في غلق الحدود مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة (حماس) إثر قيام مسلحين من الحركة بفتح ثغرة جديدة باستخدام الجرافات، وهو الأمر الذي رأى مراقبون مصريون أنه يشكل تحديًا غير مقبول للسيادة المصرية على حدودها وهو ما حذر من استمرار التورط به الخبير الاستراتيجي اللواء حسام سويلم، معربًا عن مخاوفه من مخطط إسرائيلي، قد يستهدف فرض واقع على الأرض بضم قطاع غزة لمصر، تعقبه خطوة أخرى بضم الضفة الغربية للأردن، وبالتالي إنهاء الأمل في قيام دولة فلسطينية، وتصدير القضية الفلسطينية للدول العربية المجاورة، خاصة مصر والأردن .
وأعرب اللواء سويلم عن دهشته من ذلك التوافق غير المفهوم بين الممارسات التي تقدم عليها حركة (حماس) وتلك الأهداف الإسرائيلية الرامية إلى تصدير الأزمة في قطاع غزة إلى مصر، قائلاً إن حماس وإسرائيل أصبحتا الآن في خندق واحد لجهة الهدف المشترك سعياً إلى تحميل تلك الأزمة على عاتق مصر، وأوضح أن هذا الوضع الحدودي المنفلت لايمكن أن يستمر إلى الأبد، وأن إعادة الفلسطينيين لقطاع غزة مجددًا أمر محسوم لا يحتمل الجدل ولا المزايدات، بعد أن يشبع هؤلاء رغباتهم في شراء كل ما يحتاجون إليه من سلع وبضائع من مصر.
ومضى قائلاً إن مسلحي حركة حماس هم الذين فجروا الحائط الأسمنتي على خط الحدود، وحالوا دون محاولات القوات المصرية لوضع أسلاك شائكة قرب السور الحديدي المنهار وأحدثوا ثغرة جديدة ما اضطر القوات المصرية إلى التراجع عن التصدي لهذه التصرفات الاستفزازية، الأمر الذي فسره دبلوماسي مصري بارز بقوله quot;إن هناك قناعة راسخة لدى الحكومة المصرية، مفادها أنه من غير الوارد بحال من الأحوال إطلاق الرصاص على المدنيين الفلسطينيين الذين يعبرون الحدود، وفضلاً عن ذلك فإن اعدادهم الكبيرة فاقت قدرات قوات الشرطة الموجودة على معبر رفحquot;، على حد تعبيره .
في جانب آخر من زاوية الرؤية، يرى الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن ما حدث على الحدود المصرية فرصة تستعيد بها مصر ريادتها للمنطقة، بعد تهميش دورها في إدارة الملف الفلسطيني، وأنه ينبغي على القاهرة الآن انتهاز هذه الفرصة لتعود من جديد وبقوة لإدارة الملف الفلسطيني الذي أوشكت الإدارة الأميركية بالتنسيق مع إسرائيل أن تسلمه لأطراف أخرىquot;، حسب تعبيره .
وفي هذا السياق أيضًا فقد اقترحت مصر تنسيقًا مشتركًا مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية لضبط الحدود، وفق الاتفاق الذي سبق أن توصلت إليه الأطراف الثلاثة حين انسحبت إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، وتؤيد مصر اقتراحًا يقضي بأن تتولى السلطة الفلسطينية مسؤولية الجانب الفلسطيني من الحدود وهو ما يمكن أن يخرج إسرائيل من هذه المعادلة .
التعليقات