قصة quot;الختيارquot; الذي حقق إنتصاراته عبر التلفزيون فقط (5/6)
اتفاقية السلام زادت من مساحة كره الفلسطينيين لعرفات!
زيد بنيامين من دبي:
خرج العرب من هذه الجولة من المفاوضات وهم يعترفون أنه كان بالإمكان للعرب والفلسطينيين الخروج بنتائج أفضل في وقت سابق من توقيت تلك المفاوضات، معترفين بخطئهم في المراهنة على قرارات منظمة التحرير الفلسطينية في هذا الشأن بدل المراهنة على الاستقلال وإقامة الدولة للشعب الفلسطيني.

نسخة في إيلاف ديجيتال


كان العرب انفسهم ومعهم عرفات قد وجهوا اشد اللعنات ضد السادات حينما عقد اتفاقًا مع اسرائيل عام 1978 في كامب ديفيد ومنحت الاتفاقات السادات ارضه الضائعة كما كان الحديث الاسرائيلي مع السادات منذ عام 1974 وحتى عام توقيع الاتفاقية مع السادات يدور حول منح الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة تديره منظمة التحرير الفلسطينية وانهاء احتلال هذه المناطق من قبل الجيش الاسرائيلي، ولكن قبل العرب المزايا نفسها بعد نحو 15 عامًا واصفين ضياعها بقرارات ساعة الغضب.

وليم كوانديت وهو باحث ومسؤول اميركي سابق شارك في المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية لسنوات يؤكد ان اتفاقيات كامب ديفيد كان من الممكن ان توفر صيغة افضل للعيش للفلسطينيين اكثر مما جلب لهم عرفات في عام 1993 quot;في عام 1975 كان هناك 10 الاف اسرائيلي فقط في الضفة الغربية اما وقت توقيع اتفاقية اوسلو فقد وصل عددهم الى 225 الفًا في الضفة الغربية واكثر من 200 الف اضافي في القدس الشرقيةquot;.

كانت ابرز اللحظات اثارة في تاريخ عرفات عودته الى غزة في يوليو 1994 حيث تم الترحيب به من قبل الالاف من الفلسطينيين الذين زينوا الشواع بالوان العلم الفلسطيني، الاحمر، الاخضر، الابيض والاسود ليؤلف هناك اول حكومة له، اول حكومة فلسطينية في عصر الاستقلال العربي.

الاثارة لم تدم كثيرًا... اغتيل رابين على يد يهودي متشدد في نوفمبر 1995 وهو ما مثل ضربة قوية لعرفات، بحسب ادواراد ابينغتون القنصل الاميركي العام في القدس حتى منتصف عام 1997 quot;لقد انهار على الهاتف وبكى وهو يتحدث معي حينما ابلغته ان السيد رابين قد تم اغتيالهquot;.

لكنه استعاد بعض معنوياته حينما فاز كرئيس للسلطة الفلسطينية في افضل انتخابات شهدتها الدول العربية من حيث الحرية طوال تاريخها حيث شارك 85% من الفلسطينيين في اختيار 88 عضوًا للمجلس الفلسطيني من بين 700 مرشح وصوت 88% له كرئيس للسلطة.

اصبح الرئيس عرفات الذي عاش عقودًا من حياته مشردًا، رئيسًا للسلطة وفي الوقت نفسه لم يعد الاسرائيليون يعتبرونه ارهابيًا بل بدأ بتصفية خصومه وخصوم اسرائيل الاسلاميين معلناً ذلك على انه quot;العهد الفلسطيني الجديد، انه اساس دولتنا الفلسطينيةquot;.
بدأت معركة عرفات مع حماس تأخذ شكلاً اخر، حيث كانت الحركة الاسلامية مصرة على استمرار معركتها مع الاسرائيليين ولم يعد امر هجماتها قاصراً على الجنود الاسرائيليين او المستوطنين في المناطق الفلسطينية بل امتدت الى عمق اسرائيل وبدأت تضرب المدنيين في اسرائيل خارج منطقتي الحكم الذاتي.
معارضة اتفاقية اوسلو ازدادت ايضاً بين الفلسطينيين، واتهم بـ (خيانة القضية الفلسطينية)، وبدأت مساحة الكره الفلسطيني تزداد خصوصًا بسبب طريقة ادارته واشرافه على مرافق السلطة وطريقة تعامل قوته الامنية المرافقة حتى وصل الامر الى وصفه ووصف من معه من الفلسطينيين الذين جاؤوا من تونس بـ (الغرباء).

في اسرائيل، المعارضة ازدادت بزيادة هجمات حماس وبدا واضحاً ان ما سماه عرفات بـ (سلام الشجعان) قد بدأ يضمحل، مما هيأ المسرح لمجيء اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزارة في مايو 1996.
بدأت امال الفلسطينيين في تحسن اقتصادهم تتراجع، خصوصًا بسبب الاجراءات العقابية الاسرائيلية التي منعت اي فلسطيني من العمل في اسرائيل، وبالتالي الهرب من البطالة التي كانت موجودة في اراضي الحكم الذاتي، وفي عام 1996 بدأت حدود غزة مع اسرائيل تغلق لثلاثة ايام من بين كل عشرة، وبحلول العام 1997 كان نصيب الفرد الفلسطيني من ناتجه القومي في غزة قد تراجع بمقدار 100 دولار ليصل الى 1050 دولارًا للفرد الواحد مع كساد عظيم وكانت مخيمات اللاجئين تغرق في القذارة بعد نحو ثلاث سنوات من استلام عرفات للسلطة.

ومن اجل استعادة زمام السلطة، بدأ عرفات بحملة جديدة ضد حماس وقيادييها والعديد من المجموعات المسلحة الاخرى، وقدم العديد من الوعود والقبلات والدعوة الى نسيان الماضي والبحث عن صفقات جديدة.
صاحبت خطواته هذه الانفتاح على المجموعات السياسية الفلسطينية الاخرى ولكن في النهاية ظل القرار بيده وحده، وبالفعل قاده ذلك الى عزلة متزايدة في سنواته الاخيرة، مع مقتل اغلب مساعديه السابقين على يد الاسرائيليين والعرب ايضاً.
بدأت اعراض مرض عصبي تظهر على عرفات وارجعها الاطباء الى حادث تحطم طائرته في الصحراء الليبية عام 1992 حيث كان عرفات وقتها وفي الصحراء على شفا الموت وبدأت قدراته تتباطأ ولم يعد قادرًا على العمل لمدة 18 ساعة كما كان الحال سابقاً، واعطى بعض سلطاته (التي لم تكن حقيقية عموماً) الى عدد من مساعديه، وبدأت شفته السفلى بالاهتزاز وجسمه عموماً يرتجف مما زاد من قلق الفلسطينيين من المستقبل حيث لم يقم بتعين اي نائب له او خليفة يحل مكانه.
كان الاميركيون والاسرائيليون يرون في عرفات الرجل الوحيد على اتمام مفاوضات السلام معهم وواصلوا النظر اليه باعتباره الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي قد يقبل بالجلوس على طاولة المفاوضات وانه مستعد لتقديم المزيد من التنازلات اللازمة لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي وهو ما لم يتوافق مع رؤية العديد من الاسرائيليين اللذين ظنوا ان عرفات يسعى سرًا الى تدمير اسرائيل في الوقت الذي يحاول معها التفاوض من اجل الحصول على سلام.
ولكن سرعان ما عرف المتبقون من انصار وجود عرفات على طاولة المفاوضات بخطا نظرتهم بانهيار المفاوضات التي اقيمت في كامب ديفيد بحلول يوليو 2000 وتصاعد نغمة اعمال العنف حتى يناير 2001 وقد فشلت المفاوضات مع حكومة باراك العمالية رغم تدخل الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، الذي عرض على عرفات اتفاقية اللحظة الاخيرة قبل ان يتنحى هو عن السلطة ومواجهة باراك للانتخابات في اسرائيل في فبراير 2001.
قدم كلينتون لعرفات كل غزة و 94% من الضفة الغربية مقترباً بذلك من الاراضي التي احتلتها اسرائيل في عام 1967 وهي افضل صفقة قدمت للفلسطينيين في تاريخ مفاوضاتهم، بالاضافة الى منح الاسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين السيادة الكاملة على الاحياء العربية في القدس وحقوق الطيران فوق اسرائيل ولكن عرفات كان يواجه صعوبات على ارضه بسبب قيادته، اكد على حقوق اللاجئين بالعودة الى اسرائيل في محاولة لرفع اسهمه ولكن ذلك مثل quot;خطاً كارثياًquot; ارتكبه الرجل بحسب هنري سيغمان وهو عضو بارز في مجلس العلاقات الخارجية الذي رفض القول ان عرفات حاول تدمير اسرائيل ولكنه quot;رفض الاتفاق بناءً على موقفه السياسي الضعيف فلسطينياًquot;.
المصادر:
ارشيف صحيفة النيويورك تايمز.
مجلة التايم الاميركية.
لقاءات اجريت مع ياسر عرفات في الصحافة الغربية ومنشورة في الارشيف البريطاني للصحافة.