النقابات لا تنوي التراجع
الجزائر: إضراب يهدّد الإستقرار عشية انتخابات الرئاسة
كامل الشيرازي من الجزائر: تفتتح 9 نقابات حرة في الجزائر، الأحد، إضرابًا عامًا عن العمل يستمر ثلاثة أيام، ويأتي هذا الإجراء الاحتجاجي الأول من نوعه في البلاد منذ الربيع الماضي، في ظرف سياسي خاص يتسم باستعداد السلطات لتمرير المراجعة الدستورية برلمانيًا، وسط سعي الحكومة الجزائرية بقيادة رئيس الوزراء أحمد أويحيى لإرساء دعائم استقرار اجتماعي يسمح بتنظيم رابع انتخابات رئاسية تعددية بعد خمسة أشهر من الآن.
وقال quot;مزيان مريانquot; المتحدث باسم تنسيقية النقابات الحرة، في تصريح خاص بـquot;إيلافquot;، إنّ عموم النقابات لا تنوي التراجع عن خطوة الإضراب على الرغم منمناشدات من هنا وهناك، وإقدام ثلاث نقابات مستقلة على رمي المنشفة قبل ساعات، وأضاف مزيان مريان إنّ الاحتجاج هو أكثر من ضرورة للفت انتباه المسؤولين الذين لم يحوّلوا السواكن إلى متحركات على الرغم من مسلسل الزوابع الاجتماعية التي شهدتها الجزائر منذ ما يزيد عن العام.
وعبّر مزيان مريان عن استياء النقابيين إزاء quot;تجاهلquot; الجهات الرسمية لهم، وإصرار الحكومة على مد الجسور مع نقابة quot;اتحاد العمالquot; الموالية للسلطات، وهو توجه يزيد من إصرار قيادات النقابات الحرة على انتهاج تصعيد من نوع أكبر، بغرض إحراج الجهاز التنفيذي ودفع مسيري القصر الحكومي على فتح قنوات الحوار مع النقابات المستقلة التي تدّعي التمثيل العمالي وامتلاك قواعد أكبر حجمًا مما يحوزه التنظيم الرسمي quot;اتحاد العمالquot;.
وتمّ تسويغ إضراب الغد باستمرار السلطات في العمل بالسلم القديم للأجور، على الرغم من دخول الزيادات الجديدة حيز التنفيذ منذ الفاتح يناير/كانون الثاني 2008، كما تحتج عموم النقابات المستقلة على نواقص تنتاب قانون الوظيف العمومي، وكذا ما يطبع قانون عمال التربية من شوائب ونقاط ظلّ، كما قانون موظفي قطاع الصحة الذي جرى إرجاؤه مجددًا دون إيضاحات من طرف الوصاية.
وأضاف المتحدث باسم تنسيقية نقابات التوظيف العمومي إنّ ما دعا النقابيين لاختيار لهجة التصعيد، هو quot;عدم وجود نية صادقة لدى السلطاتquot; على حد تعبيره، مستغربًا quot;استهانةquot; الجهات الرسمية بمسائل عاجلة وإرجائها إلى غاية السنة القادمة، على غرار القوانين الأساسية لموظفي القطاع العام، وما يتعلق بنظام التعويضات، رغم تواجد المعنيين في quot;ظروف اجتماعية حرجةquot; تبعًا لتدهور الأوضاع المعيشية وفرض الحكومة لائحة جديدة من الضرائب والرسوم التي زادت من إنهاك جيوب الموظفين محدودي الدخل.

كما برّر quot;مزيان مريانquot; (كسر) النقابات لهدنتها مع السلطات، بتغييبها من طرف الأخيرة، وإقصائها من أي حوار اجتماعي، على الرغم من أنّ عموم ممثلي النقابات منحوا الأولوية للغة الحوار، إلاّ أنّ صوتها لم يصل بالذبذبة المطلوبة إلى دوائر القرار، وما لم تحدث تطورات إيجابية في الثلث الأخير من شهر الصيام، فإنّ الواضح أنّ الجبهة الاجتماعية ستشهد صفحة متجددة من السجال الحكومي النقابي المفتوح بكل ما قد يترتب عن ذلك من انعكاسات جرّاء quot;حوار الطرشانquot; الحاصل.
وتبرر النقابات الحرة في الجزائر اعتزامها شل القطاع العام بما تراه quot;تماطلاquot; من الحكومة في التعاطي مع لائحة المطالب التي أشهرتها الشتاء المنصرم، ويرى مراقبون أنّ إصرار الحكومة بقيادة رئيس الوزراء أحمد أويحيى على التعامل مع شريك اجتماعي واحد وحيد هو المنظمة الحكومية quot;إتحاد العمالquot; وصمّ آذانها تجاه حراك النقابات المستقلة برغم تمتع الأخيرة بعامل التمثيل القوي لـ4.5 عامل في البلاد، أمر من شأنه الدفع نحو اشتداد القبضة الحديدية بين الطرفين على مبعدة أشهر قلائل عن موعد انتخابات الرئاسة في الربع الأول من العام القادم.

وتشدّد النقابات الغاضبة على حتمية مراجعة الحكومة لشبكة الأجور الجديدة quot;المليئة بالتناقضاتquot; مثلما تقول، وتقدّر هذه النقابات بوجود quot;إجحافquot; يلفّ النقطة الاستدلالية المعتمدة في شبكة الرواتب، حيث تشدّد على أنّها لا تستجيب لتطلعات جمهور الموظفين الجزائريين، تبعاً لعدم ممايزتها بين خصوصيات بعض الوظائف، وإدماجها المنح بشكل مراوغ في الرواتب، على حد تعبير منسقها العام quot;مزيان مريانquot;، هذا الأخير يطالب برفع النقطة الاستدلالية من 0,45 إلى 0,70 يورو، فلا يعقل، بحسبه، أن تكون رواتب موظفين في الجزائر أقل بثلاث مرات عن رواتب نظرائهم في تونس والمغرب.
ومن شأن هذا الحراك النقابي أن يخلط أوراق الحكومة، بعدما تناقلت مراجع محلية أنباء عن أمرية أصدرها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وقضت بقيام الحكومة بتهدئة الوضع الاجتماعي، وإحباط أي قلاقل في مهدها، من خلال توفير سائر المواد الواسعة الاستهلاك وتفادي زيادات في الأسعار، بما يكفل إرساء مناخ اجتماعي مثالي يسمح بإنجاح أهم موعد سياسي في الجزائر خلال السنة المقبلة.
وشهدت الجزائر، في شهري فيفري/شباط وأبريل/نيسان الماضي، حالة من الشلل شبه الكلي في أعقاب إضرابات عن العمل، شنتها النقابات المستقلة على خلفية مطالباتها بمراجعة سلم الرواتب الجديد، الذي أقرّته الحكومة وسانده التنظيم النقابي الحكومي quot;إتحاد العمالquot;، لكنّ النقابات الحرة رفضته بشدة.