شخصية إشكالية طرحت تساؤلات كثيرة
إستفتاء quot;إيلافquot; الأسبوعي: عماد مغنية الإرهابي الشهيد

بلال خبيز من بيروت: يشير العدد الكبير من القراء الذين شاركوا في إستفتاء quot;إيلافquot; حول تقييم عماد مغنية الذي إغتيل في دمشق ليل 13 من الشهر الجاري، (9558 مشتركًا)، إلى مدى أهمية ما مثله ويمثله عماد مغنية على المستوى العربي والشرق أوسطي عمومًا. وعماد مغنية شخصية إشكالية وتطرح تساؤلات كثيرة. ففي وقت يراه بعض العرب بطلاً وشهيدًا يراه بعضهم الآخر مجرمًا وإرهابيًا. وكل جهة من جهتي الرأي تستند في ما تذهب إليه من تقييم لأعمال مغنية نفسه ونشاطاته على مدى الخمس وعشرين عامًا الماضية. بدأ عماد مغنية نشاطه العام بالعمل العسكري والأمني مباشرة، في مطلع ثمانينات بيروت. يوم كانت بيروت تعيش بدايات حروبها الأهلية العبثية بعد الإجتياح الإسرائيلي في حزيران العام 1982. لم يكن نشاط مغنية غريبًا عما كان يجري في بيروت يومذاك. ويمكن لمتتبع تلك المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان أن يلاحظ أن الخطف والقتل على الهوية وإستهداف الأجانب والرعايا العرب كان رائجًا لدى القوى الأهلية اللبنانية كافة. فضلاً عن تاريخ المقاومة الفلسطينية في صراعها مع إسرائيل ذلك الصراع الذي لم يترك وسيلة إلا ومارسها، من العمليات الإنتحارية إلى الإغتيالات والتفجيرات وخطف الطائرات. ويومذاك، لم يكن مثل هذه الأعمال يصنف، عربيًا ودوليًا، في خانة الإرهاب بل في خانة النضال المشروع ضد العدو. لكن عماد مغنية أتى إلى النشاط الأمني والعسكري في وقت كانت فيه حركة التحرر العربية بآخر نسخها الناشطة، منظمة التحرير الفلسطينية، قد تعرضت لهزيمة كبرى، أدت إلى إبعادها عن ميدان الصراع الفعلي، وإقامتها في تونس بعيدًا عما يسمى بدول الطوق. فيما كان لبنان يغرق شيئًا فشيئًا في نزاعات أهلية مدمرة لم يكن فيها حتى القليل مما يستحق الفخر والبطولات.

عماد مغنية اسس إلى جانب آخرين حزب الله، ومنذ البداية كان هذا الحزب مثابة موطئ قدم ايرانية في المنطقة العربية. والحق أن حزب الله خاض حروبه جميعًا في الثمانينات والتسعينات معزولاً شعبيًا ومرفوضًا من محيطه، وحتى التسعينات كان الحزب القوي الشكيمة يقاتل اسرائيل ضمن وسط رافض ومتململ. لكن اصرار الحزب وقوة شكيمته والدعم الإيراني الكبير اولاً والسوري تاليًا من جهة اولى واستحالة الحلول الإسرائيلية من جهة ثانية جعلت من حزب الله اداة مهمة في الصراعات الإقليمية في المنطقة، وشرعت أعماله وصولاً إلى تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في ربيع العام 2000.

انتصار حزب الله وتحرير الأرض اللبنانية صنع له شرعية شعبية ورسمية كان يفتقدها في التسعينات والثمانينات. وهذه الشرعية هي مصدر التسامح مع تاريخ مغنية السابق على هذه الانتصارات وهذا التحول. فعماد مغنية يستمد شرعية اعماله التي يسبغها عليه شطر واسع من المجتمع العربي من انتصارات حزب الله في ما بعد، ومن مرور الزمن على اعماله السابقة من جهة اخرى. وعلى هذا الانتصار الذي حققه حزب الله ينقسم المجتمع العربي بين مؤيد لنضال حزب الله ضد اسرائيل، ومعترض على كون حزب الله يشكل مسمار حجا السياسة الإيرانية في المنطقة العربية. ذلك انه لطالما كان حزب الله يحمل وجهين واكثر. فهو من ناحية يناضل ضد اسرائيل نضالاً صادقًا ويقدم تضحيات هائلة في هذا الميدان، وهو من ناحية ثانية ينفذ اجندة ايرانية في السياسات الداخلية، في لبنان وحيث يبلغ تأثيره مداه. وعلى مثل هذه السياسة يتحول حزب الله رأس حربة متقدمة في اي انقسام مذهبي بين السنة والشيعة في المنطقة، وهو ما ينظر إليه معظم العرب بوصفه شرًا مستطيرًا لا بد من مواجهته. والحال فإن من يصوت معتبرًا عماد مغنية شهيدًا، فإنه يصوت لتاريخه في الصراع مع اسرائيل، ومن يصوت معتبرًا عماد مغنية ارهابيًا فإنه يصوت عمومًا ضد تبعية هذه المقاومة لإيران التي تصدر إلى المنطقة اضطرابات مذهبية لا تألو دول المنطقة جهدًا في محاولة لملمة اثارها الخطرة ومترتباتها البالغة الخطورة ايضًا.

لكن هذا الانقسام الحاد في الرأي حيال عماد مغنية، وحزب الله عمومًا، لا يعفي من ملاحظة ان عددًا كبيرًا من المصوتين في الاستفتاء اختار ألا يبدي رأيًا. والأرجح ان هؤلاء اقبلوا بكثافة، (حوالى الألف صوت)، على التصويت لأنهم يدركون مدى خطورة القضية التي يمثل مغنية واحدًا من استقطابيها الكبيرين، لكنهم لا يستطيعون اتخاذ موقف حاسم من قضية بالغة الأهيمة بالنسبة إليهم في هذه اللحظة.

يمكن القول ان الذين يعتبرون مغنية ارهابيًا في الاستفتاء فازوا بغالبية ضئيلة، ( 50 % مقابل 40 % اعتبروه شهيدًا و10 %لم تحدد موقفًا) وان الانقسام حيال هذه القضية حاد وبالغ الخطورة، خصوصًا وانه يتصل اتصالاً وثيقًا بمسألة الصراع العربي ndash; الإسرائيلي وهي قضية محورية وأساسية في العالم العربي. لكن ذلك لا ينفي ان قراء quot;إيلافquot;، وهم عينة من المجتمع العربي، يستشعرون في النزاعات المذهبية والتدخل الإيراني المباشر في الشؤون العربية امراً بالغ الخطورة ايضًا، وقد يكون خطره اكبر من خطر المشروع الصهيوني بالنسبة إليهم. وعليه ليس ثمة من سببب يدعو اي كان إلى تجاهل هذا الواقع الخطر.