سمير مرقس رئيس مؤسسة المواطنة والحوار لايلاف
التيارات المتشددة في الغرب وراء إشاعة مناخ الخوف من الإسلام وتوتير العلاقات.
تغير المصالح وراء تراجع مبادرات الحوار الرسمية والمطلوب quot; حوار حضاري قاعدي quot;.
محمود عبد الرحيم من القاهرة: تكرر أزمة الرسوم الدنماركية خلال اقل من عامين، وخطبة بابا روما المثيرة للجدل، وقبلهما أزمة الحجاب داخل فرنسا، إن كانت تؤشر إلي شئ، فإلى وجود سوء فهم عميق، بل وأزمة ثقة بين العالمين الإسلامي والأوروبي، قادت إلي مثل هذه التوترات المرشحة للتكرار، وربما للتصاعد، وسط اتهام المسلمين للغرب بالعداء للإسلام، واتهام الغرب للمسلمين بالإرهاب. ويبدو السؤال الملح في هذا السياق.. هل من فرصة لاحتواء الأجواء المشحونة بالعدائية؟ وهل يمكن تغليب الحوار الحضاري على خطاب الصدام؟ ووفق أي آلية؟
ايلاف حاورت في القاهرة سمير مرقس رئيس المؤسسة المصرية للمواطنة والحوار واحد ابرز الوجوه العربية المنخرطة على مدى سنوات في الحوار العربي الأوروبي.
بداية، في أي سياق نضع تجدد أزمة الرسوم الدنماركية؟ ثم دعوة وزير الداخلية الألماني إلي تكرار النشر داخل بلاده؟
وبالفعل علينا أن نفهم السياق، قبل أن نتسأل لماذا التكرار وما العمل إزاء مثل هذه الأزمات التي باتت تتكرر بشكل شبه دوري.
فنحن أمام واقعتين متطابقتين هما الرسوم الدنماركية الأولي والثانية وبينهما محاضرة بابا روما التي أثارت ضجة في العالم الإسلامي.
لابد من فهم أن الثقافة الأوروبية هي ثقافة اللا تبوهات أو اللا محاذير، فكل شئ مباح ومتاح بما في ذلك نقد المؤسسات الدينية أو حتى التعاطي مع شخص المسيح وإعادة تقديمه بصور مختلفة في الأعمال الفنية والأدبية.
فالمناخ الثقافي العام يسمح للكاتب أو الفنان أن يطلق عنانه، وان وضع قواعد في المجتمع تتيح لأي شخص يشعر بأنه قد تم التطاول عليه أو الإساءة إليه، الاعتراض من خلال قنوات قانونية بحيث يأخذ كل طرف حقه دون الدخول في دائرة التحريم أو التكفير.
في هذا السياق سوف نجد أعمال فكرية مثلا تتحدث عن موت الله أو فساد مؤسسة الفاتيكان أو الإغواء الأخير للمسيح.
هذا هو المناخ الذي يجب أن نفهمه عن الغرب.
لكن ألا تري أن المسألة تتجاوز السياق الثقافي المختلف إلي ممارسة ذات طابع عنصري أو بالأحرى العداء للإسلام و ما يسمي quot; الاسلاموفوبياquot;؟
وان كنت ضد إحالة الموضوع لظاهرة بعينها، إلا أني استطيع أن أؤكد لك وأنا عائد، للتو، من ندوة حوارية في روما أن هناك تغييرا قد حدث في المجتمعات الأوروبية أشعرني بالانزعاج الشديد، فالحدود التي كان الأوربيون حريصين عليها في لحظة تاريخية معينة، للتمييز بين الإرهابيين والمنتمين لتيار الإسلام السياسي وبين عموم المسلمين، قد سقطت وباتت الخطوط الفاصلة شبه منعدمة، للدرجة التي صار فيها حديث المثقفين منسجما مع خطاب الحكومات علي عكس ما كان في السابق.
وما تفسيرك لهذا التحول العنيف في مواقف الأوروبيين إزاء المسلمين بعد سنوات طويلة من قبول الآخر المختلف؟
أظن أن السبب الرئيس هو الخوف من الإسلام، هذا الخوف الذي جعلهم باتوا يضعون جميع المسلمين في سلة واحدة، يجب الاحتراس منها خاصة مع تكرار العمليات الإرهابية على الأراضي الأوروبية خلال السنوات الأخيرة، مع ضعف جهود تحسين صورة المسلمين والإسلام في الغرب، وعدم القدرة على مخاطبة الغرب باللغة التي يفهمها.
للأسف، بعض التيارات المتشددة في الغرب، كذلك، نجحت في دفع فكرة الخوف من الإسلام لتأكيد نظرية صدام الحضارات التي روج لها هنتجتون لاعتبارات عديدة، مستغلين المناخ الداخلي في العالم الإسلامي الملئ بالنواقص والممارسات العنيفة لبعض المسلمين داخل الغرب التي وصلت إلي حد التهديد بالقتل أو القتل فعلا لكتاب وفنانين علي أرضية من التعصب.
ألا يعكس ذلك أزمة ثقة بين الجانبين وفشل لمبادرات الحوار الحضاري؟
أزمة الثقة لا يمكن إنكارها، وبخصوص مبادرات الحوار، فانا لست ضد ها من حيث المبدأ لكن أي نوع الذي يجدي.
علينا أن نفرق بين المبادرات ذات الطابع المؤسسي الرسمي وبين المبادرات غير الرسمية، فالأولى خاضعة للتغييرات السياسية ومعادلات المصالح، ومن ثم لا تتوصل إلي نتيجة. وليس أدل على ذلك من مبادرة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي التي يصح وصفها بالجيدة، لكنها صدرت في سياق انه رئيس جمهورية، وكان العالم، آنذاك، قبل الحادي عشر من سبتمبر لكن عندما ترك موقعه وتغيير العالم بعد أحداث سبتمبر تراجعت المبادرة، وعلى الجانب الآخر، مبادرة رئيس الوزراء الاسباني دخلت دائرة الأفول مع تغيير المناخ السياسي.
وما البديل برأيك لراب الصدع والتقارب الحضاري بين العالم الإسلامي والغربي؟
اعتقد أن المسألة رهن بتدشين حوار حضاري ذي طبيعة قاعدية، اعني بعيدا عن الرسميين، حوار يضم مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات بارزة معنية بالقضية من الجانبين على غرار نموذج مناهضو العولمة الذين نجحوا في خلق شبكة عابرة للحدود تتخذ موقفا موحدا تجاه قضية بعينها.
وفي مجال الحوار الحضاري نحتاج إلي رابطة من هذا النوع تتجاوز الحدود.
وماذا عن جولات الحوار المستمرة علي مدار سنوات مع استمرار الأحداث الصدامية؟
إن ما يحدث ليس سوى حوار محدود داخل بعض مراكز الأبحاث، فيما المجتمع المدني لم يضع هذه القضية على أجندته، وان كانت من جولات فهي رسمية تحتكرها مؤسستي الأزهر والفاتيكان ونتائجها هي ما نراه.
دعني اكرر لك أن ما نريده أنشطة مشتركة واسعة ومستمرة وليست ردات فعل أو حلقات نقاشية داخل الغرف المغلقة.
ودعني اضرب لك مثالا، لو أن مؤسسات المجتمع المدني الأوروبي قامت معنا بمواجهة أزمة الرسوم الدنماركية من خلال النظام القانوني الأوروبي وباللغة التي يفهمها الغرب.
الم تكن المواجهة ستكون أكثر تأثيرا وفاعلية؟
لابد أن تصل رسالة بالأساليب الغربية مفادها أن قيمة الرموز الدينية لدي أبناء الشرق تحمل مكانة خاصة في الوجدان، علينا أن نشرح من منظور تاريخي أو روحي أو فلسفي، مع ترجمة ونشر كتب تحوي نصوصا جديرة بتقديم الإسلام إلي الغرب بلغة سهلة ومؤثرة، مع العمل علي تفعيل النص الكوني الذي تبنته الأمم المتحدة ويحث علي منع ازدراء الأديان.
إلي أن يتم تدشين quot; الحوار القاعدي quot;ما هي السيناريوهات المتوقعة لمسار العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب؟
ثمة أكثر من سيناريو، أولهما إذا استمر الحال على ما هو عليه، اقصد شعورنا بالاكتفاء وعدم الرغبة في التعاطي مع الآخر وفهمه فهذا سيقود إلي العزلة والصدام.
أم السيناريو الآخر، فانه ينهض على قدر من النقد الذاتي والتعلم من التجارب وابتكار آليات تتماشي مع العصر دون تفريط في الثوابت، فهذا يقود إلي التقدم والتفاعل.
وثمة أمثلة حية من داخل الثقافة الإسلامية تؤكد هذا الطرح اعني التجربة الماليزية والاندونيسية التي وازنت بين الانفتاح والخصوصية فحظيت بالتقدم مع الحفاظ علي الصورة الحضارية الخاصة بها.
Email: [email protected]
التعليقات