جريمة قتل قبطي تنكأ جراحهم والحكومة تجدد نفي الطائفية
متظاهر يطالب أمير قطر بالتدخل لدى القاهرة لحماية الأقباط
كتب ـ نبيل شرف الدين: بالتأكيد لم يكن يمزح ذلك الشاب القبطي المنفعل، بل لعله يريد إيصال quot;رسالة ماquot; على طريقة الكوميديا السوداء، إذ شق صفوف المتحلقين حول ميكروفونات وسائل الإعلام وكاميرات الفضائيات خلال تغطيتها لتظاهرة للأقباط، احتجاجاً على أحداث التوترات الطائفية، ليعلن بصوت جهوري إن الأقباط لا يطالبون الرئيس الأميركي، ولا رئيس الوزراء البريطاني ولا غيرهما من قادة الغرب، بالتدخل لدى السلطات المصرية، بل يطالبون أمير قطر، ورئيس الوزراء القطري، باسم العروبة والإنسانية بسرعة التدخل لدى الحكومة المصرية، خاصة بعد نجاح الدوحة في محاصرة الأزمة اللبنانية، وأن الأقباط لا يريدون مكاسب طائفية كما يردد البعض، بل غاية ما ينشدونه هو العدل والتعايش المشترك في سلام واحترام متبادل .
يأتي هذا المشهد المعبر في وقت لم تكد تمر فيه سوى أيام معدودات على الاشتباكات الدامية بين مسلمين ومسيحيين في دير quot;أبو فاناquot;، في محافظة المنيا في صعيد مصر، حتى اندلعت مجدداً احتجاجات أخرى في قرية quot;دفشquot;، التي تتبع مركز quot;أبو قرقاصquot; في محافظة المنيا أيضاً، وذلك إثر اتهام شقيقين مسلمين بقتل جارهما المسيحي، الأمر الذي تظاهر بسببه مئات المسيحيين من أبناء القرية، لكن قوات الشرطة تصدت لهم مستخدمة قنابل الغاز المُسيل للدموع لتفريقهم .
وكما جرت العادة في أعقاب أي أحداث يكون فيها الأقباط طرفاً، فقد بادر المسؤولون المصريون إلى التأكيد مجدداً على أنها quot;لا تنطوي على دوافع طائفيةquot; بل هي مجرد حوادث جنائية فردية تقع في أي مكان، وطالبوا وسائل الإعلام والصحافة بعدم المبالغة في التغطيات والتحليلات لمثل هذه الأحداث، كما تحدث صحافيون ومعلقون وإعلاميون موالون للحزب الوطني (الحاكم) عما يسمونه quot;أصابع خفيةquot; وراء تفجر تلك الأحداث، ووسط هذا المناخ المحتقن تتفشى نظريات الاستهداف الخارجي، من دون الوصول إلى أي خيوط للتحرك الخارجي المزعوم، كما يردد المسؤولون المصريون وأجهزة الإعلام الحكومية .
القتل عقوبة التلصص
وبينما تعتبر دوائر قبطية داخل مصر وخارجها أن ما يجري هنا وهناك من أحداث يكون المسيحيون ضحاياها أمر تتحمل مسؤوليته الحكومة ويؤكد أمراً من اثنين إما شبهة التواطؤ، وفي أفضل الأحوال لو أحسنا الظن فإن هناك إهمالاً جسيماً في معالجة هذه الأحداث قبل أن تقع، كما أشارت عدة منظمات حقوقية مصرية إلى أن إصرار الحكومات المتعاقبة على التعامل الأمني فقط مع هذه الأزمات لن يؤدي إلى نتائج إيجابية لأنها قضايا سياسية واجتماعية، وبالتالي ينبغي معالجتها في هذا السياق .
وخلال اتصالات هاتفية أجرتها (إيلاف) مع عدد من الأقباط في قرية quot;دفشquot; قالوا إن شقيقين اختطفا جارهما القبطي ميلاد فرح إبراهيم إلى منطقه مهجورة، ثم قاما بطعنه بمطواة قرن غزال في مواضع مختلفة من جسمه وبعد ذلك فرَّا، وحاول الأهالي إنقاذه بنقله إلى المستشفى، غير أنه لفظ أنفاسه الأخيرة. وقال أحد أقارب القتيل إنه قبل وفاته نطق ببعض الكلمات لدى سؤاله عن القاتل، قال إنه يدعى خميس عيد عبد الحميد، وهو أحد جيرانه، ثم فارق الحياة، وقال مصدر أمني quot;إن الشرطة ألقت القبض على عبد الحميد، وأن النيابة العامة بدأت تحقيقاتها معهquot; .
وقال مصدر أمني محلي في محافظة المنيا إن مشاجرة وقعت بين القتيل وجاريه الشقيقين جمعة وخميس عيد عبدالحليم، بسبب اتهامهما للقتيل بالتلصص ليلاً على خميس وزوجته أثناء وجودهما في أوقات حميمة داخل غرفة النوم . وورد في تقرير التحريات التي أجراها المقدم محمد مجدي رئيس مباحث مركز quot;أن المواطن ناجح رمزي شفيق كان أحد شهود العيان على تلك الواقعة، وأكد وقوع المشاجرة بين الشقيقين وجارهما القتيل بسبب قيام الأخير بالتلصص ليلاً على جاره وزوجتهquot; وفق مذكرة التحريات. تجدر الإشارة إلى أن اشتباكات نشبت يوم السبت الماضي بين مسلحين مسلمين من قرية (عرب هور) ومسيحيين في دير أبو فانا، مما تسبب في مصرع مسلم بالرصاص وإصابة خمسة رهبان واثنين من خدام الدير، وحرق بعض المباني والمزارع الخاصة بالدير، وقد ألقت السلطات القبض بعد الحادث على 11 مسلما واثنين من المسيحيين .
شهادات وزيارة البابا
وبعبارات مقتضبة تخللتها نوبات من البكاء، قال والد القتيل فرح إبراهيم خلال اتصال هاتفي أجريناه معه، إن ابنه الوحيد عقب إنهاء تعليمه التحق بالعمل حتى يساعده على تحمل أعباء الحياة، وكان على وشك الزواج لكن الموت كان أسبق .. ويدخل الأب في نوبة بكاء محمومة يصعب معها مواصلة الاتصال الهاتفي وقال مصدر أمني ان هذا الحادث جنائي ولا علاقة له بالأحداث الطائفية التي وقعت الأسبوع الماضي في دير أبو فانا في مدينة ملوي، لكن بعض أهالي القرية أشاروا إلى أن هذه القرية شهدت عدة احتقانات طائفية منذ العام 2000 بعد بناء كنيسة العذراء .
من جانبه وخلال اتصال هاتفي قال القس باسيليوس يونان راعي كنيسة السيدة العذراء ومار جرجس في قرية دفش quot;إن مقتل إبراهيم حادث جنائيquot;، غير أنه استدرك قائلاً : quot;لم أتمكن من منع المتظاهرين من التجمع أمام الكنيسة، فقد كان الناس غاضبين لأبعد الحدودquot; . وقال شهود عيان من أبناء القرية إن الشرطة استخدمت قنابل الغاز المُسيل للدموع لفض تظاهرة اشترك فيها مئات المسيحيين بالقرية التي تحولت إلى ما يشبه ثكنة عسكرية، وإن قوات مكافحة الشغب التي انتشرت بها فرضت حظر التجول الليلة الماضية واتخذت إجراءات صارمة للحيلولة دون تصاعد المواجهات بين المسيحيين والمسلمين .
وشهدت قرية دفش أحداثا طائفية عامي 2000 و2003 أصيب فيها بعض الأشخاص، بينما كان المسيحيون يقيمون كنيسة السيدة العذراء ومار جرجس في القرية وسط اعتراضات من قبل بعض المسلمين، وبعد جولات طويلة من الصراع انتهى المسيحيون من بناء تلك الكنيسة في العام 2006 .
وبعد يومين على وصوله من جولة رعوية في الولايات المتحدة وكندا، زار البابا شنودة الثالث مستشفى برج مينا في مصر الجديدة لتفقد احوال الرهبان الأربعة المصابين بطلقات نارية في أحداث دير quot;أبو فاناquot; في محافظة المنيا في صعيد مصر . وعقب الزيارة اكتفى البابا شنودة بتصريح مقتضب قال فيه إنه يجري التنسيق مع كافة اجهزة الدولة لمنع تكرار مثل هذه الاحداث، بتضافر الجهود بين الكنيسة والسلطات الامنية والمحليات وكافة الاجهزة المعنية حفاظا على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي .
[email protected]
التعليقات