طارق عزيز... رجل الدبلوماسية والسيكار (3/8)
لعنة quot;رياض إبراهيمquot; تلاحق رغبة العراق في إسترجاع أميركا!
طارق عزيز: معاهدة جبر- بيفن صنعته سياسيًا ووجد في البعث ضالته!
زيد بنيامين من دبي: كان التاريخ يشير إلى بداية شباط/فبراير من العام 1985، وكان المكان يدعى (مدرسة دجلة الإبتدائية) في قلب بغداد، حيث إستقبل طفل عراقي يدعى عمر الدملوجي (12 عامًا) مبعوثًا أميركيًا زائرًا إلى بغداد ليلقي على الزائر كلمة درسها جيدًا، جاء فيها quot;صداقتنا مع أميركا بدأت الآن، ونحن سعداء لأننا نملك أناسًا وديين مثلكم كأصدقاء لنا، شعب أميركا يحب شعب العراق لأن العراق يقف إلى جانب السلامquot;. إنتقل الكلام إلى خلدون النعيمي زميله الذي يقف إلى جانبه ليقول quot;من الروس يأتينا الدعم واليوم الأميركيون هم أصدقاؤناquot;.
ربما من الصعب أن يتكلم الصغار كلام الكبار، ومن الصعب أيضًا أن يحسب هذا الكلام على الصغار ولا يحسب على الكبار، كانت العلاقات العراقية الأميركية من أبرز فصول تاريخ طارق عزيز، فبدأ ذلك الفصل بإتهامات بدعم إيران وإنتهى بعد عامين تقريبًا بإعلان رسمي عن إعادة العلاقات وما بين هذين التاريخين سلسلة من اللقاءات أبرزها ذلك اللقاء بين صدام حسين ودونالد رامسفليد.
في نوفمبر 1982 اطلق عزيز اتهامًا باتجاه الولايات المتحدة يقول فيه إن واشنطن تبيع اسلحة الى ايران وتشجع حلفاءها على ذلك ومن بينهم بريطانيا وألمانيا وايطاليا، كما اتهم الاتحاد السوفياتي ببيع اسلحة الى ايران تمر عبر سوريا وليبيا، مؤكدًا على أن quot;الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي يريدان استمرار الحرب ولا يهتمان باستمرارهاquot;، كان ذلك الاتهام قد جاء في عز التراجع العراقي بالحرب العراقية الايرانية.
وقد خلا اتهام عزيز من ذكر فرنسا التي كانت ابرز مساعدي العراق، ابان تلك الفترة وكان ذلك واضحًا خصوصًا أن فرنسا باعت خلال السنوات الثلاثة الاولى من الحرب سلاحًا بقيمة 5 مليارات دولار بحسب ارقام وزارة الدفاع الاميركية نفسها.
بحلول أيار/مايو 1983 لم يجد العراق غير الولايات المتحدة التي اتهمها سابقًا لكي يبحث فيها عن حل للحرب التي اقتربت من الدخول الى عامها الرابع، فوصل إليها طارق عزيز وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء وكان اول تصريح له بعد وصوله هو لصحيفة لوموند الفرنسية قال فيه quot;ان الولايات المتحدة وعدتنا بأنها ستتحرك داخل هيئة الامم المتحدة من اجل انهاء هذه الحربquot;.
وقد اضاف عزيز ان quot;اللقاء الذي تم مع جورج شولتز وزير الخارجية الاميركي لم يتطرق الى مسألة اعادة العلاقات بين البلدين، ولكنهما اتفقا على الوصول الى تفاهم افضل بين البلدينquot;.
جاء ذلك اللقاء ليكون من بين العلاقات القليلة بُعَيد انتهاء ازمة الرهائن في ايران، حيث وجدت أميركا أن العراق اقرب لها من ايران، وكانت العلاقات العراقية الاميركية قد قطعت بسبب نكسة حزيران العام 1967 بناءً على اتهامات من الرئيس المصري جمال عبد الناصر للولايات المتحدة باستخدام طائراتها في تلك الحرب من اجل تحطيم السلاح الجوي المصري على الارض وقد اسفرت تلك الاتهامات عن قيام كل من العراق وسوريا ومصر بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة وقد اعادت كل من مصر العلاقات مع اميركا في العام 1973 وسوريا في العام 1974 وبقي العراق بعيدًا عن اعادة علاقاته.
جاءت اولى اشارات اعادة العلاقات بين اميركا والعراق في تصريح للرئيس العراقي صدام حسين لمجلة (الوطن العربي) في 13 اكتوبر (تشرين الاول) 1984 الصادرة في باريس قال فيه انه مستعد لإعادة العلاقات بين البلدين بعد الانتخابات الاميركية في 6 نوفمبر من العام نفسه،quot;لقد كان العراق يريد اعادة العلاقات بعد عام 1980 ولكن تم تأجيل تلك الخطوة بعد انطلاق الحرب العراقية الايرانية في سبتمبر من ذلك العامquot;.
صدام قال ايضًا خلال المقابلة quot;اريد ان اكشف لكم عن شيء، لقد تمت مناقشة أمر العلاقات داخل القيادة بصورة محدودة قبل الحرب مع ايران ولكن الحرب جاءت وقررنا تأجيل اي خطوة في هذا الموضوعquot;، مضيفًا quot;أن العراق الان قوي وقادر على حماية نفسه ويعمل على انه درع لأخوته العرب، فاعتقد ان علينا ان نمتحن علاقتنا مع الولايات المتحدة، وافضل وقت لامتحان علاقتنا هذه هو بعد الانتخابات الاميركية، ولم نقل هذا الكلام لاي شخص سابقًا، وهذه هي المرة الاولى التي نكشف عنهquot;.
ساهمت رغبة العراق في وقف الحرب ومطالبات ايران بتنحي الرئيس العراقي عن الرئاسة قبل الحديث عن هذا الامر في أن تكون مواقف الولايات المتحدة اكثر قربًا من العراق، حيث قامت واشنطن برفع اسم العراق من الدول الداعمة للارهاب، وكان الاتهام الاميركي الوحيد خلال تلك الفترة للعراق هو استخدامه للاسلحة الكيمياوية والغازات السامة ضد ايران.
قبل تصريحات صدام الى المجلة كانت مدن العراق مسرحًا للعديد من المقابلات بين صدام والعديد من المبعوثين والزائرين الاميركيين، من امثال دونالد رامسفيلد مبعوث الرئيس ريغان للشرق الاوسط، وريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية الاميركي للشرق الاوسط وجنوب اسيا، يضاف إليها جميعًا لقاءات طارق عزيز مع جورج شولتز وزير الخارجية الاميركي.
وجد الاميركيون الجو مؤهلاً للإعلان عن سلسلة لقاءات جرت لإعادة العلاقات بين البلدين منها لقاء جمع بين عزيز وشولتز ناقشا فيه هذا الامر في نيويورك في الاول من اكتوبر خلال جلسة الهيئة العامة للامم المتحدة.
وفي نوفمبر من العام نفسه،أعلن مسؤولون اميركيون ان اعادة العلاقات العراقية الاميركية ستعلن خلال زيارة طارق عزيز لواشنطن حيث سيلتقي نائب الرئيس جورج بوش الاب ووزير الخارجية جورج شولتز وسيتم اعلان اعادة العلاقات عبر بيان رسمي ينهي 17 عامًا من القطيعة الرسمية.
جاء الإعلان الرسمي عن اعادة العلاقات بين بغداد وواشنطن في 27 نوفمبر 1984 وبحسب طارق عزيز فإن الهدف من اعادة العراق لعلاقاته مع الولايات المتحدة انحصر في معادلة علاقات بغداد العالمية مع القوتين الاساسيتين الإتحاد السوفياتي وأميركا.
ولكن اعادة العلاقات هذه طرحت العديد من التساؤلات في الشارع الاميركي والغربي عمومًا من قبيل تحقيق نشرته ايلين سكوتلند مراسلة صحيفة التايمز البريطانية في الامم المتحدة... (quot;ان هذا النظام هو نظام دموي وقاسيquot; يقول احد الدبلوماسيين الغربيين في العراق مضيفًا quot;الناس لا يمكنهم الحديث الى بعضهم البعض بصراحة، لم ارَ في حياتي مثل هذا الوضعquot;، فالمجتمع العراقي هو مجتمع يقول لك نصف الحقيقة فقط، ولكل حدث فيه العديد من الروايات، والكثير من الاسئلة، من قبيل هل قام صدام بطرد اخيه برزان من وظيفته في الامن العام لأن برزان لم يوافق على تزويج ابنته (رغد) من احد افراد حمايته (حسين كامل) او لأن برزان كان طامحًا للوصول الى السلطة؟ ام هل اعدم وزير الصحة العراقي رياض ابراهيم في عام 1982 لانه وزع دواءً ملوثًا ام لأنه قدم اجابة صريحة حينما سئل ان كان يجب على صدام التنحي عن السلطة).
المصادر:
مجلات (التايم، فورين افيرز، نيوزويك) الامركية
ارشيف صحيفة النيويورك تايمز
ارشيف صحيفة لوس انجلوس تايمز
لقاء لطارق عزيز مع برنامج (الفرونت لاين)
في الحلقة الرابعة:
quot;طارق.. سنتزعم قمة عدم الانحياز.. ومن غير اللائق ألا نمتلك علاقة مع القوة العالمية الثانيةquot;
صدام حسين في حديث له مع طارق عزيز عام 1980 اثناء العودة من العاصمة الكوبية (هافانا)
التعليقات