الحكومة الأردنية الجديدة تؤدي اليمين الدستورية

شكك مراقبون ومحللون أردنيّون بقدرة رئيس الوزراء المكلف سمير الرفاعي على تأليف حكومة تترجم كتاب التكليف الذي وجهه له الملك عبد الله الثاني الأسبوع الماضي، وطالب خلاله باختيار وزراء quot;وفق معايير الكفاءةquot; في ظل محاصصات جغرافية وقبائلية ودينية تسيطر تاريخيًّا على تشكيلة الحكومات الأردنية.

عمان: نظرًا لأن الحكومة الأردنية المكلفة ستجري الانتخابات النيابية المبكرة التي حددها العاهل الأردني بالربع الأخير من العام المقبل، فإن معظم الدوائر السياسية المحلية ترى أن الطابع البيروقراطي الذي سينطوي عليه التشكيل الجديد سيجعل مهمة الرفاعي في غاية الصعوبة، لجهة تأليف فريق وزاري، بعيدًا من الاعتبارات التقليدية المتوارثة حكوميًّا في المملكة.

ويتعين على أي رئيس وزراء أردني أن يراعي جملة اعتبارات قبل إعلان حكومته، وأهمها تمثيل العشائر الكبرى في وسط الأردن وشماله وجنوبه، فضلاً عن ضرورة وجود مقاعد وزراية للمحافظات الـ12، والبحث عن شخصيات تمثل الطائفة المسيحيّة التي تشكل نحو 4% من سكان المملكة البالغ تعدادهم نحو 6 ملايين نسمة.

كما أنه لا بد لأي رئيس وزراء من توفير مقعد للأقلية الشركسية والشيشانية التي خصص لها قانون الانتخابات مقاعد (كوتا) في البرلمان. وكذلك يتعين عليه أن يراعي الطبقة السياسية التي خلفتها سرعة تغيير الحكومات في الأردن فأنتجت أجيالاً من الوزراء وأبناء الوزراء وأقربائهم إلى جانب ضرورة وجود تمثيل لطبقة رجال الأعمال، ولا سيما في الفريق الاقتصادي للحكومة.

والى ذلك، يهتم رؤساء الحكومات الأردنيون عادة بشرائح اجتماعية من التجار التقليديين الذين يسيطرون على تجارة التجزئة في العاصمة عمان، وينحدر هؤلاء من سوريا ويطلق عليهم quot; التجار الشوامquot;، وكانوا قد سكنوا عمان في مطلع القرن العشرين.

ولأن الأردنيين من أصل فلسطيني يشكلون نحو نصف سكان البلاد، فإن مراعاة تمثيلهم في الحكومات ضرورية جدًّا، من أجل إبقاء التوازن في التركيبة السكانية، وامتصاص احتقان هذه الكتلة السكانية العريضة التي يتهم نشطاء فيها الحكومات بتحجيم تمثيلها، وممارسة التمييز ضدها، لأسباب إقليميّة محضة.

إزاء هذا الوضع، يتندر سياسيون أردنيون بأن أي رئيس حكومة يحتاج إلى أكثر من 50 حقيبة لكي يرضي الأطراف جميعا، ويراعي الاعتبارات التقليدية المتبعة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن في عشرينات القرن الماضي.

ويقول أحد هؤلاء إن متوسط عدد الحقائب في أي حكومة لا يتجاوز بأي حال من الأحوال 27 أو 28 حقيبة، وإذا ما جرى توزيع هذه الحقائب، وفق معايير الأردن، ومحاصصاته، فإن المهمة تبدو شاقة جدًّا بالنسبة إلى أي رئيس وزراء.

وهذه هي المرة الأولى الذي يطلب فيها الملك من الرئيس المكلف بأن quot;لا يستعجل في مشاورات التشكيل، وان يختار فريقه الوزاري بعد مناقشة أفكار المرشحين على أساس الالتزام بالرؤية العامة لأولويات المرحلة المقبلة، وقياسًا على معايير القدرة والكفاءة التي توفر الانسجام بين الطاقم الوزاريquot;.

وتبعًا لذلك، وجه العاهل الأردني رئيس الوزراء الجديد الذي تربى سياسيًا في القصر الملكي إلى quot;أخذ ما يلزم من الوقت لمناقشة المرشحين للانضمام إلى الفريق الوزاري حول الأهداف والبرامج وآليات التنفيذ، بحيث يعرف كل وزير الأهداف المتوقع منه تحقيقها، والمعايير التي سيقيم أداؤه على أساسهاquot;.

وقال له صراحة quot;حتى تحقق هذه المنهجية ما نأمل من نتائج، فإننا نتوقع منكم أن ترفعوا لنا بعد ما لا يزيد عن شهرين من تشكيل الحكومة خطة عمل كل وزارة بعد مناقشتها وتبنيها في مجلس الوزراء، لضمان عمل الجميع فريقًا واحدًا منسجمًا واضح الرؤية يعرف ما هو متوقع منه، ويعرف الأردنيون الأسس التي يعمل عليها والأهداف الموكلة إليه لتحقيقها بوضوح وشفافيةquot;.

ولجأ رؤساء وزراء سابقون في السنوات الأخيرة إلى إعطاء حصص صغيرة لحزبيين من الإسلاميين المعتدلين، ومن ناشطين في العمل النقابي والاجتماعي، من باب ترطيب الأجواء مع المعارضة السياسية في البلاد. لكن حصة الأحزاب ليست ثابتة في منهج تشكيل الحكومات الأردنية، وإنما تخضع لتوجهات رؤساء الوزارات، وطبيعة المراحل السياسية التي يؤلفون فيها وزاراتهم.

ولاحظ كثيرون أن رؤساء وزارات سابقين لجأوا مرارًا إلى تخصيص حقائب دون وزارات، من اجل التجاوب مع المعادلة الداخلية في تشكيل الحكومات. ولذلك كانت هناك حقائب عدّة لـ quot;وزارات دولةquot;، وهو ما يعتبره بعضهم مجرد جوائز ترضية لتكتلات عشائرية أو مناطقية، يمكن الاستفادة منها في الحصول على ثقة البرلمان.

ورأى المحلل السياسي سميح المعايطة أن quot;مسألة التمثيل السياسي الحزبي في الحكومات والبرلمان غير حاضرة في المشهد السياسي، وهذا الوضع يفرز حكومات أردنية قائمة على التمثيل الجغرافيوالعلاقات الشخصية وصلات القرابة، أي أن الكفاءة ليست المعيار الوحيد عند اختيار أعضاء الفريق الوزاريquot;.

وأضاف لـ quot;إيلافquot; أن quot;آلية اختيار الوزراء ترتكز على حسابات المعرفة والعلاقات الشخصية، ومن ثم يتم تفصيلها وتوزيعها لتنسجم مع اعتبارات المناطق الجغرافية والعشائرية والكوتات،وليس بين تلك الشخصيات التي تمتاز بالكفاءة والنزاهة والمصداقيةquot;.

أما عضو المكتب التنفيذي في جماعة quot;الأخوان المسلمينquot; ارحيل غرابية فقال لـquot;إيلافquot; أن quot;منهجية تشكيل الحكومات الأردنية لا تخضع للأسس العلمية، بل تتم بشكل فردي وعلاقات الصداقات والشللية والمحسوبية، ذلك أن معيار الكفاءة مغيّب تمامًا، وتغيب معه كذلك التيارات السياسيّة والشعبيّةquot;.

وأضاف quot;بما أن ملامح التشكيل بدأت تظهر بإبقاء الوزراء أنفسهم، خصوصًا في ما يتعلق بالوزارات السيادية فيبدو أن ما يحدث هو امتداد للنهج السابقquot; وتوقع أن quot;تكون هذه الحكومة عاجزة عن حل المشاكل السياسيّة والاقتصاديّة، لا سيما أن عجز الموازنة للعام 2010 قارب على المليار دينار، إلى جانب أن الحريات ستشهد مزيدًا من التضييق، مع تهميش دور الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدنيquot;.

في المقابل، يعتقد سياسيون أن بإمكان الرئيس المكلف تجاوز بعض الاعتبارات في التشكيلة المرتقبة، واختيار وزراء على درجة عالية من الكفاءة والمهنية الحكومية في إدارة الوضع الاقتصادي، وكذلك في ما يخص الطاقم الذي سيجري الانتخابات. ويشيرون إلى أن الرفاعي سيكون في حلّ كامل من الضغوط البرلمانية، على اعتبار أن مجلس النواب منحلّ حاليًّا، ولن يكون الرئيس المكلف في حاجة للحصول على ثقة أعضائه.