متغيرات تاريخية وتطلعات مستقبلية ترسم واقعًا جديدًا بين الدولتين
العلاقات الأميركيَّة ndash; الليبيَّة بين مساعي التطوير ومفهوم التطبيع
معتصم القذافي إلى جانب هيلاري كلينتون
أفشين مولافي من واشنطن: في كانون الأول (ديسمبر) عام 2008، قال دافيد ويلش ndash; المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ndash; إنَّ الولايات المتحدة تتطلع إلى إقامة quot;علاقات طبيعيَّةquot; مع ليبيا، وأن تماثل هذه العلاقات quot;نوعيَّة العلاقات التي قد نسعى لإقامتها مع أيّ دولةquot;. لهذا، لا يجب اعتبار اللقاء الذي جمع بين معتصم القذافي، نجل القائد الليبي الذي يتولى منصب مستشار الأمن الوطني في البلاد، ووزيرة الخارجيَّة الأميركيَّة هيلاري كلينتون يوم الاثنين الماضي بمثابة المفاجأة.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو واضحًا لأيّ فرد يتمتع بحس ودراية مسبقة بالتاريخ أنَّ إقامة quot;علاقة طبيعيةquot; بين الولايات المتحدة الأميركيَّة وليبيا هو بمثابة إنجاز. وقد سجَّلت زيارة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس إلى طرابلس في أيلول (سبتمبر) الماضي، سابقة هي الأولى من نوعها منذ العام 1953. فالرئيس الليبي معمَّر القذافي شكل صداعًا لجميع الرؤساء الأميركيين منذ سبعينات القرن الماضي. وخلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، ازداد التوتّر في العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا، انتقامًا لما اعتبرته واشنطن هجمات ارهابية ليبية على المصالح الاميركيَّة. في اتصال هاتفي في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، أعرب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش للزعيم الليبي عن ارتياحه لتسوية ملف لوكربي نهائيّاً وكذلك الادعاءات التي رفعها مواطنون أميركيون ضد ليبيا. وسدد القذافي مبلغًا وقدره 1.5 مليار دولار لتعويض ضحايا الإرهاب الأميركيين بموجب اتفاق المقاصة الأميركي الليبي.
وثمنت إدارة بوش التعاون الذي قدمته ليبيا في مكافحة تنظيم القاعدة. وعيّنت الولايات المتحدة الأميركية سفيرًا لها في ليبيا خلال الشهر الأخير من فترة حكم بوش. ومهّدت الخطوات الايجابيَّة بين البلدين الطريق لإقامة علاقات طبيعية بين الولايات المتحدة وليبيا. وقالت وزيرة الخارجيَّة الأميركيَّة هيلاري كلينتون قبيل لقائها مع معتصم القذافي الذي يتولى منصب مستشار الأمن الوطني الليبي quot;نقدر عاليا العلاقة بين الولايات المتحدة وليبياquot;. وأضافت: quot;أمامنا الكثير من الفرص لتعميق التعاون وتوسيعه، وأتطلع قدما نحو البناء على هذه العلاقةquot;. في المقابل، لم يبادر القذافي بإبداء أيّ تعليق على تصريحات كلينتون، واكتفى بالرد quot;شكرًا لكquot;.
ومع إعلان ليبيا استقلالها في العام 1951، قامت واشنطن ببعض المبادرات البسيطة للتقارب بينها وبين ليبيا، بينما أحجم القذافي في حينها عن الإدلاء بأيّ تعليق رسمي. وقد فسر ذلك لاحقًا مع اكتشاف النفط في العام 1959.
في حين لم يتم النظر إلى إحجام القذافي عن الإدلاء بأي تعليقات رسمية على أنه أمر ذو جدوى من الناحية الإستراتيجية ndash; حتى تم اكتشاف النفط في العام 1959. وبحسب ما قاله رونالد بروس سانت جون، الخبير المتخصص في العلاقات الأميركية ndash; الليبية، فإن العلاقات قد بدأت تنمو خلال تلك المرحلة، وأضاف quot;بدأ ينظر المسؤولون الأميركيون إلى ليبيا على أنها مضخة رخيصة للبنزينquot;.
القذافي ورايس خلال لقائهما الأخير في طرابلس |
هذا وقد بدأت ليبيا في مخاطبة ود الولايات المتحدة بصورة فعالة عندما قررت التخلي عن برنامجها لأسلحة الدمار الشامل. وفي ذلك الوقت، أعرب مسؤولون في إدارة الرئيس بوش عن أملهم في استخدام ليبيا كمثال لباقي دول العالم، التي من بينها إيران، بأن المكافآت ستذهب إلى هؤلاء الذين اختاروا أن يسلكوا طريقاً بعيداً عن أسلحة الدمار الشامل. وعلى مدى السنوات الماضية، كانت تقوم شركات النفط الأميركية باستكشاف السبل الكفيلة للمشاركة في صناعة النفط والغاز الليبية. ويعتقد الخبراء أن إنتاج ليبيا قد يتضاعف ثلاثة مرات خلال المستقبل القريب، إذا سٌمح لشركات النفط الدولية بالعمل بحرية. ولا تقوم الولايات المتحدة بشراء قدر كبير من النفط من ليبيا، لأن أوروبا تعد السوق الرئيسية بالنسبة لها، لكن زيادة الإنتاج الليبي سوف يكون خطوة من شأنها تخفيف الضغط على الموردين الآخرين للولايات المتحدة.
وتظل مكافحة الإرهاب من أهم مجالات التعاون بين ليبيا والولايات المتحدة، في الوقت الذي يواصل فيه المسؤولون الأميركيون حديثهم مع نظرائهم الأميركيين حول التهديدات في شمال أفريقيا وكذلك تهديد تنظيم القاعدة العالمي. كما قام رئيس جهاز الأمن الخارجي موسى كوسا بعدد من الزيارات الخاصة إلى واشنطن خلال الأشهر القليلة الماضية. فضلا ً عن أن الدور البارز الذي تلعبه ليبيا في السياسة الإفريقية، كرئاستها الحالية للاتحاد الإفريقي، سوف يكون من شأنه بكل تأكيد أن يساعد في تطوير العلاقة بين الولايات المتحدة وليبيا، على الرغم من إعراب مسؤولي إدارة أوباما عن قلقهم حيال موقف ليبيا الخاص بالسودان، وكذلك أنشطتها في زيمبابوي.
وفي الوقت الذي شهدت فيه العلاقات تحسنًا بين البلدين، طالب منتقدو السجل الضعيف لحقوق الإنسان في ليبيا بأن تقوم واشنطن بوضع حقوق الإنسان على مائدة التفاوض في جميع المناقشات المستقبلية. وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أنها أثارت موضوع حقوق الإنسان، وبخاصة قضية فتحي الجامي، المحتجز بأحد السجون الليبية على خلفية اتهامه بالسعي للإطاحة بالحكومة. وقد تناولت جماعات حقوق الإنسان تلك التهم، قائلة ً أن الجامي تعرض للاعتقال بسبب توجيهه انتقادات للقذافي.
كما وجه حافظ الغويل، الأميركي من أصل ليبي ومؤلف المدونة الشعبية quot;مرصد ليبياquot;، انتقاداته للتقارب الحاصل بين الولايات المتحدة وليبيا. وقال:quot; أعتقد أن ذلك إشارة على أن الولايات المتحدة تكون دائما ً على استعداد لإعطاء الأولوية للمصالح الأمنية والعسكرية قصيرة المدى على حساب مصالح البلاد طويلة المدى. في الوقت الذي لم يشهد فيه الموقف الداخلي للبلاد أي تحسن على الإطلاقquot;. كما نشر الغويل تقارير مسهبة على مدونته بخصوص المحاولات الليبية التي تهدف إلى التأثير على تفكير واشنطن عن طريق استئجار شركات متخصصة في العلاقات العامة للوصول إلى أبرز الكتّاب والمفكرين الأميركيين، ومن خلال إعطاء عقود أيضا ً لأفراد أسر المسؤولين الأميركيين الكبار.
التعليقات