مبارك "للفيغارو":

الموقف المصري
وحول موقف مصر ازاء دعوة الولايات المتحدة الي تكوين ائتلاف بدلا من الانفراد بقصف كابول، وعما ينطوي علىه الموقف المصري الحالي من اختلاف عما كان علىه وقت حرب الخليج.. قال مبارك: لقد كانت الامور واضحة وقت حرب الخليج، اذ غزت دولة عربية ارض دولةاخري مجاورة وقامت باحتلالها، وكان الائتلاف الذي تكون وقتذاك يضم عددا كبيرا من الدول العربية ، وقد شاركنا في الائتلاف من منطلق وجود اتفاقية عربية للدفاع المشترك، ولكن الامر يختلف هذه المرة، لذا يتوجب علىنا دراسة الموقف عن كثب.. وعلىنا ان نجد اجابة للكثير من الاسئلة التي تطرح نفسها.. وعلى سبيل المثال كم بلدا يوافق على المشاركة في الائتلاف.. وكم بلدا سيرفض ذلك وكم بلدا سيمتنع؟.
ومضى مبارك قائلاً: "هناك سؤال اخر يطرح نفسه يتعلق بدور اسرائيل.. وهل تذعن للانضمام الي الائتلاف أم لا، فما من حكومة عربية ستقبل الانضمام الي واشنطن في حال مشاركة اسرائيل'.. وردا على سؤال آخر يقول: ان اسرائيل انتحت جانبا وقت الرد على العراق رغم ان العراق قصفها بالصواريخ.. فهل يعني ذلك ان الفيتو العربي سيظل قائما في وجه اسرائيل حتي عندما يتعلق الامر بمكافحة الارهاب؟& أوضح الرئيس مبارك انه "متى تتم تسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، ومتي يتم تطبيع الموقف في الشرق الاوسط فانه لن تكون هناك مشاكل"

معادلة غامضة
وردا على سؤال حول ما اذا كانت مصر على استعداد للانضمام الي ائتلاف واشنطن؟ قال مبارك: "سبق ان اوضحت ما اعترض علىه بالتحديد، وان الاكتفاء باقامة تحالف محدود معناه المخاطرة بتقسيم العالم الي عدة فصائل، ويعني ذلك ان تتحول الدول التي تنظم الي التحالف الي اهداف للارهابيين، وهذه معادلة يكتنفها الكثير من الغموض مما يحملني على عدم الخوض فيها دون ترو أو تبصر.. لذا فانني لا استطيع ان اقول لكم 'نعم سوف انضم الي التحالف".
وحول الشروط التي تحددها مصر للموافقة على المشاركة في تدخل عسكري امريكي.. قال مبارك: ان جامعة الدول العربية تبيح لاعضائها المشاركة في اعمال دفاعية فقط.. ولا يحق لي ان ابعث بقوات الي خارج منطقتنا الاقليمية الا دفاعا عن بلادي، أو لمساعدة بلدان تكون مرتبطة في السابق باتفاقات دفاع مشترك.. وإنني لحريص على الاشارة الي ان مصر ابدت تعاونا كاملا مع الولايات المتحدة لكشف المجرمين.. وبين اجهزة مخابرات البلدين تبادل يومي للمعلومات.
وعن الرد الذي يراه مناسبا بعدما تعرضت له الولايات المتحدة من هجمات.. قال مبارك: "إن الحل هو عقد مؤتمر دولي يقوم ­تحت رعاية الامم المتحدة­ بصياغة اتفاقية تجرم الارهاب.. وتتعهد من خلالها الدول الموقعة بعدم استقبال، ارهابيين على اراضيها وبعدم السماح لهم بفتح معسكرات تدريب على ترابها الوطني، وبمنعهم من المرور من بلد الي اخر.. على ان تتم مقاطعة دولية للحكومات التي ترفض تطبيق هذه الاتفاقية.. ولقد سبق لي ان قدمت هذا المشروع لاول مرة امام برلمان "ستراسبورج" خلال عام 1986، فكم من وقت اهدرنا منذ ذلك الحين" .

لاجئون وضحايا
وردا على سؤال حول حق اللجوء السياسي، قال الرئيس مبارك: "إن حق اللجوء تكفله المباديء الديمقراطية.. لكنه من غير المقبول ان تمنح دولة ديمقراطية حق اللجوء السياسي لمجرمين.. ضاربة بذلك عرض الحائط بمعاناة ضحاياهم، ان القاتل لا يحق له المطالبة بحقوق الانسان، ومنح اللجوء لأناس قتلوا النساء والاطفال بهدف واحد هو زعزعة استقرار بلد هو انتهاك لحقوق الضحايا، واذا ارتكب شخص جريمة في فرنسا، لا تظن انه سيتمكن من اللجوء الي مصر، فسوف اسلمه الي فرنسا على الفور" .
وعما يراه مبارك من ان لندن تحولت الي اكبر قاعدة خلفية للارهاب في أوروبا.. قال انه سبق له ان حذر جون ميجور "رئيس وزراء بريطانيا السابق" ، لكنه لم يستمع إليه، وأضاف أنه كرر ما سبق له ان قال هذا الأسبوع في حديث لشبكة "بي. بي. سي" عندما سئل عن الأشخاص الذين تمنحهم بريطانيا اللجوء السياسي فوجه رسالة الي توني بلير رئيس الوزراء يوصيه فيها بالحذر.
واستطرد مبارك قائلا ان فرنسا تنبهت الي ذلك، لكن بعض العواصم الأوروبية تحولت في المقابل الي مراكز تجمع حقيقية للارهابيين، وعلى الحكومات التي قبلت استضافتهم ألا تتباكي أو تذرف الدمع عندما تتحول الي اهداف لهم.

اتفاقية دولية
وحول استضافة الولايات المتحدة لعمر عبد الرحمن نظرا لما قدمه من خدمات لها في أفغانستان، ثم تحول هذا المتطرف إلى معاداة الأميركيين وقيامه بتدبير الاعتداء الأول على مركز التجارة العالمي في عام 1993، قال الرئيس مبارك: "لقد أواه الأميركيون لأنه أعانهم على مواجهة الغزو السوفيتي، وقد حذرتهم من وضع ثقتهم في شخص مثله، فسألوني وقتها ان كنت اريدهم ان يسلموه لمصر فكان ان اجبتهم بقولي انتم تمزحون، ابقوه في بلدكم فلست في حاجة إليه، لكنه ذات يوم قريب سيجعلكم تدفعون غاليا ثمن استضافتكم له".. وحتي ثلاثة شهور من الاعتداء كان عمر عبدالرحمن صديق الأميركيين الصدوق، وكذلك كان بن لادن وقت التصدي الي الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
وعن تعلىقه على جدوي الاتفاقية الدولية التي يقترحها لمكافحة الارهاب، وكونها ستتحول الي مجرد ورقة لا أكثر في مواجهة ارهابيين من هذا النوع، خاصة ان ما اتخذه مؤتمر قمة شرم الشيخ من توصيات في عام 1997 ظل بلا جدوي حقيقية.. قال مبارك: "من الأسف ان تلك التوصيات لم تكن ملزمة، كما ان الهدف الرئيسي لقمة شرم الشيخ كان وضع حد للعنف بين الاسرائيليين والفلسطينيين فهو مؤتمر لم تكن له أهلية عالمية.. فقد عقد مؤتمر قمة شرم الشيخ بعد أسابيع من اغتيال اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيل الأسبق فيما اعتبرناه محاولة انقاذ سياسي لشيمون بيريز الذي خلف رابين" .

نتائج التحقيقات
وعن تفسيره كطيار قديم لكيفية وضع خطة تنفيذ عملية هجومية معقدة في غياهب كهف بأفغانستان.. قال مبارك: "حتى الآن فإنني لا أعلم شيئا، ومرة اخرى أقول إننا نحتاج الي التمهل وانتظار نتيجة التحقيقات التي ستستغرق أسابيع.. وكل ما استطيع قوله ان الطيارين الذين ضربوا برجي مركز التجارة العالمي تلقوا تدريبا عاليا، وكذلك الحال وربما أكثر بالنسبة لمن هاجموا البنتاجون، فقائد طائرة البنتاجون أعد خطة هجومه باحكام بالغ.. فالمبني منخفض على عكس ناطحات السحاب في نيويورك وضربه بهذه الطريقة يعني التحليق على ارتفاع منخفض وهو ليس بالأمر اليسير" .
وسئل الرئيس المصري عما اذا كان تلقي دروس طيران في مدرسة مثل مدرسة فلوريدا للطيران يكفي.. قال مبارك: "في الطائرات الحديثة يكفي الضغط على زر واحد لجعل الطائرة تحلق، ولكن ذلك لا يعني أن من يقود الطائرة طيارا محنكا بمعني الكلمة، والأشخاص الذين هاجموا نيويورك وواشنطن من المحترفين" ، ووصفهم مبارك بأنهم متطرفون تعرضوا لعملية غسيل مخ عندما سئل: كيف يكونون على مثل هذه الدرجة من الحرفية ثم يضحون بأنفسهم في عملية انتحارية؟
وعن كيفية غياب المخابرات المركزية تماما عما جري.. قال مبارك: "لقد زودنا الأميركيين ببعض المعلومات بعد مشاهدة شريط فيديو لبن لادن في 13 يونيو، تحدث فيه عن اغتيال الرئيس بوش وغيره من قادة الدول في روما باستخدام طائرة مليئة بالمتفجرات.. وقد اتخذت احتياطات في هذا الحين، ولكن احدا لم يكن يتصور ان طائرة ركاب بوينج ستستخدم في تفجير المباني الأميركية" .

الحرب والإرهاب
وعن وجه الاختلاف بين الحرب التي يقول الأميركيون انهم يعتبرون انفسهم فيها وبين الارهاب قال مبارك: "إنهما حربان بينهما اختلاف كامل، فالحرب التقليدية تجري في منطقة عمليات محدودة مثلما كان الحال في حرب الخليج في عام 1991 حيث كانت خطوط الجبهة محددة والهدف واضحا وهو تحرير الكويت، اما الارهابيون فان مسرح عملياتهم هو العالم بأسره" .
واضاف مبارك : "وفي الحرب التقليدية يكون مصدر الضربة الهجومية معروفا، ويكون العدو معلوما تمام العلم، اما الارهابيون فهم يعتمدون دائما على عنصر المفاجأة والمباغتة ولم يكن احد ليتصور مثلا ان تستخدم طائرة مدنية ضخمة في ضرب مركز التجارة العالمي، ولم يكن احد يتصور كذلك ان يقوم الارهابيون بنسف سفارة مصر في باكستان أو سفارة اسرائيل في الارجنتين أوسفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا أو المدمرة 'كول' في عدن. ومضي الرئيس مبارك قائلا: 'يستحيل ان يخمن احد هدف ضربة ارهابية أو السلاح المستخدم فيها أو متي ومن أي بلد يطلق الارهابيون هجماتهم" .

الأدلة ضرورية
وعما اذا كانت هذه الازمة يمكن ان تتحول إلي حرب عظمي أكد مبارك انه لا يعتقد ذلك، فالحرب في رأيه مفهوم اصبح باليا والارهاب يتجاوزها خطورة.. وقال: 'وعلىنا ان نعي اننا مقبلون على معركة طويلة على عدة جبهات.. لذا يتوجب علىنا ان نخترق عدة شبكات قبل ان نوقف جميع الارهابيين.. وعلىنا ان نستغل الاستخبارات قبل ان نضع ايدينا على المنظمين وان نراقب التحويلات المالية عبر العالم وان نتابع الاتصالات عبر الانترنت.
واضاف الرئيس المصري : "لكن كل ذلك يتطلب منا الصبر والاستعانة برجال الشرطة والمخابرات.. ان قائد قاذفة تطلق الصواريخ على جبل في افغانستان لن يفيدنا في شيء فهو لن يفلح مهما كان في تدمير جبل يحوي كهفا يخفي زعيم الارهاب !" .
وعما اذا كان يعتقد ان اسامة بن لادن هو العقل المفكر الوحيد وراء ما يجري قال مبارك :"لا اعرف.. لكنه على اي حال لم يتحرك وحده فهو في حاجة إلي خبراء ماليين، وإلي متخصصين عسكريين، وإلي هيئة اركان إلي جانبه، وإلي شبكات مخولة بالتحرك، وعلىنا ان نكشف كل ذلك قبل ان نعطي ردا محدداً" .
وعلق لامبروسكيني قائلا: "إن بعض الارهابيين مصريون مثل عمر عبدالرحمن ومحمد عطا المتهم بانه قاد الطائرة التي اصطدمت بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي" ، فرد مبارك قائلا: "ليس هناك اي دليل قاطع بعد.. ومحمد عطا كان يعيش في الولايات المتحدة مثلما كان يعيش ايضا في هامبورج بالمانيا ونحن لا نعرفه ، وكان على الأميركيين ان يراقبوه بما انه عاش بينهم" .
ثم استطرد مبارك قائلاً : "ما اكثر اسماء العرب في القوائم التي تنشرها الصحف لكن من ذا الذي يمكنه ان يقطع بان قراصنة الجو كلهم من العرب.. ربما كان منهم الاوروبي أو حتى الأميركي عضوا في خلية إرهابية" .

الدول المارقة
وحول تعلىقه على تعبير "الدول المارقة" ومنها إيران التي تتهمها واشنطن بأنها تدين الارهابيين علانية ، لكنها تمولهم سراً ، أشار إلى انه لا يريد التحدث عن ايران أو عن غيرها، وان كل ما يمكنه ان يقول هو "إن مصر لا تستخدم لغة مزدوجة ومبدأنا ازاء الارهاب.. هو الشفافية" .
وعما اذا كان يمكن التحدث عن الشفافية عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية.. قال مبارك : "على عكس ما يتردد في بعض وسائل الإعلام الغربية ، فإن المملكة لا تمول الارهاب، وبالتالي فانه لا ينبغي الخلط بين الحكومة السعودية وبين بعض المنظمات الخاصة التي تسعي الي مساعدة الفقراء بالمال فيتحول هذا المال الي أهداف أخرى" .
وعن ليبيا.. قال مبارك انه يقطع بأن العقيد الليبي معمر القذافي يري مثلما يري هو شخصيا في تطرف الأصوليين تهديدا بالغ الخطورة.. وعن موقف باكستان التي اعلن رئيسها تحالفه مع الولايات المتحدة في الوقت الذي يعتبر فيه حليفا لطالبان ويسعي فيه من جانب اخر الي تهدئة الشارع الباكستاني الذي ينحاز لبن لادن، قال الرئيس مبارك "كان الله في عون باكستان" .
وعما يعنيه بالتحديد بذلك قال مبارك "لا تعلىق.. لكنني أضيف انه لو كانت هناك اتفاقية دولية مناهضة للإرهاب لما طرحتم على هذا السؤال عن باكستان أساسا.. فاما ان يوقع بلد على الاتفاقية وإما ان يجد نفسه مهمشا ومعزولاً" .