موسكو - من سلام مسافر: قال بول كاردنر السكرتير الثاني في السفارة الأميركية في موسكو، إن الولايات المتحدة "لا تقوم بعمل انتقامي (في أفغانستان) وإنما عمليات وقائية لمنع المجرمين والقتلة من تكرار ما حصل في نيويورك وواشنطن".
وشدد الديبلوماسي الأميركي الذي شارك في مناقشات "الطاولة المستديرة" التي عقدت أول من أمس تحت عنوان "روسيا والإسلام والعولمة"، على أن الولايات المحدة وحليفاتها "حررت الكويت في التسعينات من القرن الماضي وهي بلد مسلم من الاحتلال العراقي", وقال: "دافعنا عن المسلمين في البوسنة وكوسوفو ووفرنا لهم الحماية".
وشارك في أعمال الندوة التي نظمها الحزب "الاوراسيوي" الروسي برئاسة النائب المسلم في البرلمان عبدالواحد نيازف، لفيف من رجال الدين والسياسيين والعسكريين والباحثين، اضافة إلى الديبلوماسيين بينهم سفير العراق في موسكو الذي انتقد "المعايير المزدوجة وارهاب الدولة" من دون تسمية الولايات المتحدة بالاسم.
ولاحظ المراقبون ان هذه هي المرة الأولى التي يحضر فيها ديبلوماسي أميركي ندوة تنظم في العاصمة الروسية بمشاركة ممثل عن العراق.
وأشار الشيخ نافع عشيروف مفتي القسم الآسيوي لروسيا، إلى ان مفهوم "من ليس معنا فهو علينا الذي يطرحه الرئىس (جورج) بوش يعكس عنجهية الولايات المتحدة التي تشن اليوم حرباً ظالمة على أفقر بلد في العالم", وقال: "الله وحده قادر على فرض مشيئته, ولا يجوز لدولة أو مجموعة دول أن تفرض شروطاً على البشر كما تفعل أميركا التي تدعم أنظمة جائرة تذيق شعوبها الأمرين".
وانتقد عشيروف في شدة قرار القيادة الروسية تقديم تسهيلات لوجستية للقوات الأميركية في حملتها ضد افغانستان، واتهم بعض أنظمة آسيا الوسطى (السوفياتية السابقة) بقمع شعوبها "وزج الآلاف في السجون لانهم يريدون اعلاء كلمة الله في بلادهم ويطالبون بالعدل والمساواة".
وسخر الشيخ عشيروف من مقولة "هجوم المسلمين المتخلفين على المدنية الغربية المزدهرة" التي تروج لها وسائل الإعلام في روسيا, وقال: "يريدوننا تقليد قيم الغرب الباطلة التي تسمح بالزواج بين الشاذين وتروج المخدرات وتشجع العنف والجريمة".
وأيد فاسيلي شنديبين النائب عن الحزب الشيوعي في البرلمان اطروحات الشيخ عشيروف، ووصفها "بالعقلانية والوطنية والشجاعة", وقال "تروج العولمة للفجور والكحول، وأشعر شخصياً بالقرف وأنا أشاهد تلامذة المدارس في موسكو يشربون البيرة ويتسكعون في الشوارع ويقلدون نمط الحياة الغربية الفاجر".
وتمنى نائب روسي آخر، هو اليكسي ميتروفانوف، أن تحذو الحكومة الروسية حذو حركة "طالبان" وتغلق كل القنوات التلفزيونية "وتكفينا شر مشاهدة أفلام العنف والخلاعة الأميركية".
ودعا ميتروفانوف عضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما، الكرملين إلى الاعتراف بحكومة "طالبان" "الحاكمة في كابول، لانها القوة الوحيدة القادرة في افغانستان على ضمان الاستقرار في البلد المتاخم لحدودنا الجنوبية", وقال: "لا يهم طبيعة نظام الحكم وأساليبه المهم الاستقرار".
وقال الجنرال محمود اغارييف الذي كان يترأس فريق الخبراء العسكريين السوفيات في مصر حقبة السبعينات وقاتل في افغانستان، ان الولايات المتحدة "تكرر الخطأ نفسه الذي وقعنا فيه حين دخلنا افغانستان من دون برنامج ولم نكن نعرف من سيحكم هذا البلد وكيف", وقال ان "نظام طالبان أعاد افغانستان أربعة قرون إلى الوراء وخلافاً للأنظمة في الخليج التي تدين بالاسلام أيضاً، فرضت طالبان قيوداً على المرأة وعطلت الحياة الاجتماعية في حين تزدهر دول الخليج العربية بالحياة العصرية التي يقرها الإسلام".
ويرى الجنرال اغارييف ان الولايات المتحدة التي تريد للملك المخلوع ظاهر شاه لعب دور في مرحلة ما بعد "طالبان"، "لم تجد ضرورة لابلاغ الملك الأفغاني السابق بأنها ستبدأ عملياتها العسكرية، الأمر الذي يعكس استخفافها به ويجسد غياب الوضوح لدى الأميركيين وحلفائهم الانكليز حول من سيحكم بعد القضاء على طالبان", واعتبر الجنرال الذي يعمل مستشاراً في وزارة الدفاع، قرار انخراط روسيا في حملة مكافحة الإرهاب "صائباً وديبلوماسية محنكة"، لكنه انتقد القصف الجوي للمدن الأفغانية "لأنه يدمر محطات الكهرباء والسدود وخزانات الماء ويقضي على آخر اثر للمدنية في أفغانستان", وقال ان "هذا القصف يعادل العمليات الإرهابية ويزيد عليها "بشاعة لأنه يصدر عن دولة".
وتحدث في الندوة باحثون ومفكرون عن العولمة والإسلام وطرحوا تساؤلات في شأن مصير روسيا ومصالحها الجيوسياسية في ضوء الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب, وتشككت معظم المداخلات في فاعلية العمل العسكري للقضاء على "ظاهرة الإرهاب"، ودعوا إلى اجتثاث الأسباب السياسية والاجتماعية التي تدفع بفئات واسعة في المجتمعات الشرق أوسطية إلى تبني التطرف والاستعداد للقيام بعمليات انتحارية نتيجة البؤس والاحباط.(الرأي العام الكويتية)