&
&
&
بقلم سليم الحص
خلال المرحلة الاخيرة من الازمة الوطنية الكبرى، التي عصفت بلبنان طوال خمسة عشر عاما ما بين العامين 1975 و1990، كنا نقول: بعد سنوات طويلة من الاقتتال المرير انقسم اللبنانيون طرفين لا يلتقيان: طرفا لا يستطيع أن يعطي وطرفا لا يستطيع أن يأخذ.
لقد بذل الفريق الذي كان يشغل مواقع متميّزة في نظام الحكم في لبنان غالياً من دمه وماله وهنائه كي لا يتنازل عن شيء مما كان يملك، فلم يعد قادراً على التخلي عن شيء مما في يده. وبذل الفريق المطالِب بتحسين مواقعه في النظام غالياً كي يحقق اقصى طموحه فلم يعد قادراً على القبول بالقليل مما يطلب.
فكان التحدي الكبير، في مساعي الحل للأزمة اللبنانية، التوصل الى ردم الهوة السحيقة بين من لا يستطيع ان يعطي ومن لا يستطيع ان يأخذ. وما كان ذلك ممكناً إلا بتدخل فريق ثالث يتمتع بدالة على كلا الطرفين. فكان مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء في العام 1989، والذي انبثقت منه لجنة عربية ثلاثية عليا، فكانت هي ذلك الفريق الثالث. وقد اخذت هذه اللجنة على عاتقها ترتيب لقاء في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية بين النواب اللبنانيين، وتوج هذا اللقاء بما سُمّي اتفاق الطائف او وثيقة الوفاق الوطني، فكانت نهاية الحرب المتمادية بين اللبنانيين.
كما كان في لبنان سابقا كذلك في فلسطين اليوم. ففي فلسطين اليوم حالة مشابهة، مع فارق وجود عدو غاصب أقام لنفسه كيانا على الأرض العربية مبنياً على الظلم والبطش واغتصاب الحقوق وشتى ألوان الإرهاب. فبعد صراع مرير دام اكثر من نصف قرن منذ قيام الكيان الصهيوني الدخيل، بذل الاسرائيلي خلاله كثيراً من اجل الاحتفاظ بكل ما استلب وانتهب، فبات اليوم غير قادر على التخلي عن شيء مما في يده، وبذل الفلسطيني في المقابل بسخاء من دمه وماله وهنائه كي يستعيد
كل حقوقه المشروعة فلم يعد قادراً على الاقتناع بالقليل مما يطلب. هكذا استحالت أرض فلسطين ساحة صراع مصيري بين طرفين لا يلتقيان: الاسرائيلي لا يستطيع ان يعطي والفلسطيني لا يستطيع ان يأخذ. اما ردم الهوة السحيقة بين الفريقين، هنا ايضا، فيتطلب تدخل قوة ثالثة تساعد على اجتراح تسوية ما تنهي الحرب المديدة.
لا يختلف إثنان في ان الطرف الوحيد القادر، بحكم علاقته مع اسرائيل، على ردم الهوة التفاوضية بين الفلسطيني والاسرائيلي هو الولايات المتحدة الاميركية بما لها من دالة على اسرائيل، وهي مطالَبة من العرب، في غمرة الحرب التي اعلنتها على الإرهاب، بأن تعكف على معالجة مسبّبات الإرهاب الحقيقية، وفي مقدمها اسرائيل في ممارساتها العدوانية وتداعيات وجودها العدواني. فلا جدوى والحال هذه من الاكتفاء بمحاربة الذين تتهمهم أميركا بالإرهاب. ولا تكون معالجة الاسباب ناجعة من غير التصدي للصراع العربي الاسرائيلي بدءاً بمعالجة القضايا العالقة على المسار الفلسطيني للتسوية.
لا يكفي ان يعلن الرئيس الأميركي جورج بوش تبني بلاده لمشروع الدولة الفلسطينية، ثم يجاريه في هذا الموقف رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير. فهذا تحصيل حاصل، إذ من البديهي ان لا حل لقضية فلسطين من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة. أما المسألة الحقيقية فهي: أي دولة؟ وبأية شروط؟ هل تكون الدولة على مقاس المفهوم الإسرائيلي لها، أم انها ستكون متجاوبة مع الحقوق الفلسطينية المشروعة؟ إن المقاربة الأميركية للقضية الفلسطينية ستكون أكثر جدية عندما يبادر الرئيس الأميركي، أو إدارته، إلى الحديث عن مصير القدس العربية ومصير المستوطنات اليهودية داخل الأرض العربية وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم في فلسطين. هذه هي أهم القضايا العالقة في محادثات الوضع النهائي على المسار الفلسطيني للتسوية، والجواب عنها يحدد ماهية الدولة التي ستقوم وما إذا كان الطرح الأميركي مقبولا من العرب أو غير مقبول.
كان يمكن لأميركا ان تكون القوة الثالثة التي تردم الهوة بين فريقين لا يلتقيان، ولكنها للأسف ليست اليوم كذلك، فهي اليوم طرف في المشكلة وليست طرفا في الحل. فهي إذ تدعم إسرائيل بالمال والسلاح وتحيط إسرائيل برعايتها اللامحدودة وتُسبغ على عدوانيتها غطاءها السياسي والدبلوماسي والإعلامي، وتُلقي بثقلها الدولي إلى جانبها ولو على الباطل، إنما تزيد إسرائيل إستكباراً وتشجعها على تعنّتها فتعمّق الهوة بين الفريقين اللذين لا يلتقيان. فإذا كانت أميركا ستلعب دور الوصل بين الفريقين فعليها منطلقاً ان تكون عادلة وموضوعية ونزيهة، أي أن عليها أن تخرج عن انحيازها السافر والجائر إلى إسرائيل وتحكم بين المتفاوضين بالعدل. ولكن المفارقة التي لا تروق لأميركا أن العدل لا يرحم إسرائيل.
مع كل ذلك فإن الرأي العام العربي لم يتخلَّ عن رهانه بأن يستفيق الضمير دوليا،ً فتتحوّل الحملة ضد الإرهاب من حرب على إحدى أفقر الدول في العالم إلى التصدي لعدوان إسرائيل، وهي أعتى قوة إرهابية في العالم. هذا لو ينصف الغرب في تعريفه للإرهاب.
يصرّ الإسرائيلي، ومعه الأميركي، على وقف العنف تماماً قبل استئناف التفاوض. بعبارة أخرى، يهم إسرائيل وأميركا ان يتخلى الفلسطيني عن انتفاضته قبل استئناف محادثات التسوية. والهدف من هذا الشرط واضح. إنه تجريد المفاوض الفلسطيني من آخر ورقة تفاوضية يملكها وهي الإنتفاضة، أي أمن إسرائيل. فالتفاوض عند ذاك يغدو عديم التكافؤ، إذ يغدو المفاوض الإسرائيلي غير مضطّر لتقديم أي تنازل للفلسطيني من دون مقابل، وليس في يد الفلسطيني ما يقدمه في المقابل. وقد يكون وراء هذا الشرط مأرب آخر هو إشعال الفتنة في صفوف الفلسطينيين جراء حَمْل السلطة الفلسطينية على التصدي للمقاومين الفلسطينيين كما تشاء إسرائيل .(السفير اللبنانية)
خلال المرحلة الاخيرة من الازمة الوطنية الكبرى، التي عصفت بلبنان طوال خمسة عشر عاما ما بين العامين 1975 و1990، كنا نقول: بعد سنوات طويلة من الاقتتال المرير انقسم اللبنانيون طرفين لا يلتقيان: طرفا لا يستطيع أن يعطي وطرفا لا يستطيع أن يأخذ.
لقد بذل الفريق الذي كان يشغل مواقع متميّزة في نظام الحكم في لبنان غالياً من دمه وماله وهنائه كي لا يتنازل عن شيء مما كان يملك، فلم يعد قادراً على التخلي عن شيء مما في يده. وبذل الفريق المطالِب بتحسين مواقعه في النظام غالياً كي يحقق اقصى طموحه فلم يعد قادراً على القبول بالقليل مما يطلب.
فكان التحدي الكبير، في مساعي الحل للأزمة اللبنانية، التوصل الى ردم الهوة السحيقة بين من لا يستطيع ان يعطي ومن لا يستطيع ان يأخذ. وما كان ذلك ممكناً إلا بتدخل فريق ثالث يتمتع بدالة على كلا الطرفين. فكان مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء في العام 1989، والذي انبثقت منه لجنة عربية ثلاثية عليا، فكانت هي ذلك الفريق الثالث. وقد اخذت هذه اللجنة على عاتقها ترتيب لقاء في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية بين النواب اللبنانيين، وتوج هذا اللقاء بما سُمّي اتفاق الطائف او وثيقة الوفاق الوطني، فكانت نهاية الحرب المتمادية بين اللبنانيين.
كما كان في لبنان سابقا كذلك في فلسطين اليوم. ففي فلسطين اليوم حالة مشابهة، مع فارق وجود عدو غاصب أقام لنفسه كيانا على الأرض العربية مبنياً على الظلم والبطش واغتصاب الحقوق وشتى ألوان الإرهاب. فبعد صراع مرير دام اكثر من نصف قرن منذ قيام الكيان الصهيوني الدخيل، بذل الاسرائيلي خلاله كثيراً من اجل الاحتفاظ بكل ما استلب وانتهب، فبات اليوم غير قادر على التخلي عن شيء مما في يده، وبذل الفلسطيني في المقابل بسخاء من دمه وماله وهنائه كي يستعيد
كل حقوقه المشروعة فلم يعد قادراً على الاقتناع بالقليل مما يطلب. هكذا استحالت أرض فلسطين ساحة صراع مصيري بين طرفين لا يلتقيان: الاسرائيلي لا يستطيع ان يعطي والفلسطيني لا يستطيع ان يأخذ. اما ردم الهوة السحيقة بين الفريقين، هنا ايضا، فيتطلب تدخل قوة ثالثة تساعد على اجتراح تسوية ما تنهي الحرب المديدة.
لا يختلف إثنان في ان الطرف الوحيد القادر، بحكم علاقته مع اسرائيل، على ردم الهوة التفاوضية بين الفلسطيني والاسرائيلي هو الولايات المتحدة الاميركية بما لها من دالة على اسرائيل، وهي مطالَبة من العرب، في غمرة الحرب التي اعلنتها على الإرهاب، بأن تعكف على معالجة مسبّبات الإرهاب الحقيقية، وفي مقدمها اسرائيل في ممارساتها العدوانية وتداعيات وجودها العدواني. فلا جدوى والحال هذه من الاكتفاء بمحاربة الذين تتهمهم أميركا بالإرهاب. ولا تكون معالجة الاسباب ناجعة من غير التصدي للصراع العربي الاسرائيلي بدءاً بمعالجة القضايا العالقة على المسار الفلسطيني للتسوية.
لا يكفي ان يعلن الرئيس الأميركي جورج بوش تبني بلاده لمشروع الدولة الفلسطينية، ثم يجاريه في هذا الموقف رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير. فهذا تحصيل حاصل، إذ من البديهي ان لا حل لقضية فلسطين من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة. أما المسألة الحقيقية فهي: أي دولة؟ وبأية شروط؟ هل تكون الدولة على مقاس المفهوم الإسرائيلي لها، أم انها ستكون متجاوبة مع الحقوق الفلسطينية المشروعة؟ إن المقاربة الأميركية للقضية الفلسطينية ستكون أكثر جدية عندما يبادر الرئيس الأميركي، أو إدارته، إلى الحديث عن مصير القدس العربية ومصير المستوطنات اليهودية داخل الأرض العربية وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم في فلسطين. هذه هي أهم القضايا العالقة في محادثات الوضع النهائي على المسار الفلسطيني للتسوية، والجواب عنها يحدد ماهية الدولة التي ستقوم وما إذا كان الطرح الأميركي مقبولا من العرب أو غير مقبول.
كان يمكن لأميركا ان تكون القوة الثالثة التي تردم الهوة بين فريقين لا يلتقيان، ولكنها للأسف ليست اليوم كذلك، فهي اليوم طرف في المشكلة وليست طرفا في الحل. فهي إذ تدعم إسرائيل بالمال والسلاح وتحيط إسرائيل برعايتها اللامحدودة وتُسبغ على عدوانيتها غطاءها السياسي والدبلوماسي والإعلامي، وتُلقي بثقلها الدولي إلى جانبها ولو على الباطل، إنما تزيد إسرائيل إستكباراً وتشجعها على تعنّتها فتعمّق الهوة بين الفريقين اللذين لا يلتقيان. فإذا كانت أميركا ستلعب دور الوصل بين الفريقين فعليها منطلقاً ان تكون عادلة وموضوعية ونزيهة، أي أن عليها أن تخرج عن انحيازها السافر والجائر إلى إسرائيل وتحكم بين المتفاوضين بالعدل. ولكن المفارقة التي لا تروق لأميركا أن العدل لا يرحم إسرائيل.
مع كل ذلك فإن الرأي العام العربي لم يتخلَّ عن رهانه بأن يستفيق الضمير دوليا،ً فتتحوّل الحملة ضد الإرهاب من حرب على إحدى أفقر الدول في العالم إلى التصدي لعدوان إسرائيل، وهي أعتى قوة إرهابية في العالم. هذا لو ينصف الغرب في تعريفه للإرهاب.
يصرّ الإسرائيلي، ومعه الأميركي، على وقف العنف تماماً قبل استئناف التفاوض. بعبارة أخرى، يهم إسرائيل وأميركا ان يتخلى الفلسطيني عن انتفاضته قبل استئناف محادثات التسوية. والهدف من هذا الشرط واضح. إنه تجريد المفاوض الفلسطيني من آخر ورقة تفاوضية يملكها وهي الإنتفاضة، أي أمن إسرائيل. فالتفاوض عند ذاك يغدو عديم التكافؤ، إذ يغدو المفاوض الإسرائيلي غير مضطّر لتقديم أي تنازل للفلسطيني من دون مقابل، وليس في يد الفلسطيني ما يقدمه في المقابل. وقد يكون وراء هذا الشرط مأرب آخر هو إشعال الفتنة في صفوف الفلسطينيين جراء حَمْل السلطة الفلسطينية على التصدي للمقاومين الفلسطينيين كما تشاء إسرائيل .(السفير اللبنانية)
&
التعليقات