&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& &سليم نصار
يعاني وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد من آثار صدمة نفسية أصابته خلال اليوم الأول من اعلان الحرب علي طالبان .
ويبدو ان هذه الصدمة العميقة أثرت علي مختلف سجايا شخصيته الهادئة، فإذا به يتحول الي انسان شرس الطباع يستخدم ألفاظاً بذيئة اثناء مخاطبة الضباط، ويتعمد ركل الباب بحذائه كلما دخل أو خرج من مكتبه. والسبب ان الاجهزة العسكرية المسؤولة عن القرارات الحاسمة خيبت أمله بإضاعتها فرصة القضاء علي زعيم طالبان الملا محمد عمر.
تقول المعلومات ان طائرة استكشاف اميركية من طراز بريدوتر (المفترس) أرسلتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) في مهمة استطلاع للطرق المؤدية الي كابول. وتمتاز هذه الطائرة المجهزة برادار مصور بنظام الأشعة تحت الحمراء، وبكاميرات تلفزيونية قادرة علي بث صور الي جميع المحطات الأرضية المرتبطة بمراكز الـ سي اي ايه . وهي تعمل بتوجيه التحكم الالكتروني لأنها تطير من دون طيار.
عند حلول الظلام رصدت طائرة الاستطلاع زعيم طالبان الملا محمد عمر وهو يغادر كابول علي رأس موكب ضخم من العربات المصفحة. ومرت فترة طويلة من دون ان تتمكن مراكز الوكالة من إصدار الأوامر للطائرة بتوجيه صواريخها نحو الموكب بحجة انها ليست مفوضة باتخاذ قرار علي هذا المستوي من الخطورة. كذلك ارتبكت قيادة الاسطول الخامس المرابط قبالة البحرين، فجيّرت المسؤولية الي القيادة المركزية (سانتكوم) في قاعدة ماكديل للقوات الجوية في فلوريدا.
في هذه الأثناء واصلت طائرة بريدوتر تعقبها للموكب الي حين وصوله الي مخبأ قصي حيث حل الملا محمد عمر مع حرسه الخاص. وفي تلك الساعة أصدر قائد سانتكوم الجنرال تومي فرانكس أمراً يقضي بعدم اطلاق الصواريخ، مبرراً ذلك بتوصية الضابط القانوني. وبدلاً من ان تؤمر قاذفات القنابل بالتوجه نحو المخبأ لتدميره، كما توقع الوزير رامسفيلد، أُعطيت الإرشادات الي الطائرة بإطلاق صاروخ واحد أمام المكان المستهدف. وفسر الجنرال فرانكس إحجامه بالقول انه يريد التأكد من وجود الملا عمر قبل ارتكاب مجزرة قد يذهب ضحيتها أبرياء. وانطلق الصاروخ ليدمر عدة سيارات تابعة للموكب. ومرت فترة طويلة قبل ان يخرج الملا عمر من المكان الذي لجأ اليه، ويكمل طريقه الي جهة مجهولة. عندئذ فقط تحمست القيادة لإرسال طائرة أف - 18 قامت بتدمير المبني الفارغ بعد مغادرة الشخص الأول المستهدف من الحملة العسكرية.
الإدارة الاميركية عقدت سلسلة اجتماعات لمراجعة الخطوات العملية التي قادت الي قرار التخاذل المشين. واستخدم وزير الدفاع لغة سوقية مع كبار الجنرالات الذين تذرعوا بتطبيق دعوة الرئيس بوش بالحرص علي سلامة المدنيين. ورأي رامسفيلد في هذا القصور تجديداً للروح البيروقراطية الآسنة التي لعبت دوراً اساسياً في خسارة حرب فيتنام. في حين يعتقد السياسيون ان وكالة الاستخبارات المركزية اختارت الحل الذي يضمن فكرة إطالة أمد الحرب. ذلك ان مقتل الملا محمد عمر كان سيقود الي تشرذم فصائل طالبان ، واستسلام افرادها الذين يعتبرون زعيمهم المرشد الروحي والبطل الذي لا يُقهر.
ولعل هذه الواقعة الفريدة من نوعها تعكس صورة التيارات المتعارضة التي تتنازع القرار الرسمي في الولايات المتحدة. كما تعكس بالتالي موقف الجنرالات الذين يميلون الي تغليب عنصر الوقت بهدف لعب دور حاسم في مستقبل افغانستان، مقابل قيادة سياسية تريد تهدئة الشارع عن طريق الانتقام من رموز ناطقة الدلالة مثل الملا محمد عمر واسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
علي هامش هذه الحرب ظهرت القضية الفلسطينية كضحية لخلاف اميركي - اسرائيلي حول تفسير الدوافع العميقة لمشاعر الكراهية التي أظهرتها شعوب المنطقة نحو سياسة الولايات المتحدة، وحاول الرئيس جورج بوش اظهار تحول تكتيكي نحو هذه الأزمة التاريخية بهدف اشعار الدول العربية والاسلامية بأن هجمات 11 ايلول (سبتمبر) قد بدلت ايضاً اسلوب التعاطي مع مشكلة الشرق الأوسط، لذلك طلب من شارون ضرورة الالتزام بخط التهدئة الذي دعا اليه ياسر عرفات علي أمل تثبيت وقف النار واستئناف مفاوضات السلام. وبدلاً من ان يتجاوب رئيس وزراء اسرائيل مع هذا المطلب استغل انشغال العالم بحرب افغانستان لكي يزيد من ممارسات العنف ضد الشعب الفلسطيني. وحجته انه من الخطأ ربط مشاعر الكراهية لأميركا بدورها المنحاز لاسرائيل، وان بلاده تعاني هي ايضاً من الارهاب الاسلامي.
في رده علي هذا الطرح حاول ياسر عرفات التعاطف مع الاميركيين من خلال عرض مأساة شعبه، واظهارها كسلسلة متواصلة من العنف الذي خبرت بعضه الولايات المتحدة. وتوقع من ادارة بوش مزيداً من التفهم لواقع العدوان الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ نصف قرن. والثابت ان عملية الانتقام لاغتيال أبو علي مصطفي أعطت شارون حجة اضافية لنسف وعوده العرقوبية ومواصلة احتلال قري الضفة الغربية.
استغل اللوبي اليهودي مقتل وزير السياحة رحبعام زئيفي لشن حملة اعلامية واسعة جند لها كبار المعلقين في صحف واسعة الانتشار مثل نيويورك تايمز و واشنطن بوست و هيرالدتريبيون . وسلطت هذه الحملة الضوء علي نقض المقترحات التي تشير الي ارهاب العرب والمسلمين كنتيجة طبيعية لظلم الارهاب الاسرائيلي. وبما ان الرئيس المصري حسني مبارك قال ان ثمانين في المئة من اعمال الارهاب ترتبط بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فقد ركز اللوبي اليهودي هجومه علي دحض هذا المنطق معتبراً ان الزعماء العرب يتهربون من مواجهة الحقائق باختلاق حقائق لا علاقة لها بالنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي. وعرض المعلقون في سياق حملتهم بعض الاحداث البارزة كقرائن مناقضة لتفسير الاعلام العربي. وتساءل زئيف شيف في هآرتس عن محاولة اغتيال الرئيس مبارك عام 1995 علي أيدي اصوليين ينتمون الي اسامة بن لادن. كما استبعد عنصر النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي من المذبحة التي نفذها أصوليون عام 1996 في الأقصر عندما قتلوا 58 سائحاً يابانياً وسويسرياً.
الحجة الثانية التي طرحها المدافعون عن وجهة نظر اسرائيل تقول إن كراهية بن لادن و طالبان لقيم العالم الحر هي التي ولدت التعصب والحقد ضد أنظمة تعطي المرأة حقوقها الطبيعية في المساواة والكرامة الانسانية. ويري هؤلاء ان الدول الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، ساهمت في تغذية انظمة الظلام التي انتجت هذه المظاهر الاجتماعية المتخلفة. واتهمت صحيفة يديعوت احرونوت الانظمة العربية بخلق رواسب عميقة من الكراهية والمرارة، لم تلبث ان تفجرت عنفاً ضد الولايات المتحدة باعتبارها الدولة المساندة. لذلك ركزت الصحيفة في تحريضها علي اميركا لكونها ساعدت هذه الانظمة علي البقاء.
إضافة الي حملة تشويه الحقائق التي تربط ظاهرة العنف بالارهاب الاسرائيلي، قام اصدقاء الدولة العبرية في الكونغرس بتحريض الادارة الاميركية علي ضرب العراق. والسبب ان ريتشارد باتلر، رئيس مراقبي الامم المتحدة سابقاً، ادعي بأن النظام العراقي قد يكون زوّد ارهابيين بالجمرة الخبيثة (انثراكس) بهدف ارباك المجتمع الغربي. ومع ان باتلر لا يملك أدلة واقعية علي اتهاماته، إلا انه ادعي بأن بغداد كانت علي صلة وثيقة بتنظيم القاعدة في السودان. وتلقفت اسرائيل هذه الاشاعة لتنشر أخباراً مفادها ان محمد عطا اجتمع مرتين العام الماضي في براغ بعميل الاستخبارات العراقية أحمد سمير. وتزعم واشنطن ان العميل العراقي سلم محمد عطا رزمة لم يعرف محتواها. وحدث بعد فترة وجيزة ان أمرت الحكومة التشيخية بطرد العميل العراقي بحجة ان نشاطاته تتعدي مهمته الديبلوماسية.
الإدارة الاميركية حريصة علي حصر معركتها بأفغانستان ولو أنها تلوح بين فترة واخري بأن حرب الانتقام ستشمل كل الدول الراعية للارهاب. وانسجاماً مع هذا الخط السياسي، ارسل الرئيس جورج بوش مندوبه في الامم المتحدة جون نجرو بونتي للاجتماع بسفير العراق محمد الدوري، وابلاغه رسالة فيها الكثير من الفجاجة والقليل من الديبلوماسية. تقول الرسالة انه ينبغي ألا يحاول العراق الاستفادة من انشغال اميركا في افغانستان لكي يستخدم القوة ضد جيرانه، محذراً من أن مثل هذا التصرف، إذا حدث، سيعاقب بقسوة!
واستغربت بغداد لهجة التهديد التي صيغت بها الرسالة، علماً بأنها كانت المرة الأولي التي تجري فيها واشنطن اتصالاً مباشراً معها. وبعد مرور يوم واحد نشرت الحكومة العراقية نص الجواب الذي سلمه مندوبها وجاء فيه: لم نجد في رسالة التهديد ما يستوجبها سوي الموقف الساذج والسخيف والمتغطرس .
وربما تعكس هذه الملاسنة الديبلوماسية عمق الخلاف المستفحل بين وزير الخارجية كولن باول ووكيل وزارة الدفاع بول وولفويتز الذي أوصي بضرورة ضرب العراق. ويبدو ان ديك تشيني، نائب الرئيس أيد باول في موقفه المتحفظ لأن توسيع دائرة الخصام مع العالم الاسلامي سيزيد من حجم المعارضة الشعبية للحرب ضد افغانستان، خصوصاً وان الولايات المتحدة لا تملك أي دليل يثبت تورط العراق مع بن لادن. وهذا ما اكده وزير خارجية بريطانيا جاك سترو عندما قال إن بلاده لا تملك أدلة تثبت ضلوع العراق في اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر)، وانها لا تعتزم تنفيذ أي هجوم علي أي بلد آخر غير افغانستان. ويبدو ان وكيل وزارة الدفاع الأميركي لم ييأس بدليل انه طلب من جيمس وولسي، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية سابقاً، بأن يفتش له عن قرائن تدين صدام حسين وتبرر ضرب العراق.
وحذر رئيس وزراء تركيا بولند أجاويد من مضاعفات اتساع العمليات العسكرية في افغانستان لتشمل العراق، وقال ان أي عمل عسكري ضد العراق سيقود الي اضعاف التحالف الدولي وتقوية المعارضة الاسلامية. ويتخوف المراقبون من استغلال اسامة بن لادن هذه الثغرة السياسية التي تربك الولايات المتحدة في حال وسعت ساحة الحرب لتشمل العراق. وهذا ما يتوخاه وزير خارجية اسرائيل شمعون بيريز الذي حرض الرئيس جورج بوش علي توسيع حلقة الانتقام لتشمل حزب الله في لبنان. ومثل هذا المنطق السياسي يصب في خانة المنطق العسكري الذي يشهره شارون لتبرير اعادة احتلال المدن المركزية في مناطق السلطة الفلسطينية. ومن المؤكد ان هذا الاحتلال يضعف سيطرة ياسر عرفات، ويعزز قوة الحركات المتطرفة مثل حماس و الجهاد الاسلامي و الجبهة الشعبية . (عن "الحياة" اللندنية)
ويبدو ان هذه الصدمة العميقة أثرت علي مختلف سجايا شخصيته الهادئة، فإذا به يتحول الي انسان شرس الطباع يستخدم ألفاظاً بذيئة اثناء مخاطبة الضباط، ويتعمد ركل الباب بحذائه كلما دخل أو خرج من مكتبه. والسبب ان الاجهزة العسكرية المسؤولة عن القرارات الحاسمة خيبت أمله بإضاعتها فرصة القضاء علي زعيم طالبان الملا محمد عمر.
تقول المعلومات ان طائرة استكشاف اميركية من طراز بريدوتر (المفترس) أرسلتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) في مهمة استطلاع للطرق المؤدية الي كابول. وتمتاز هذه الطائرة المجهزة برادار مصور بنظام الأشعة تحت الحمراء، وبكاميرات تلفزيونية قادرة علي بث صور الي جميع المحطات الأرضية المرتبطة بمراكز الـ سي اي ايه . وهي تعمل بتوجيه التحكم الالكتروني لأنها تطير من دون طيار.
عند حلول الظلام رصدت طائرة الاستطلاع زعيم طالبان الملا محمد عمر وهو يغادر كابول علي رأس موكب ضخم من العربات المصفحة. ومرت فترة طويلة من دون ان تتمكن مراكز الوكالة من إصدار الأوامر للطائرة بتوجيه صواريخها نحو الموكب بحجة انها ليست مفوضة باتخاذ قرار علي هذا المستوي من الخطورة. كذلك ارتبكت قيادة الاسطول الخامس المرابط قبالة البحرين، فجيّرت المسؤولية الي القيادة المركزية (سانتكوم) في قاعدة ماكديل للقوات الجوية في فلوريدا.
في هذه الأثناء واصلت طائرة بريدوتر تعقبها للموكب الي حين وصوله الي مخبأ قصي حيث حل الملا محمد عمر مع حرسه الخاص. وفي تلك الساعة أصدر قائد سانتكوم الجنرال تومي فرانكس أمراً يقضي بعدم اطلاق الصواريخ، مبرراً ذلك بتوصية الضابط القانوني. وبدلاً من ان تؤمر قاذفات القنابل بالتوجه نحو المخبأ لتدميره، كما توقع الوزير رامسفيلد، أُعطيت الإرشادات الي الطائرة بإطلاق صاروخ واحد أمام المكان المستهدف. وفسر الجنرال فرانكس إحجامه بالقول انه يريد التأكد من وجود الملا عمر قبل ارتكاب مجزرة قد يذهب ضحيتها أبرياء. وانطلق الصاروخ ليدمر عدة سيارات تابعة للموكب. ومرت فترة طويلة قبل ان يخرج الملا عمر من المكان الذي لجأ اليه، ويكمل طريقه الي جهة مجهولة. عندئذ فقط تحمست القيادة لإرسال طائرة أف - 18 قامت بتدمير المبني الفارغ بعد مغادرة الشخص الأول المستهدف من الحملة العسكرية.
الإدارة الاميركية عقدت سلسلة اجتماعات لمراجعة الخطوات العملية التي قادت الي قرار التخاذل المشين. واستخدم وزير الدفاع لغة سوقية مع كبار الجنرالات الذين تذرعوا بتطبيق دعوة الرئيس بوش بالحرص علي سلامة المدنيين. ورأي رامسفيلد في هذا القصور تجديداً للروح البيروقراطية الآسنة التي لعبت دوراً اساسياً في خسارة حرب فيتنام. في حين يعتقد السياسيون ان وكالة الاستخبارات المركزية اختارت الحل الذي يضمن فكرة إطالة أمد الحرب. ذلك ان مقتل الملا محمد عمر كان سيقود الي تشرذم فصائل طالبان ، واستسلام افرادها الذين يعتبرون زعيمهم المرشد الروحي والبطل الذي لا يُقهر.
ولعل هذه الواقعة الفريدة من نوعها تعكس صورة التيارات المتعارضة التي تتنازع القرار الرسمي في الولايات المتحدة. كما تعكس بالتالي موقف الجنرالات الذين يميلون الي تغليب عنصر الوقت بهدف لعب دور حاسم في مستقبل افغانستان، مقابل قيادة سياسية تريد تهدئة الشارع عن طريق الانتقام من رموز ناطقة الدلالة مثل الملا محمد عمر واسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
علي هامش هذه الحرب ظهرت القضية الفلسطينية كضحية لخلاف اميركي - اسرائيلي حول تفسير الدوافع العميقة لمشاعر الكراهية التي أظهرتها شعوب المنطقة نحو سياسة الولايات المتحدة، وحاول الرئيس جورج بوش اظهار تحول تكتيكي نحو هذه الأزمة التاريخية بهدف اشعار الدول العربية والاسلامية بأن هجمات 11 ايلول (سبتمبر) قد بدلت ايضاً اسلوب التعاطي مع مشكلة الشرق الأوسط، لذلك طلب من شارون ضرورة الالتزام بخط التهدئة الذي دعا اليه ياسر عرفات علي أمل تثبيت وقف النار واستئناف مفاوضات السلام. وبدلاً من ان يتجاوب رئيس وزراء اسرائيل مع هذا المطلب استغل انشغال العالم بحرب افغانستان لكي يزيد من ممارسات العنف ضد الشعب الفلسطيني. وحجته انه من الخطأ ربط مشاعر الكراهية لأميركا بدورها المنحاز لاسرائيل، وان بلاده تعاني هي ايضاً من الارهاب الاسلامي.
في رده علي هذا الطرح حاول ياسر عرفات التعاطف مع الاميركيين من خلال عرض مأساة شعبه، واظهارها كسلسلة متواصلة من العنف الذي خبرت بعضه الولايات المتحدة. وتوقع من ادارة بوش مزيداً من التفهم لواقع العدوان الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ نصف قرن. والثابت ان عملية الانتقام لاغتيال أبو علي مصطفي أعطت شارون حجة اضافية لنسف وعوده العرقوبية ومواصلة احتلال قري الضفة الغربية.
استغل اللوبي اليهودي مقتل وزير السياحة رحبعام زئيفي لشن حملة اعلامية واسعة جند لها كبار المعلقين في صحف واسعة الانتشار مثل نيويورك تايمز و واشنطن بوست و هيرالدتريبيون . وسلطت هذه الحملة الضوء علي نقض المقترحات التي تشير الي ارهاب العرب والمسلمين كنتيجة طبيعية لظلم الارهاب الاسرائيلي. وبما ان الرئيس المصري حسني مبارك قال ان ثمانين في المئة من اعمال الارهاب ترتبط بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فقد ركز اللوبي اليهودي هجومه علي دحض هذا المنطق معتبراً ان الزعماء العرب يتهربون من مواجهة الحقائق باختلاق حقائق لا علاقة لها بالنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي. وعرض المعلقون في سياق حملتهم بعض الاحداث البارزة كقرائن مناقضة لتفسير الاعلام العربي. وتساءل زئيف شيف في هآرتس عن محاولة اغتيال الرئيس مبارك عام 1995 علي أيدي اصوليين ينتمون الي اسامة بن لادن. كما استبعد عنصر النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي من المذبحة التي نفذها أصوليون عام 1996 في الأقصر عندما قتلوا 58 سائحاً يابانياً وسويسرياً.
الحجة الثانية التي طرحها المدافعون عن وجهة نظر اسرائيل تقول إن كراهية بن لادن و طالبان لقيم العالم الحر هي التي ولدت التعصب والحقد ضد أنظمة تعطي المرأة حقوقها الطبيعية في المساواة والكرامة الانسانية. ويري هؤلاء ان الدول الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، ساهمت في تغذية انظمة الظلام التي انتجت هذه المظاهر الاجتماعية المتخلفة. واتهمت صحيفة يديعوت احرونوت الانظمة العربية بخلق رواسب عميقة من الكراهية والمرارة، لم تلبث ان تفجرت عنفاً ضد الولايات المتحدة باعتبارها الدولة المساندة. لذلك ركزت الصحيفة في تحريضها علي اميركا لكونها ساعدت هذه الانظمة علي البقاء.
إضافة الي حملة تشويه الحقائق التي تربط ظاهرة العنف بالارهاب الاسرائيلي، قام اصدقاء الدولة العبرية في الكونغرس بتحريض الادارة الاميركية علي ضرب العراق. والسبب ان ريتشارد باتلر، رئيس مراقبي الامم المتحدة سابقاً، ادعي بأن النظام العراقي قد يكون زوّد ارهابيين بالجمرة الخبيثة (انثراكس) بهدف ارباك المجتمع الغربي. ومع ان باتلر لا يملك أدلة واقعية علي اتهاماته، إلا انه ادعي بأن بغداد كانت علي صلة وثيقة بتنظيم القاعدة في السودان. وتلقفت اسرائيل هذه الاشاعة لتنشر أخباراً مفادها ان محمد عطا اجتمع مرتين العام الماضي في براغ بعميل الاستخبارات العراقية أحمد سمير. وتزعم واشنطن ان العميل العراقي سلم محمد عطا رزمة لم يعرف محتواها. وحدث بعد فترة وجيزة ان أمرت الحكومة التشيخية بطرد العميل العراقي بحجة ان نشاطاته تتعدي مهمته الديبلوماسية.
الإدارة الاميركية حريصة علي حصر معركتها بأفغانستان ولو أنها تلوح بين فترة واخري بأن حرب الانتقام ستشمل كل الدول الراعية للارهاب. وانسجاماً مع هذا الخط السياسي، ارسل الرئيس جورج بوش مندوبه في الامم المتحدة جون نجرو بونتي للاجتماع بسفير العراق محمد الدوري، وابلاغه رسالة فيها الكثير من الفجاجة والقليل من الديبلوماسية. تقول الرسالة انه ينبغي ألا يحاول العراق الاستفادة من انشغال اميركا في افغانستان لكي يستخدم القوة ضد جيرانه، محذراً من أن مثل هذا التصرف، إذا حدث، سيعاقب بقسوة!
واستغربت بغداد لهجة التهديد التي صيغت بها الرسالة، علماً بأنها كانت المرة الأولي التي تجري فيها واشنطن اتصالاً مباشراً معها. وبعد مرور يوم واحد نشرت الحكومة العراقية نص الجواب الذي سلمه مندوبها وجاء فيه: لم نجد في رسالة التهديد ما يستوجبها سوي الموقف الساذج والسخيف والمتغطرس .
وربما تعكس هذه الملاسنة الديبلوماسية عمق الخلاف المستفحل بين وزير الخارجية كولن باول ووكيل وزارة الدفاع بول وولفويتز الذي أوصي بضرورة ضرب العراق. ويبدو ان ديك تشيني، نائب الرئيس أيد باول في موقفه المتحفظ لأن توسيع دائرة الخصام مع العالم الاسلامي سيزيد من حجم المعارضة الشعبية للحرب ضد افغانستان، خصوصاً وان الولايات المتحدة لا تملك أي دليل يثبت تورط العراق مع بن لادن. وهذا ما اكده وزير خارجية بريطانيا جاك سترو عندما قال إن بلاده لا تملك أدلة تثبت ضلوع العراق في اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر)، وانها لا تعتزم تنفيذ أي هجوم علي أي بلد آخر غير افغانستان. ويبدو ان وكيل وزارة الدفاع الأميركي لم ييأس بدليل انه طلب من جيمس وولسي، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية سابقاً، بأن يفتش له عن قرائن تدين صدام حسين وتبرر ضرب العراق.
وحذر رئيس وزراء تركيا بولند أجاويد من مضاعفات اتساع العمليات العسكرية في افغانستان لتشمل العراق، وقال ان أي عمل عسكري ضد العراق سيقود الي اضعاف التحالف الدولي وتقوية المعارضة الاسلامية. ويتخوف المراقبون من استغلال اسامة بن لادن هذه الثغرة السياسية التي تربك الولايات المتحدة في حال وسعت ساحة الحرب لتشمل العراق. وهذا ما يتوخاه وزير خارجية اسرائيل شمعون بيريز الذي حرض الرئيس جورج بوش علي توسيع حلقة الانتقام لتشمل حزب الله في لبنان. ومثل هذا المنطق السياسي يصب في خانة المنطق العسكري الذي يشهره شارون لتبرير اعادة احتلال المدن المركزية في مناطق السلطة الفلسطينية. ومن المؤكد ان هذا الاحتلال يضعف سيطرة ياسر عرفات، ويعزز قوة الحركات المتطرفة مثل حماس و الجهاد الاسلامي و الجبهة الشعبية . (عن "الحياة" اللندنية)
كاتب وصحافي لبناني
&
التعليقات