&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& سلمان مصالحة&

كثيراً ما يدور الحديث عن اتسام الرأي العام الغربي بالجهل في أفضل الاحوال، وبالعدائية في أسوئها، تجاه القضايا العربية، وقضية فلسطين علي وجه الخصوص. وكثيرا ما يقال ان أذرع الصهيونية الطويلة قد طالت كل مراكز القوي الاعلامية الغربية حتي بات من العسير اختراقها أو تحويل وجهتها العدائية.
كثيراً أيضاً ما يشاع أن النظرة الغربية الي العالم العربي نظرة نمطية، لا تري الأطياف المختلفة في هذه الرقعة الواسعة من الأرض. وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن الي حد ما. أما إذا توخينا الصراحة مع أنفسنا، فما علينا إلا أن نثير سؤالاً آخر وهو، هل هنالك مسؤولون آخرون عن هذا الوضع؟ نستطيع الاستمرار في تحميل الصهيونية العالمية والامبريالية وزر هذا التسطيح للعرب، كما نستطيع أن نركن الي طمأنينة التذمر من هذا الوضع في الفضائيات العربية، ومحاولة إقناع أنفسنا بما هو ليس منا.
أولئك الذين يتذمرون من النظرة النمطية للعرب في وسائل الاعلام الغربية هم هم الذين لم يفلحوا بعد في تخطي النظرة النمطية للغرب ذاته الذي يتهمونه بذات التهمة. فما عدا قلة قليلة من رجال الفكر والاعلام العرب، فإن السواد الأعظم منهم يرون العالم الغربي من خلال منظار أحادي الأبعاد. وما هذه الشواذ إلا اشارة الي القاعدة التي تحكمت بتلابيب الاعلام العربي سنوات طويلة.
هنالك حقيقة لا بد من الاشارة اليها، وهي أن العالم العربي لا يولي اهتماماً يذكر للرأي العام. والسبب أن العالم العربي لا يعترف أصلاً برأي عام. فهل يوجد رأي عام في هذا العالم العربي، غير ذلك الذي يأتي عبر وسائل الاعلام الرسمية؟ ثم أليست وسائل الاعلام في العالم العربي أجمعين وسائل إعلام رسمية حكومية، أو شبه رسمية؟ ولا فرق بين الاثنتين عربياً إلا في ما ندر. ولانعدام وجود رأي عام عربي قد يأتلف وقد يختلف علانية أمام عيون الناس وعلي مسامعهم في تصوراته تجاه القضايا المطروحة، فكيف يمكن إقناع الآخرين بأننا لسنا كلاً مختزلاً في رأي واحد، هو علي العموم رأي السلطة، أو ما تسمح بنشره هذه السلطة علناً لأهداف هي أبعد ما تكون عن الرأي العام الحقيقي؟
فإذا أخذنا نموذجاً غربياً للرأي العام، كبريطانيا علي سبيل المثال لا الحصر، فهناك قد تثار في وسائل الاعلام بعامة، رسمية وغير رسمية، قضايا مثل: هل يجدر الاستمرار في النظام الملكي، أو هل يجدر الإبقاء علي صلاحيات الملكة كما هي، وما الي ذلك من مسائل تهم البشر في المملكة المتحدة. قد تظهر كل هذه القضايا في الصحافة ووسائل الاعلام من دون أن تقع خشبة من السماء كما يقال. فكروا قليلا، ماذا كان سيحدث عندنا لو أن قضايا من هذا النوع أثيرت في وسائل إعلام عربية، في هذا البلد أو ذاك، في العالم العربي. وهل بالامكان أصلاً إثارة مثل هذه القضايا؟ وإذا تجاوزنا الأنظمة الملكية، الي أنظمة يطلق عليها مصطلح جمهورية، مع أنه لا فرق بين النظامين في العالم العربي، وعلي وجه الخصوص بعد هذه البدعة السياسية العربية، كما حدث في سورية من توريث. فهل يمكن طرح أسئلة علانية بشأن هذه الجمهوريات في وسائل اعلامها، وهل يمكن طرح اسئلة علانية عن استمرار هذه الرئاسات الجمهورية في كل البلدان العربية عشرات السنين من دون تبديلها حتي بشخص آخر؟ فإذا لم تكن هذه القضايا هي جوهر الرأي العام، وهي ما يهم المواطن العربي، فما هو الرأي العام إذن؟ هل هو تعليق كل المآسي العربية علي شماعة الغرب واسرائيل، وهو الرأي - العظمة - التي تسمح كل هذه الأنظمة للكتّاب بالتلهي بها شرط الابتعاد عن ثوابت الأمة ، و مسلمات المجتمع ، و القضايا المصيرية ، وما الي ذلك من تعابير واصطلاحات رنانة كل هدفها الإبقاء علي هذه الأنظمة جاثمة علي صدور العباد، بالرغم من كل المآسي التي جلبتها هذه علي شعوبها، من دون أن تكون أمام الناس أي فرصة لمحاسبتها، ولو جماهيرياً في وسائل الاعلام علي الأقل.
وهكذا، والحال هذه، فقد تحول الرأي العام العربي الي مكان آخر. هذا المكان هو ساحات المساجد، اذ أن المساجد هي المكان الوحيد الذي يشعر الحكام العرب، وكتّابهم المرتزقون، بعقدة نقص ازاءها.
وهكذا، وبعد كل هذه المسيرة في العقود الأخيرة، يظهر العرب أمام العالم في صورتين، إما رسمية تهلل لأنظمة هي أبعد ما تكون عن الانفتاح والليبرالية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان وما الي ذلك من قيم تنشدهاالشعوب المتحضرة، واما تلك الصورة التي تظهر من خلال ساحات المساجد وما تبثه من عنف كلامي، وغير كلامي، تجاه كل ما تمثله الحضارة العصرية. هذا هو أساس تلك النظرة النمطية تجاه العرب في وسائل الاعلام الغربية، وغير الغربية أيضاً، وما علي الكتّاب العرب إلا أن ينظروا الي أنفسهم في المرآة أولا، قبل كيل الاتهامات في كل اتجاه.
هنالك سبيل للخروج من هذا المأزق، وهو سبيل ليس سهلاً علي كل حال. لكن، آن الأوان الي رسم معالمه أمام الناس جهراً. علي كل أولئك الذين يتذمرون من هذه الحال التي آلت اليها صورة العرب، ان يشمروا هم عن سواعدهم ابتغاء تحطيم هذه الصورة النمطية التي صارت سمتنا. وعلي كل واحد فينا أن يبدأ ببيته، بلده، أولا، وعلي قدر استطاعته. وإن لم يحدث ذلك، فلن يتغير شيء، لا في العالم العربي، ولا صورة العرب في الغرب، وسيبقي العرب منشغلين في إقناع أنفسهم بأنهم ضحية، وسيقضون نحبهم في الانتحاب علي أمجاد تليدة أكل الدهر عليها. (عن "الحياة" اللندنية)
&