&
طارق السعدي - ايلاف : لم يسبق لمحمد الروضي مدير سجن مغربي سابق ان رأى في سجون بلاده لا الخير الوافر ولا الشر المطلق مقارنة بسجون ومعتقلات العالم الثالثي على وجه الخصوص. وانما كان همه الوحيد الرفع من معدل الآدمية داخل الزنازن، بل فتح نوافذها على العالم من خلال شبكة الانترنت.
عملته المركزية هي "ضرورة جعل الاعتقال في صلب هموم المجتمع، فهو ليس مشكل الدولة فقط، انه مشكل الجميع". وبعد تفكير طويل في سيرته المهنية والانسانية واصل محمد الروضي رسالته الاخلاقية في الدفاع عن وضعية السجناء لكن هذه المرة من خلال موقع على شبكة الانترنت صممه بوسائله الخاصة وبمساعدة احد أبنائه واصدر من خلاله بيانا لجمع الكتب لصالح المسجونين المغاربة تحت شعار:&(كتاب لكل سجين).
اذ يعتبر محمد القراءة احد ابرز الحقوق الدنيا التي ستساهم مباشرة في اعادة تاهيل وادماج السجين في مجتمعه بعد انتهاء مدة عقوبته.
ويحاول الروضي بالاضافة لذلك تحويل موقعه على شبكة الانترنت الى بوابة لرصد ومتابعة جديد عالم السجن بالقارة الافريقية بأكملها وكذا وضع الموقع رهن اشارة كل من لديه افكار عملية او توثيقية لصالح تحسيين ظروف المعتقلين. وتعتير هذه& البادرة الاولى من نوعها في العالم العربي على شبكة الانترنت.
ولد محمد الروضي في 16 اكتوبر من عام 1947 بمدينة سلا المغربية حيث بقي بها حتى سنة 1956 للانتقال فيما بعدالى مدينة مراكش الجنوبية.
وقد تربى محمد في بيئة عائلية مسيسة بالوان ايديولوجية مختلفة مما جعله في النهاية يتمتع بروح تسامح عالية مكنته من ولوج معتركات الحياة باختلاف تموجاتها.
التحق محمد بادارة السجون عام 1996 وتسلق سلاليمها بسرعة ليصير في اقل من سنتين أصغر مدير للسجن بالمغرب.
ولكونه يتمتع بحس ليبرالي عميق فقد صدمته وضعية السجون بالبلاد فحاول استغلال منصبه للاصلاح من الاوضاع المزرية للمعتقلين خاصة بعد توصله باول دفعة من معتقلي الرأي بسجن آسفي فقضى رفقة طبيب السجن اكثر من اربعة اشهر لاسترجاع المعتقلين لشكلهم الآدمي.
يقول محمد الروضي ل"ايلاف": "لم أكن موافقا على الطريقة التي تدار بها المؤسسات العقابية المغربية، لكن وجودي داخل المؤسسة و واجب الانضباط لم يكن يسمح لي بالتعبير عن رأيي خارج الإطار الإداري. وهكذا،& كنت أرفع التقرير تلو التقرير إلى السلطة الإدارية حول ما يجب تغييره كما كنت أستغل الاجتماعات السنوية لطرح المشاكل التي أعتبرها حيوية".
ظل محمد الروضي رغم عراقيل عديدة يحاول بث شعاع من الانسانية داخل السجن الذي يديره وبدأ في تطبيق المبادئ الاولى للبشرية، يقول الروضي : "لم أستعمل يوما رقم سجين للنداء عليه كما ألغيت في المؤسسات التي أشرفت عليها تحقير النزلاء أو ضربهم أو إهانتهم سواء بما اقترفوه أو بالأسماء القدحية التي كان الحراس معتادين علي استعمالها. و الغريب في الأمر، أن الحراس الأميين من قدماء المقاومين كانوا أقرب إلى الاستجابة من سواهم".
أما على مستوى الادارة فيبدو ان افكاره وتطبيقاته لم تكن بالمرحب بها، يقول في هذا الاطار: "كنت أحس أنني إنما أغرد خارج السرب، و لم تكن اقتراحاتي لتلقى كبير اهتمام بل جرت علي الكثير من المشاكل مع المفتش العام الذي لم يكن ليستسيغها خصوصا و أن سني كان وقتها لا يتجاوز الرابعة و العشرين".
اضافة الى عدم الجدية التي لمسها من بعض المسؤولين في ادارته للدفع قدما باصلاح المؤسسة العقابية فعلى سبيل المثال يحكي الروضي كيف تم التلاعب بمصير تكوينه خارج المغرب: "خصصت لي منظمة الأمم المتحدة ( المجلس الاقتصادي و الاجتماعي) منحة للسفر بقصدالتكوين إلى إنكلترا، ولكن الغلاف المالي المخصص لهذا التكوين تم صرفه على زيارة للأطر العليا المسيرة إلى بريطانيا سنة 1972 كانت أقرب إلى الزيارة السياحية منها إلى أي شيء آخر".
"و كانت هذه أولى التراكمات، يتابع الروضي، التي ستدفعني فيالنهاية إلى مغادرة إدارة السجون. و كان& توصلي بفوج آسفي من سجناء الرأي القشة التي قصمت ظهر البعير و جعلتني أبحث عن نفسي خارج هذه الوظيفة مع كل ما كانت تحمله من وعود".
و لاقتناعه بعدم القدرة على تغيير واقع السجون من الداخل، فقد اعتذر سنة 1997 عندما عرض عليه بعض الأصدقاء فكرة تولي مسؤولية& مديرية السجون.
..."بعد أن غادرت إدارة السجون، لم أتوقف عن العمل في العمق من أجل تغيير واقع السجون المغربية دون إثارة أو ضجيج. و كنت أستعمل الأبحاث الجامعية كوسيلة ناجعة و سليمة لتبليغ ما أريد تبليغه إلى الدوائر العليا. و هكذا كتبت تحت إشراف الدكتور علي السدجاري بحثا حول النظام العقابي بالمغرب سنة 1980. وقد بلغني فيما بعد أنه قد لقي استحسانا من المسؤولين على وزارة العدل الذين وجدوا فيه معلومات لم يكونوا يتوصلون بها عن طريق التقارير".
.."في سنة 1986، وبعد الانفتاح النسبي الذي كانت ملامحه قد بدأت تبدو في الأفق، كانت مناسبة التحاقي بالسلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة فرصة جديدة لإنجاز بحث يكون أكثر جرأة و تفصيلا، يذهب أكثر إلى عمق الأشياء، و كان من بين المشجعين لهذه البادرة الأساتذة آلان كليس و علي السد جاري و محمد بنيحيى الذي أشرف عليه. و لا يفوتني هنا أن أحيي بعض تلامذتي من موظفي الإدارة المركزية للسجون الذين أمدوني ببعض الإحصائيات المتعلقة بسجناء الرأي التي كانت تعتبر سرية، و التي صدرت لهم أوامر صارمة بعدم تمكيني منها".
" وفي أوج البحث، فوجئت بموظف يخبرني بأن السيد المدير العام قد أمر بوقف التعاون معي بذريعة أنني قد توصلت بالمعلومات الضرورية لإنجاز البحث و كان ذلك في شهر مارس1987 ، غير أن البذور التي كنت قد زرعتها أيام مساهمتي في دروس التكوين كانت قد أينعت و بقيت أتوصل بالمعلومات التي كنت في حاجة اليها".
" لقد أودعت 75 نسخة من البحث لدى خزانة المدرسة الإدارية و نفذت كلها في ظرف ثلاثة أشهر، و أخبرني أحد الأساتذة في جامعة محمد الخامس أن أخبار البحث قد وصلت إلى الدوائر العليا التي طلبت تقريرا بشأنه و ثمنت الطريقة التي تعامل بها الباحث مع هذا المشكل".
و باستثناء مقالتين صحفيتين صدرت الأولى في فاتح ابريل 1988 على صفحات جريدة الرأي و فاتح ماي 1988 على صفحات الاتحاد الاشتراكي فان البحث لم يحظ باهتمام الصحافة الوطنية عكس إذاعة فرنسا الدولية التي أفردت له قراءة لمدة 45 دقيقة.
"لقد تغيرت أشياء كثيرة بفعل نضال الجمعيات و استماتة& بعض الأشخاص الذين يفضلون العمل في الظل و في صمت، و لكن لا زال الكثير مما يتوجب عمله، و علينا جميعا أن نعمل، كل منا حسب قدرته على تحسين ظروف الاعتقال في المغرب".
"و سيتبنى الموقع الذي يطمع في تظافر كل الجهود من ذوي النيات الحسنة، حملات محدودة لتحسين ظروف المعتقلين متمنيا أن يجد الاستجابة من طرفالادارة".
"في الختام، علينا أن نجعل الاعتقال في صلب هموم المجتمع، فهو ليس مشكل الدولة فقط، انه مشكلنا جميعا".