في ضوء تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي، شهد الوضع الاقتصادي في الاردن تحسناً نسبياً في الشهور التسعة الاولي من العام الماضي، اي قبل اندلاع الانتفاضة في ايلول (سبتمبر) 2000، وكذلك في الشهور التسعة الاولي من العام الحالي، اي قبل تفجيرات نيويورك وواشنطن في ايلول 2001.
ففي العام الماضي، كان قطاع السياحة والخدمات المحرك الاول للإقتصاد الذي كان بدأ يتعافي، الي ان اندلعت الانتفاضة لتوجه ضربة شلت الحركة السياحية وخلقت اجواء من التوتر الاقليمي الذي ألقي بظلاله ايضاً علي الاستثمارات المحلية والخارجية. اما في العام الحالي، وفيما كان قطاع السياحة يستعيد بعضاً من عافيته، والصادرات تسجل نمواً ملحوظاً، جاءت تفجيرات نيويورك وواشنطن، فضربت مجدداً القطاع الذي اجتذب الجزء الاكبر من الاستثمارات خلال الاعوام الاخيرة. وليس هناك من شك بأن احداث الأيلولين ، واحدهما اسرائيلي والآخر اميركي، ساهمت في تأخير انطلاقة الاقتصاد الاردني التي كان وعد الملك عبدالله الثاني بأن تأتي ثمارها خلال العام الحالي. إلا ان تلك الاحداث لم تكن وحدها المعوق للإنطلاقة المنتظرة. فعبء الدين الخارجي ظل المعوق الاكبر لإنتعاش الاقتصاد الاردني منذ اواسط الثمانينات، من دون ان تتمكن المملكة من تحقيق تقدم حقيقي خلال الفترة الماضية علي صعيد خفض الدين الخارجي. ولم تسفر زيارة رئيس الوزراء علي ابو الراغب الاخيرة الي طوكيو عن اي نتائج ملموسة لخفض الدين الياباني الذي يعادل ربع الدين الخارجي البالغ نحو 7 بلايين دولار.
كما رفضت دول مثل فرنسا - وهي ثاني اكبر الدول الدائنة - خفض الديون، مستعيضة عن ذلك بإستبدال جزء من هذه الديون بإستثمارات في الاردن. والي جانب العبء الثقيل للدين الخارجي، تسبب تراجع المؤشر الديموقراطي في الاردن، بعد حل البرلمان وتأجيل الانتخابات، الي جانب اصدار سلسلة قوانين موقتة قبل احداث ايلول الماضي وبعدها، في خلق اجواء ازمة لم تساعد علي اجتذاب كثير من الاستثمارات التي تحتاجها المملكة في مختلف القطاعات. ولعله من البديهي القول إن تعطيل الحياة السياسية بهذا الشكل، وبغض النظر عن اسبابه، لا يعزز الشعور بالثقة التي هي اساس نمو الاقتصاد في اية دولة في العالم.
قبل ايام اقر الملك عبدالله خطة حكومية لإنفاق 300 مليون دينار (450 مليون دولار)، من خارج الموازنة العامة، علي برنامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير البني التحتية وتنمية الكفاءات. ويتوقع لهذا البرنامج، الذي سيجري تمويله من عوائد التخاصية والمساعدات الخارجية، ان يساعد علي تحريك الاقتصاد خلال العام المقبل. إلا ان هذا البرنامج، رغم أهميته، لن يكون كافياً لتحقيق الانطلاقة المؤمل بها من دون ايجاد حل جذري لمشكلة الديون والبدء بإصلاح سياسي يعزز ثقة الاردنيين بأنفسهم قبل ان يعزز ثقة العالم والمستثمرين الدوليين. ويحتاج الاردن في هذا الإطار الي دعم دولي فاعل كي يتمكن من ترتيب بيته الداخلي سياسيا واقتصاديا، والاستمرار في لعب دوره الحيوي في المنطقة، سواء علي صعيد دفع التسوية السلمية او مكافحة الارهاب الدولي. فغياب هذا الدعم قد يدفع المملكة الي إنفاق الجزء الاكبر من عوائد التخاصية، وربما استنفاذ جزء كبير من احتياطه من العملات الاجنبية الذي يشكل ركيزة استقرار سعر صرف الدينار. إذ يفترض في الاردن، في حال حصوله علي مساعدات خارجية اضافية، ان يزيد مخزونه الاحتياطي من العملات الاجنبية لا ان يستنفذه، تحسباً لاحتمال وقف المنح النفطية العراقية التي لا يمكن التعامل معها علي انها ابدية، خصوصاً في ضوء التقلبات التي تشهدها الساحتان الاقليمية والدولية.
ولعل من المفيد للولايات المتحدة ودول مثل اليابان وفرنسا ان تتفهم بأن الاردن - في حال تركه وحيداً للتعامل مع ازمات اقليمية فرضتها واشنطن وتل ابيب - لن يتمكن من الاستمرار الي ما لا نهاية في لعب دور الاعتدال في مواجهة التطرف، والمنطق في مواجهة الجنون. فالفقر، مثل الارهاب، لا يعرف الاعتدال او المنطق.(الحياة اللندنية)