بوسع الاميركيين ان يقولوا انهم فقدوا ما يكفي من تفجير البرجين والبنتاغون. خمسة آلاف مدفوعة سلفا وما فقده الجميع في افغانستان لم يتجاوز هذا العدد. لكنها لم تكن على حد ما ذكر حكام الولايات المتحدة، حملة قتل لنقول انها واحدة بواحدة. ولنضع رقما ازاء رقم، ولنقول ان الاميركيين لم يشفوا غليلهم بعد وما زال لهم في ذمة الافغان، عرباً وطالبان، بقية زائدة. لم تكن على حد ما ذكر حكام الولايات المتحدة ثأراً وانتقاماً فحسب. كانت بحسبهم نجدة لشعب جائع وتمديناً لمجتمع متخلف وتحريرا لأمة خنقها الاستبداد. كما كانت إنقاذاً للعالم كله من الارهاب والعنف الاعتباطي والقتل المجرد. بدأت الحرب قصفا ومساعدات غذائية. لم نصدق ان ثمة حربا تطعم لكن اسقاط الطحين مع الصواريخ كان بلا شك مناورة بارعة. سخر رسامو الكاريكاتور وخافوا على الناس من ان يحتاروا بين القذائف وأكياس الطحين، لكننا مع ذلك ،مصدقين او مكذبين، وجدنا في ذلك لمسة ذكية.
بدأ الاميركيون حربا شاؤوها حملة انقاذ لكننا وجدنا القذائف تسقط على رؤوس المهاجرين ورؤوس المدنيين. وتتوالى الاعتذارات ويتوالى القصف الى ان تعبوا من الاعتذار ولم يتعبوا من القصف، وما عاد احد يصدق كل هذه الاخطاء "المصيبة" المصوبة. لكن الحرب ليست سوى حرب. وهي لا تكون الا حربا. تقتل ولا تطعم، الحرب هي الحرب والحرب قذرة لكن حرب الاميركيين قذرة من جانب واحد دامية من جانب واحد. اعتباطية من جانب واحد. فتاكة فعالة بل مسلحة من جانب واحد. انها حرب خالدين ضد فانين. من لا يموتون ضد من يموتون، من يفعل سلاحهم ضد من لا سلاح لديهم واذا وجد لا يفعل، حرب صفر موت ضد آلاف الموتى.
رمى بن لادن والملا عمر الشعب لمصير كهذا، لكن سياسة بن لادن والملا عمر هي الموت، ولا يهمهم ان حملوه للناس او حمله الناس إليهم، فماذا حمل الاميركيون سادة الفضاء الى المستنقع الافغاني: تمدينا، تحريرا انقاذا، ام موتا موازيا لذلك الذي حل في البرجين والبنتاغون. موتا بموت وها هي طيورهم حرة في الفضاء تصلي الساعين في الجبال موتا صافيا. خاض الاميركيون حربا باسم العالم وباسم الحياة فماذا حملوا للمستميتين الافغان. موتا عليهم وعلى من أرادوا الحياة، حربا من طرف واحد، حربا كلها تقريبا اخطاء صائبة، حربا على المدنيين والمهاجرين واخيرا على السجناء والاسرى، قصف سجن في الصحراء في خاتمة الحرب كقلب الرمال على فلول الجنود العراقيين المهزومين قبل الحرب. هنا وهناك مدفن عظيم يصلح ان يكون نصبا اميركيا مقابل البنتاغون. الموت ايضا يصنع الاساطير. (عن "السفير" البيروتية)
&