غالباً ما تُصوّر الأحداث المتعلقة بالنزاعات الدولية وصدام المصالح بعبارات كوارثية، وتغرق الآراء والتحاليل النقدية وسط بحر من الحماسة الدينية والقومية، مما يجعل التفريق بين الخرافة والواقع صعباً. وفي ظل تداعيات الهجمات الإرهابية الأكثر تدميراً في التاريخ الأميركي، قليل هم الذين لم يصوروا هذا الصراع بأنه صدام بين الحضارات، أو الثقافتين الإسلامية والغربية، في المعسكرين علي حد سواء.
لقد أطلق رئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني الرصاصة الأولي في حرب الكلمات هذه إذ قال: يجب ان نعي تفوق حضارتنا التي تتألف من نظام قيّم منح الناس الإزدهار في البلدان التي اعتنقته، وضمن احترام الإنسان وحقوقه السياسية والدينية. هذا الاحترام لا يوجد بالتأكيد في البلدان الإسلامية . وأكد برلوسكوني ان الغرب سيستمر في التغلب علي الشعوب، كما فعل من قبل، (في صراعه) مع العالم الشيوعي والدول العربية المعتدلة ، مضيفاً أنه من الضروري ان نمدّ يد العون الي هؤلاء (المسلمين) الذين تخلفوا 0041 سنة لإيصال المنافع التي يتمتع بها الغرب (اليهم) .
ان توكيد برلوسكوني ان الغرب متفوق علي الإسلام لا يؤمن فقط الذخيرة للساخطين، مثل أسامة بن لادن، الذين يعرفونه ويستغلونه لمآربهم القاتلة، بل يطرح السؤال عن ماهية الحضارة. لأي مدي يمكن أن يُنظر الي الحضارة الإسلامية كوحدة متصلة، غير منقطعة، منذ عهد النبي محمد الي اليوم؟ في أي نقطة تاريخية يمكن للمرء القيام بتقويم كهذا؟ ما هي المعايير والمؤشرات التي تحدد تفوق الغرب ودونيّة الإسلام؟
ان التفكير من خلال سلسلة من الأشخاص أو الهيئات المرتبطة بالوقت، بدل الهيكليات الاجتماعية السياسية والحقب الزمنية يلقي ضوءاً أكثر علي المتكلمين وأسسه الايديولوجية، وبالتالي لا يلقي الضوء علي الوقائع الاجتماعية والحضارية.
إذا تم قياس التفوق بمعايير هيغل؛ السلطة، النمو الاقتصادي، والابداع التقني، فإن الحضارة الغربية كانت ناجحة بامتياز في المئتي سنة الماضيتين. بيد أن سيطرة الغرب المادية لم تكن نتيجة ميزة جوهرية أو أخلاقية، بل نتيجة حادث تاريخي. والمفارقة ان الكثير من المسلمين ينظرون الي انجازات الغرب المادية بازدراء، ويؤكدون علي تفوق الإسلام الأخلاقي والروحي. ويبدو ان هذه الأصوات في المعسكرين تنزع الي اللاتاريخانية وأنها مفخّخة بالتحيّزات الثقافية والسياسية.
في هذه المرحلة، تعمّ العالم الإسلامي الأنظمة الاستبدادية والاضطهاد السياسي والتعصب واللامبالاة الفكرية. وبغض النظر عن جذوز وأسباب هذا الانحطاط، وخصوصاً الداخلية، فإن الشريعة الإسلامية وبعض أشكال السلطات والمؤسسات غير المركزية مثل المدارس الصوفية والنقابات والأوقاف التي حملت في جذورها بذور الديموقراطية فشلت في مقاومة الدول الاستبدادية.
وخلافاً لما جري في الغرب، فقد سيطرت هذه الدولة علي المؤسسات المحلية وفئة العلماء واحتكرت السلطة ومركزتها علي حساب الاستقلالية المحلية، مما رفع من مستوي العنف الي حد كبير في العالم الإسلامي. اضافة الي ذلك، فإن الاستعمار والعلمنة المفروضة علي النظام الاجتماعي زادا من مستوي العنف والتطرف في المجتمعات الإسلامية.
ان هذا التغيير في مقدرات العالم الإسلامي كان حادثاً تاريخياً، وليس أمراً كامناً في الدين نفسه. وقليلاً ما أدركت المجتمعات الغربية أن فقدان الانسجام الداخلي في المجتمعات الإسلامية سينعكس سلباً عليها. فأكثر الغربيين يعيشون بعيداً من شؤون العالم الإسلامي لدرجة تفقدهم القدرة علي ادراك كنه المنظومة الإسلامية وميزاتها الجمّة.
عاش المسلمون، في مراحل تاريخية مختلفة، في سلام وانسجام عندما كانت تمزق أوروبا النزاعات الاجتماعية - السياسية والثورانات الدينية. وعلي رغم أن العالم الإسلامي لم يحقق حينها نمواً اقتصادياً ملحوظاً وخاض حروباً علي حدوده، الا انها (تلك الحروب) لا تقارن بالنزاعات الأهلية والسياسية والاجتماعية والثورانات التي هزّت أوروبا. وقد أنتجت المجتمعات الإسلامية وقتئذ، في ظل السلطات المحلية والمؤسسات، منظومة اجتماعية آمنة حيث شعر الناس بالطمأنينة، علي رغم أن هذه المجتمعات لم تكن منظّمة. وكانت المنظومة الإسلامية دينامية ومتسامحة بفضل الأديان والاتنيات والأعراق المتعددة التي ضمت مجتمعاتها وعاشت في انسجام فيها.
في المقابل، علي رغم أن الحضارة الغربية كان مزدهرة وناجحة اقتصادياً وتقنياً، إلا انها تعاني عللاً مخيفة ومشكلات في هيكليتها. مثال علي ذلك الكساد الكبير (في العشرينات من القرن الماضي) والاضطهاد الديني والتمييز العنصري، مما أدي الي المحرقة، ونشر بذور الشك في انسانية الحضارة الغربية وعالميتها. أليس من المجحف التركيز علي هذه العلل وحدها وتلك الفصول الدموية في تاريخ الغرب واهمال لحظـات التنوير وعصور الازدهار في نظرة تبسيطية؟ لذلك من الأسلم ان نتطلع الي هذه الأمور في سياقها التاريخي.
ان ميزة الغرب تكمن في خلق مجتمع حرّ وتعزيزه بالضوابط القانونية والدستورية التي تضمن وتحمي حقوق الأفراد وواجباتهم وحريتهم. لكن الجدير بالذكر ان التقدم الذي تحقق في عصر التنوير ما بعده كان حصيلة المساهمات الفكرية والعلمية التي قدمتها الحضارة الإسلامية من قبل، وأن الفضل في قيام الحضارة الغربية يعود الي تلاقح التراث الإسلامي مع التراث اليوناني - الروماني في أوروبا. ألم يحصل أكونيوس علي نتاج أرسطو طاليس من العلماء المسلمين ليقدمه الي أوروبا المسيحية؟ لذلك يمكن القول ان التلاقح الحضاري الذي تم عبر التبادل العلمي والتجاري قد جعل من الثقافة الغربية حضارة عالمية لا تنتمي الي الغرب وحده بل الي الإنسانية جمعاء.
قد يشيح بعض النقاد بوجههم عن هذا التمرين الذهني ويعتبرونه عبثياً وعاطفياً ولا يمت الي الحاضر بصلة. بيد ان التاريخ مهم جداً لأنه يُظهر ان المؤسسات اللامركزية في الإسلام حملت بذور الديموقراطية. ولعل التحدي الذي يواجه العالم الإسلامي يكمن في تجاوز مظالم الماضي وعدم التلهي في القاء اللوم علي الغرب الاستعماري في الانحطاط الذي وصل اليه.
ان التحدي يكمن في تجديد المؤسسات الإسلامية التي كانت تتمتع باستقلالية وسلطات لا مركزية كوسيلة للحدّ من تسلّط الدولة، وتعزيز الأفرد وحريتهم وروحهم المبدعة.
هذا المشروع الطموح يحتاج من جديد الي تلاقح حضاري وقبول للاتجاهات العالمية، لا الهوس بامتلاك الحقيقة.
لقد أطلق رئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني الرصاصة الأولي في حرب الكلمات هذه إذ قال: يجب ان نعي تفوق حضارتنا التي تتألف من نظام قيّم منح الناس الإزدهار في البلدان التي اعتنقته، وضمن احترام الإنسان وحقوقه السياسية والدينية. هذا الاحترام لا يوجد بالتأكيد في البلدان الإسلامية . وأكد برلوسكوني ان الغرب سيستمر في التغلب علي الشعوب، كما فعل من قبل، (في صراعه) مع العالم الشيوعي والدول العربية المعتدلة ، مضيفاً أنه من الضروري ان نمدّ يد العون الي هؤلاء (المسلمين) الذين تخلفوا 0041 سنة لإيصال المنافع التي يتمتع بها الغرب (اليهم) .
ان توكيد برلوسكوني ان الغرب متفوق علي الإسلام لا يؤمن فقط الذخيرة للساخطين، مثل أسامة بن لادن، الذين يعرفونه ويستغلونه لمآربهم القاتلة، بل يطرح السؤال عن ماهية الحضارة. لأي مدي يمكن أن يُنظر الي الحضارة الإسلامية كوحدة متصلة، غير منقطعة، منذ عهد النبي محمد الي اليوم؟ في أي نقطة تاريخية يمكن للمرء القيام بتقويم كهذا؟ ما هي المعايير والمؤشرات التي تحدد تفوق الغرب ودونيّة الإسلام؟
ان التفكير من خلال سلسلة من الأشخاص أو الهيئات المرتبطة بالوقت، بدل الهيكليات الاجتماعية السياسية والحقب الزمنية يلقي ضوءاً أكثر علي المتكلمين وأسسه الايديولوجية، وبالتالي لا يلقي الضوء علي الوقائع الاجتماعية والحضارية.
إذا تم قياس التفوق بمعايير هيغل؛ السلطة، النمو الاقتصادي، والابداع التقني، فإن الحضارة الغربية كانت ناجحة بامتياز في المئتي سنة الماضيتين. بيد أن سيطرة الغرب المادية لم تكن نتيجة ميزة جوهرية أو أخلاقية، بل نتيجة حادث تاريخي. والمفارقة ان الكثير من المسلمين ينظرون الي انجازات الغرب المادية بازدراء، ويؤكدون علي تفوق الإسلام الأخلاقي والروحي. ويبدو ان هذه الأصوات في المعسكرين تنزع الي اللاتاريخانية وأنها مفخّخة بالتحيّزات الثقافية والسياسية.
في هذه المرحلة، تعمّ العالم الإسلامي الأنظمة الاستبدادية والاضطهاد السياسي والتعصب واللامبالاة الفكرية. وبغض النظر عن جذوز وأسباب هذا الانحطاط، وخصوصاً الداخلية، فإن الشريعة الإسلامية وبعض أشكال السلطات والمؤسسات غير المركزية مثل المدارس الصوفية والنقابات والأوقاف التي حملت في جذورها بذور الديموقراطية فشلت في مقاومة الدول الاستبدادية.
وخلافاً لما جري في الغرب، فقد سيطرت هذه الدولة علي المؤسسات المحلية وفئة العلماء واحتكرت السلطة ومركزتها علي حساب الاستقلالية المحلية، مما رفع من مستوي العنف الي حد كبير في العالم الإسلامي. اضافة الي ذلك، فإن الاستعمار والعلمنة المفروضة علي النظام الاجتماعي زادا من مستوي العنف والتطرف في المجتمعات الإسلامية.
ان هذا التغيير في مقدرات العالم الإسلامي كان حادثاً تاريخياً، وليس أمراً كامناً في الدين نفسه. وقليلاً ما أدركت المجتمعات الغربية أن فقدان الانسجام الداخلي في المجتمعات الإسلامية سينعكس سلباً عليها. فأكثر الغربيين يعيشون بعيداً من شؤون العالم الإسلامي لدرجة تفقدهم القدرة علي ادراك كنه المنظومة الإسلامية وميزاتها الجمّة.
عاش المسلمون، في مراحل تاريخية مختلفة، في سلام وانسجام عندما كانت تمزق أوروبا النزاعات الاجتماعية - السياسية والثورانات الدينية. وعلي رغم أن العالم الإسلامي لم يحقق حينها نمواً اقتصادياً ملحوظاً وخاض حروباً علي حدوده، الا انها (تلك الحروب) لا تقارن بالنزاعات الأهلية والسياسية والاجتماعية والثورانات التي هزّت أوروبا. وقد أنتجت المجتمعات الإسلامية وقتئذ، في ظل السلطات المحلية والمؤسسات، منظومة اجتماعية آمنة حيث شعر الناس بالطمأنينة، علي رغم أن هذه المجتمعات لم تكن منظّمة. وكانت المنظومة الإسلامية دينامية ومتسامحة بفضل الأديان والاتنيات والأعراق المتعددة التي ضمت مجتمعاتها وعاشت في انسجام فيها.
في المقابل، علي رغم أن الحضارة الغربية كان مزدهرة وناجحة اقتصادياً وتقنياً، إلا انها تعاني عللاً مخيفة ومشكلات في هيكليتها. مثال علي ذلك الكساد الكبير (في العشرينات من القرن الماضي) والاضطهاد الديني والتمييز العنصري، مما أدي الي المحرقة، ونشر بذور الشك في انسانية الحضارة الغربية وعالميتها. أليس من المجحف التركيز علي هذه العلل وحدها وتلك الفصول الدموية في تاريخ الغرب واهمال لحظـات التنوير وعصور الازدهار في نظرة تبسيطية؟ لذلك من الأسلم ان نتطلع الي هذه الأمور في سياقها التاريخي.
ان ميزة الغرب تكمن في خلق مجتمع حرّ وتعزيزه بالضوابط القانونية والدستورية التي تضمن وتحمي حقوق الأفراد وواجباتهم وحريتهم. لكن الجدير بالذكر ان التقدم الذي تحقق في عصر التنوير ما بعده كان حصيلة المساهمات الفكرية والعلمية التي قدمتها الحضارة الإسلامية من قبل، وأن الفضل في قيام الحضارة الغربية يعود الي تلاقح التراث الإسلامي مع التراث اليوناني - الروماني في أوروبا. ألم يحصل أكونيوس علي نتاج أرسطو طاليس من العلماء المسلمين ليقدمه الي أوروبا المسيحية؟ لذلك يمكن القول ان التلاقح الحضاري الذي تم عبر التبادل العلمي والتجاري قد جعل من الثقافة الغربية حضارة عالمية لا تنتمي الي الغرب وحده بل الي الإنسانية جمعاء.
قد يشيح بعض النقاد بوجههم عن هذا التمرين الذهني ويعتبرونه عبثياً وعاطفياً ولا يمت الي الحاضر بصلة. بيد ان التاريخ مهم جداً لأنه يُظهر ان المؤسسات اللامركزية في الإسلام حملت بذور الديموقراطية. ولعل التحدي الذي يواجه العالم الإسلامي يكمن في تجاوز مظالم الماضي وعدم التلهي في القاء اللوم علي الغرب الاستعماري في الانحطاط الذي وصل اليه.
ان التحدي يكمن في تجديد المؤسسات الإسلامية التي كانت تتمتع باستقلالية وسلطات لا مركزية كوسيلة للحدّ من تسلّط الدولة، وتعزيز الأفرد وحريتهم وروحهم المبدعة.
هذا المشروع الطموح يحتاج من جديد الي تلاقح حضاري وقبول للاتجاهات العالمية، لا الهوس بامتلاك الحقيقة.
ہ أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعتي كولومبيا وساره لورانس في نيويورك.(الحياة اللندنية)
التعليقات