سؤال عقلاني ينبغي أن يطرحه الاسرائيليون: ماذا إذا ذهب ياسر عرفات؟ من يحل محله؟
الاسرائيليون لن يطرحوا هذا السؤال إلا بمقدار ما طرحه الفلسطينيون من قبل: ماذا بعد إيهود باراك؟ من يحل محله؟
الأسئلة العقلانية احترقت في الجانبين. الغرائز صارت سيدة الموقف. هذا ما نراه بأوضح الصور في انعدام الدور الايجابي للقائد. للقيادات التي تتدخل لمصلحة شعبها. تتدخل لا بالقرارات الحاسمة فحسب، بل أيضاً بما لها من رصيد تاريخي، وبالتأثير علي العقل العام عبر التعليم والإعلام والثقافة. والانعدام القيادي هذا هو ما تسبب في الوصول الي ما وصلنا اليه، بقدر ما تفاقم بنتيجته.
فصعود أرييل شارون كان ثمرة النقص القيادي عند كل من إيهود باراك وياسر عرفات.
الأول، بفذلكة متشاطرة وضعف حيال الدينيين الذين استند اليهم ائتلافه. هذا ما ترك المستوطنات تتنامي، وترك الوضع الاقتصادي للفلسطينيين يتردي. كان رهانه أن السلام مقبل، وبعد حلوله يتم التصدي للمشكلات. المشكلات كبرت وابتلعت السلام نفسه بعدما أطاحت باراك.
أما الثاني، فأدي دوره بسلوكه العشائري والتوافقي المعروف. بتشاطُره المعهود. بعجزه عن اتخاذ قرارات مصيرية تستند الي شرعية حاسمة. واذا قيل - بحق - ان الاجراءات الاسرائيلية شلّـت يده، بقي ان احداً لا يستطيع التكهّن بما تفعله يد عرفات. وتجربتاه كقائد في الأردن 1969-1971 ولبنان 1975-1982 غير مشجّعتين اطلاقاً.
بمعني ما، جاء شارون من زواج هذين النقصين في السياسة والتسيير السياسي: باراك بإقدامه بهلوانياً علي السلام. عرفات بتراجعه أمام استحقاقاته.
وكانت الفجيعة التي لا تفوقها إلا الأكلاف البشرية، ان الرأي العام الاسرائيلي تحول عن الأجندة السلمية الي أخري حربية. وكانت الفجيعة الأخري أن الانتفاضة التي لا تريد ان تعترف بفشلها، راحت تتفسّخ الي عنف دموي مجنون.
وفي النهاية بتنا أمام شارون يشن حربه علي السلطة الفلسطينية، غير عابيء بأن الزمن الكولونيالي والامبراطوري ولي. أما حماس والجهاد الاسلامي فتمضيان في قتل المدنيين الاسرائيليين من دون اكتراث بكل المعاني التي حبل بها 11 أيلول (سبتمبر).
للتذكير فقط: في حزيران (مايو) 1948، بعد اسابيع علي نشأة دولة اسرائيل، أمر ديفيد بن غوريون بقصف وتدمير باخرة محمّلة بالسلاح المنقول الي منظمة أرغون المتطرفة. السلاح كان سيُستخدم في مناطق تقع خارج حدود الدولة الجديدة، وهذا ما أخاف رئيس الحكومة فتصرّف من دون ان تردعه احتمالات حرب اهلية بين اليهود، أو قيام يهود بقتل يهود.
الحادثة تلك عُرفت بـ ألتالينا : اسم السفينة المقصوفة بـ مدافع مقدّسة بحسب الوصف الذي استخدمه بن غوريون. لكن تلك الحادثة رسمت أول رئيس حكومة لاسرائيل قائداً سياسياً لمرحلة بناء الدولة، بعدما كان قائداً في مرحلة بلوغها.
هذا العنصر القيادي هو ما افتقر اليه باراك وعرفات. جاء شارون، وها نحن نحصد. ومما نحصد، الي جانب الدم، نتائج الامتناع عن طرح السؤالين اللذين كان علي الفلسطينيين والاسرائيليين أن يطرحوهما.
والآن يمكن التبرع بالاجابة الفلسطينية بعدما وفّر اختيار شارون الاجابة الاسرائيلية: بديل عرفات الفوضي والتطرف وزعامات تمتد من حماس والجهاد الي وجهاء الأحياء والمناطق. مع هؤلاء تستطيع اسرائيل ان تتعامل سلماً وحرباً. قتلاً و معاهدات . والأهم: تكريس واقع بالغ التجزئة والتفتت يستحيل بعده ان تقوم قائمة لفلسطين.(الحياة اللندنية)