عماد الدين حسين

هل هدف إسرائيل الفعلي هو القضاء على الإرهاب في الضفة الغربية كما تزعم، أم أن هناك أهدافاً أخرى لا تعلن عنها صراحة؟!

يوم الأربعاء الماضي أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بدء عملية للقضاء على ما أسمته الإرهاب، وتدمير البنية التحتية للمقاومة داخل بعض مدن الضفة خصوصاً طولكرم، لكن كان واضحاً أن هناك أهدافاً أخرى أبرزها ما أعلنه وزير الخارجية إسرائيل كاتس في نفس اليوم، عن تنفيذ سيناريو غزة في الضفة.

والسؤال: ما هذا السيناريو الذي يقصده كاتس؟

نعلم أن إسرائيل تشن على قطاع غزة عدواناً مستمراً تحت مسمى «السيوف الحديدية»، منذ تنفيذ الفصائل الفلسطينية عملية «طوفان الأقصى» صبيحة 7 أكتوبر الماضي.

العدوان الإسرائيلي قاد إلى مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي وأسر حوالي 250 آخرين لايزال نصفهم محتجزين في غزة حتى اللحظة.

إسرائيل بدأت العدوان وحددت هدفين أساسيين هما إطلاق سراح أسراها وتفكيك قدرات حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية.

لكن الذي حدث حتى الآن، أن إسرائيل لم تتمكن من إطلاق سراح أسراها باستثناء أربعة فقط وجثث البعض الآخرين، كما أن «حماس» ورغم تعرضها لضربات مؤلمة، لم تعلن استسلامها حتى الآن، وبالتالي فإن الهدف الإسرائيلي المعلن لم يتحقق.

لكن ربما السؤال المهم الذي ينبغي أن يشغلنا حتى نفهم ما تخطط له إسرائيل في الضفة هو: هل كانت تلك أهداف إسرائيل الحقيقية في القطاع؟!

ظني الشخصي أن الهدف الجوهري لإسرائيل كان تحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة، بحيث يضطر سكانه أو غالبيتهم إلى الفرار منه سواء إلى سيناء المصرية، أو إلى أي مكان آخر بإغراءات حيناً وتهديدات أحياناً أخرى.

وللأسف فإن إسرائيل نجحت إلى حد ما في هذا المخطط الخطير. هي قتلت حتى الخميس الماضي في غزة أكثر من 40602، وأصابت حوالي 93855، وشردت نحو مليوني فلسطيني بعد أن هدمت بيوتهم ومنشآتهم ومدارسهم ومستشفياتهم وطرقهم، في حين قتلت 669 فلسطينياً حتى الخميس الماضي واعتقلت نحو 11 ألفاً آخرين في الضفة.

مراقبون إسرائيليون كثيرون وأهالي الأسرى يقولون إن نتانياهو لا يريد استعادة الأسرى، تطبيقاً لمبدأ «هانيبال» الذي يقول إنه لا ينبغي على الجيش الإسرائيلي أن ينشغل كثيراً بحياة الأسرى، إذا كان ذلك سيؤثر على الأهداف العليا للجيش والدولة الإسرائيلية.

هذا ما يطبقه نتانياهو في غزة، خصوصاً بعد أن أحكم سيطرته على محور صلاح الدين أو فيلادليفيا على طول حدود القطاع مع مصر والبالغة 14 كيلومتراً.

كما أحكم سيطرته على مفرق الشهداء أو محور نتساريم الذي يشطر شمال غزة عن وسطها وجنوبها.

وإذا صدق ما يطالب به كاتس، وغيره من كبار المتطرفين في الحكومة والمجتمع الإسرائيلي أمثال ايتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتيرتش، فإن سيناريو غزة قابل للتكرار بصورة أكبر وأخطر في الضفة، خصوصاً في ظل الأطماع الصهيونية في الضفة منذ سنوات طويلة.

‫خبراء كثيرون يقولون إن كلام كاتس ليس دقيقاً، لأن ما يحدث في غزة هو في إطار استراتيجية كاملة بدأتها إسرائيل قبل سنوات، والهدف الحقيقي هو تصفية القضية الفلسطينية وليس فقط القضاء على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وحينما يتم تهجير السكان ينتهي كل شيء.

على أرض الواقع فإن هناك ظروفاً كثيرة محلياً فلسطينياً وإسرائيلياً وإقليمياً ودولياً تعطى حكومة نتانياهو الفرصة لتنفيذ هذا الهدف، فالمعارضة الإسرائيلية في أضعف حالاتها والانقسام الفلسطيني لايزال مستمراً منذ عام 2007 بين حركتي فتح وحماس، وأمريكا تدعم إسرائيل بكل قوة، والمجتمع الدولي يكتفي بإدانة إسرائيل لفظياً دون تحرك فعلي.

في ظل هذه الظروف لا أستبعد أن يوجه نتانياهو معظم القوات المنتشرة في غزة إلى الضفة والحدود اللبنانية، وذلك لا يعني وقف النار في غزة، بل الانتشار على الحدود والمفارق الرئيسية وتنفيذ عمليات موضعية محددة.

سوف تحاول إسرائيل استغلال أي عمليات للمقاومة الفلسطينية في الضفة لهدم أكبر قدر من المباني والمؤسسات الفلسطينية، خصوصاً المخيمات، حتى تقضي أساساً على فكرة المخيمات وبالتوازي ستحاول إجبار الفلسطينيين على ترك بيوتهم ومزارعهم وحقولهم ومنشآتهم بحيث يزيد عدد المستوطنين على حساب سكان الضفة الأصليين. والمؤكد أن أمريكا لن تعارض ذلك إلا بعبارات مطاطة لا تعرقل المخطط الإسرائيلي، وإذا تمكن دونالد ترامب من الفوز بالرئاسة الأمريكية فسوف يدعم إسرائيل في «توسيع حدودها» كما ألمح إلى ذلك مؤخراً.

ولا يمكن استبعاد أن تقوم إسرائيل بتفكيك السلطة الفلسطينية حتى تسقط آخر مظاهر الشرعية، بل يمكن أن تلجأ إلى إجراءات غير مسبوقة ضد عرب 48، وستقاوم بكل الطرق أي محاولات لإنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني. بحيث يكون الهدف النهائي هو ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن أو أي مكان آخر، مثلما هو الحال بترحيل فلسطيني غزة إلى سيناء المصرية أو أي مكان آخر تنفيذاً لخطة الحسم التي يتبناها سموتيرتش وكل أحزاب وقوى اليمين الإسرائيلي.