حمد الحمد

في يوم من أيام شهر يونيو من عام 2009، رحتُ أتصفح الصحيفة التي تصل منزلي كل صباح إلا وأجد في مربع صغير خبراً عن شيء اسمه «تويتر»، حينها لأول مرة أسمع عنه، وأسرعت وأسست لي صفحة في تويتر باسمي الحقيقي، وذلك الحدث مضى عليه 15 سنة.

موقع جميل ومُفيد، وبصفتي كاتب أنشر خبر صدور آخر أعمالي، أو أُعلق على موضوع مطروح بالبلد، أو أشيد بعمل حكومي أو أنتقد آخر، لكن قبل أن أكتب تغريدتي أفكر ألف مرة في صياغتها ومضمونها كونها تحمل اسمي الثلاثي، وهكذا يفترض أن يعمل العقلاء.

لهذا أشبه هكذا مواقع شبكات التواصل وغيرها بالعسل طيب المذاق، لكن هذه المواقع العسلية وغيرها دخلها مع مرور الوقت كثير من التافهين والأغبياء والدخلاء والمرضى نفسياً والمُلثمين والمُتنمرين والأطفال من كلا الجنسين وبأسماء مُستعارة وحسابات وهمية داخلية وخارجية، وأصبح عسلنا مسموماً وملوثاً ومشبوهاً وخطيراً لأبعد حد.

الذين أتحدث عنهم المجهولين أو حتى البعض ممن يكتب بأسماء مستعارة لكن بأفكار مريضة حيث يسب هذا، ويطعن بذاك كونه غير معروف للآخر وبدون حياء حتى تسممت المواقع.

ما أتابعه من ردود وتعليقات على قضايا تكون «ترند» محلية وعربية يشيب لها الرأس من أسماء مُستعارة تسمم العلاقات بين الشعوب العربية، بينما الجهات الرسمية تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا السيل الجارف، وهنا يضيع صوت كل العقلاء.

تلك المواقع كافة خرجت عن أهدافها، حتى أن بعض الدول قد طفح بها الكيل وآخرها البرازيل التي علّقت منصة أكس «تويتر»، ومن قبلها دول أخرى اتخذت إما الحجب أو وضعت قوانين صارمة عليها، منها كوريا الشمالية وروسيا وإيران وتركمنستان وبورما وباكستان وفنزويلا، وفرنسا حجزت أخيراً صاحب موقع تليغرام للتحقيق معه بشأن موقعه، والصين كما سمعت ربطت صاحب الحساب برقمه المدني فهو مكشوف مكشوف.

بمقالي هذا هل أطالب بالحجب والمنع؟، طبعاً لا أوصي بالمنع، لأن بتلك المواقع جوانب كثيرة إيجابية لا تُحصى، وهي نافذة لحرية الفرد في إبداء الرأي، لكن السلبيات التي ذكرتها كبيرة وتتمدد وخطرة وتزرع الفتن، ولا تعرف كيف تلاحق التافهين وأصحاب الحسابات المخفية وغيرها، لكن لا يُعقل أن يصبح أصحاب تلك المواقع هم مليارديرية العالم وأثرياء من جيوبنا، ولا يهمهم تلك السلبيات والمخاطر التي تصنع الفتن وتهدد المجتمعات وأمن الأوطان.

وفي السياق أذكر حكاية قد تدل على حل يقطع دابر السلبيات، أذكر في عام 1994، كنت اسكن في شقة في تورونتو بكندا، وفي الشقة جهاز هاتف أرضي به ميزات عديدة، وبين حين وآخر يرن واكتشف أن المتصل رقم لا أعرفه، وكذلك يظهر اسم المتصل، وعندما سألت قيل لي إن هذه خدمة كاشف الرقم حيث يظهر لك اسم ورقم صاحب الهاتف المتصل، ولك الخيار أن ترد أو تشتكي عليه، إذا كان يسبب ازعاجاً لك.

وفي الكويت منذ كم عقد عاشت البيوت الآمنة ازعاجاً يومياً منقطع النظير من الذين يتصلون بالهاتف وبعدها يغلقون الخط، ولم يتوقف هذا الازعاج إلا عندما قدمت وزارة المواصلات خدمة كاشف الرقم حيث توقف الازعاج، واتضح أن أغلب المُتصلين على شاكلة طباخ الجيران يتصل على خادمة المنزل، فإذا لم يكن صوتها أغلق الخط، وهذا ما يُسمى الحب البري المُزعج.

لهذا نتمنى لو يأتي يوم ويكون هناك كاشف رقم وهوية لكل مَنْ يشارك بهكذا مواقع، وأجزم أن 95 % من أصحاب الحسابات الذي تكلمنا عنهم سيخرجون بلا رجعة.

وحتماً تعود المواقع كالعسل الصافي وليس المسموم كما هو حالياً.