قيام المنتصر أو الغازي بتحويل دور عبادة الطرف المهزوم إلى دور عبادة له، أو تحويلها إلى أي غرض آخر، أمر شائع على مر العصور. وقلة من الغزاة أبقوا الأمور على حالها، فمن أكبر الإهانات، التي توجه للمهزوم، خاصة إن كان عدواً تاريخياً، أو مدافعاً شرساً، هو تخريب دور عبادته.

مع توسّع المسلمين في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا في القرن السابع الميلادي، قاموا بتحويل بعض الكنائس والمعابد القديمة إلى مساجد. ويقال إن الخليفة عمر صلى في موقع قريب من كنيسة القيامة، رافضاً الصلاة في الكنيسة، لكي لا تكون سابقة للمسلمين، لكن يبدو أن لا أحد التفت إلى تلك المبادرة العظيمة، فبعد غزو المسلمين لأسبانيا في القرن الثامن، تم تحويل العديد من الكنائس إلى مساجد، ومنها مسجد قرطبة، الذي كان كنيسة، وعاد ليصبح كاتدرائية، بعد طرد المسلمين من الأندلس. كما تم تحويل كنيسة آيا صوفيا في القسطنطينية، إسطنبول، عام 1453، التي كانت الأكبر في العالم الأرثوذكسي، إلى مسجد، ثم حولها أتاتورك إلى متحف عام 1935، لكن أردوغان أعادها مسجداً في 2020. وحدث ما يماثل ذلك في الهند وغيرها، لكن توقفت هذه الأمور تقريباً مع زيادة المعارضة الدينية والسياسية لها، مع بقائها في بعض المدن الأوروبية والبريطانية، حيث تكرر قيام جاليات إسلامية غير عربية غالباً، بتحويل كنائس إلى مساجد، وغالباً بأموال عربية، وغالباً للنفوذ داخل الجماعة والإثراء المادي، وتصوير الأمر بعدها كأنه انتصار ديني على الدين الآخر.

قبول الإنكليز وغيرهم بتحويل كنيسة إلى مسجد يعتبر أمراً دارجاً، وضمن الحريات الدينية المكفولة للجميع، ويتم البيع غالباً بسبب نقص رواد الكنيسة، أو عدم رغبة السلطات الصرف عليها، وبالتالي لا شيء يمنع بيع المبنى لتحويله إلى أي استخدام آخر، لا يتعارض مع خطط بلدية المنطقة. لكن الضجة والإثارة والصخب، التي كانت عادة ما تصاحب مثل هذه الأمور، دفعت الكثيرين، مع الوقت، إلى الوقوف ضدها. ولم يكن غريباً بالتالي نجاح جماعة ضغط تسمى «بريطانيا أولاً» في جمع أكثر من 50 ألف توقيع من سكان المنطقة، على عريضة، تناشد السلطات سحب الترخيص الممنوح لجماعة إسلامية، قامت بشراء مبنى كنيسة مهجورة بغية تحويله إلى مسجد، وتم لهم ذلك، فأسقط بيد الجماعة الإسلامية، وتورطت في المبنى، الذي يجب إعادته إلى سابق غرضه، ولا أحد مهتم بذلك، وغالباً سيترك على وضعه، وكان لوجود رفات مسيحيين إنكليز مدفونين في داخل الكنيسة دور في وقف عملية التحويل.

تبعت ذلك عملية تشهير وعداء كبيرة لمسلمي بريطانيا، وتحولت إلى ما يشبه «الحرب الصليبية» ضد الإسلام والمسلمين، وهذا ما سبق أن حذرنا منه في عشرات المقالات، على مدى ثلاثين عاماً، وكررنا أن سكوت المسيحيين على الهجوم الإسلامي أو التعدي على رموزهم ومقدساتهم لن يستمر طويلاً، وسيأتي وقت سيوحدون فيه صفوفهم، وستكون لهم ردات فعل ضد من تسبب في إهانة كنائسهم، وستكون لذلك تبعات سيئة، خاصة على المواطنين من المسلمين المسالمين، الذين لا علاقة لهم بكل الحركات المتطرفة، والذين يمثلون الأغلبية.

* * *

تثبت جامعة الشرق الأوسط الأمريكية AUM، يوماً بعد يوم، أنها جامعة مميزة، وكل المؤشرات الدولية تعطيها مكانة أفضل حتى من جامعة الدولة الرسمية بمراحل.


أحمد الصراف