لذلك، فإن أول خطوة اتخذتها فنلندا للنهوض بالتعليم هي التخلّص من جراثيم التعليم التالية:
أول جرثومة: كثافة المواد، لأن سلبرغ يرى أن التعامل مع الطالب يكون هنا بالكم وليس بالكيف. والحشو والصم من دون فهم أو تحديد أولويات العلم النافع، ما هو إلا كم لا طائل منه ولا نفع.
أما ثاني جرثومة فهي: كثرة الاختبارات والامتحانات، التي عادة ما تنهك الطالب وتشغله طوال وقته، فتضيع متعته وتتوه سعادته وراحته.
وهذا شأنه شأن ثالث جرثومة، التي تكون بإطالة ساعات الدوام، لأنها تنهك الطالب ذهنياً، وترهقه جسدياً، مما يؤدي إلى ضعف تركيزه.
الجرثومة الرابعة: الدراسة المنزلية، وحل الواجبات، وعمل الأنشطة في البيت، وهو ما يضيع حق الطالب بالاستمتاع بوقته خارج أسوار المدرسة، والتي غالباً ما تكون باللعب مع أصحابه أو إخوته، أو ممارسة هواية تنعش أساريره وتسعده.
أما الجرثومة الخامسة فهي الدروس الخصوصية، التي أعتقد أن كل الطلبة مرغمون عليها، ويتمنون الخلاص منها، خصوصاً إذا كانت لمواد يكرهونها، ولا يطيقون أوقاتها ومدرسيها.
الجرثومة السادسة، وهي ما أسماها المواد المعقدة، التي قال انها مواد لا ينتفع بها الطالب في واقعه أو في ميوله واتجاهاته.
وقد اسمى الدكتور سلبرغ هذه المواد بـ«المعرفة المعزولة»، التي قال انها المواد التي لا يتداولها إلا أهل التخصص الدقيق.
ونسبة هذا النوع من المعرفة في حياتنا ليست بسيطة، فقد عملنا وجاهدنا لحفظها وفهمها، إلا أننا لا نذكر أننا تداولناها في حياتنا اللاحقة بعد التخرج.
عندما يُشار إلى فنلندا بالْبَنان اليوم، فذلك لأنها تخلصت من كل هذه الجراثيم في تعليمها، فتصدرت العالم في الأنظمة التعليمية، وتفوّق طلبتها، وحصلوا على أعلى المراكز المتقدمة.
وبذلك تعتبر فنلندا اليوم وجهة لكل من يتطلع لتغيير نظم التعليم، للحصول على مخرجات نافعة ومفيدة للمجتمع المتطور والمتقدم.
عانينا، وأعتقد ما زلنا، من نظام الحشو في مدارسنا الحكومية وبعض المدارس الخاصة، خصوصاً في مواد تعتمد على التسميع والحفظ بعيداً عن التحليل والاستنتاج.
حان الوقت في الكويت للتخلص من هذه الجراثيم في نظم التعليم عندنا، والبدء بشكل جاد في قلب أولويات التعليم، من الحفظ الى التحليل والاستنتاج، وبناء الثقة والشخصية والإقدام.
إقبال الأحمد
التعليقات