استطاع الرئيس الأميركي ان يبدأ توسيع نطاق الحرب علي الارهاب، من دون أن يستشير أحداً من الحلفاء . اعطي رئيس الوزراء الاسرائيلي الضوء الأخضر لمزيد من القتل، ثم بادر الي ربط حرب شارون بحربه علي الارهاب. والي الجحيم كل الجدل علي تعريف الارهاب ، وكل شعارات عدم استهداف العرب والمسلمين. فبعد الانتصار العسكري في افغانستان واقتراب المعركة الأخيرة والحاسمة لإبادة تنظيم القاعدة ، لم يعد جورج بوش مضطراً للمراعاة في الملف الفلسطيني، بل انه اصطف وراء مجرم الحرب ارييل شارون. و... الي الجحيم، اذاً، خطاب الرؤية عن الشرق الأوسط، لأن من يتبني - مجدداً - رؤية شارون لا بد أن يكون قد نقض الرؤية التي طنطن لها الاعلام الأميركي علي انها بداية تغيير، وربما بداية مبادرة، وربما بداية استعادة الرشد في السياسة الاميركية.
في النهاية استعادت اسرائيل زمام الأمور، واستطاعت ان تجيّر أي تغيير أحدثته تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) لمصلحة مشروعها العدواني. ساعدها ويساعدها في ذلك تيار في الادارة الأميركية وضع اللوم، منذ لحظة التفجيرات، علي العرب. فالأميركيون لا يرون حالياً سوي الارهاب في كل مكان، والاسرائيليون جاهزون لإنماء هذه الرؤية . صحيح ان الرؤية الأخري، التي اعلنها كولن باول، استطاعت ان تكتشف ان هناك احتلالاً اسرائيلياً، لكنها قصّرت عن اعتباره المشكلة الرئيسية. عدنا الي المربع الأول الذي يعتبر أن المشكلة تكمن في وجود مقاومة لهذا الاحتلال، والأخطر - اميركياً - ان هذه المقاومة اتخذت شكلاً ارهابياً!
نأتي الي المستوي العملي: يوم الأحد الماضي، بعد عمليات حماس في القدس وحيفا، طلب بوش من الرئيس الفلسطيني ان يتخذ اجراءات، واستجاب الأخير ليس فقط تلبية للرغبة الأميركية وانما انطلاقاً من مصلحة فلسطينية لأن العمليات جاءت في توقيت لا يناسب السلطة. وفي الوقت الذي كانت الاجراءات آخذة مجراها بدأ القصف الاسرائيلي علي السلطة، بل علي الأجهزة الأمنية التي يفترض ان تنفذ تلك الاجراءات. وفهم الاميركيون القصف بأنه الدفاع عن النفس ، وكأن البيت الأبيض افترض سلفاً أن من سيتعرفون الي موقفه المدافع عن شارون هم بالضرورة أغبياء، أو انهم سيفهمون انه مضطر لاستغبائهم. واقع الأمر ان الادارة الأميركية تصرفت حيال الشعب الفلسطيني وكأنها في السياق الأفغاني، فكما ارسلت الطائرات لقتل الأسري المقيدين في قلعة جانغي افلتت الوحش الشاروني ليقصف كما يشاء.
الأغرب ان باول، صاحب الرؤية اياها، وهو عسكري، قال بالأمس انه لم يرَ بعد نتائج اجراءات السلطة الفلسطينية. والأكيد أنه، مثل شارون وسائر أفراد عصابته، لا يريد نتائج ليتمكن من الاستمرار في ادانة عرفات وسلطته لتبرير الرغبة الاسرائيلية في التخلص منهما. فأي خبير أمني محايد يعرف ان الحصول علي وقف اطلاق النار لا يعتمد فقط علي جهد طرف واحد، وأن التوصل الي نتائج مستحيل اذا ضُربت السلطة واهينت واضعفت فيما هي تضرب في صفوف شعبها. ولا شك ان ضرب السلطة والشعب في آن يعني تعطيل أحد الهدفين، أما السعي الي تحقيقهما معاً فيعني بكلمة: الانتصار لسلطة الاحتلال وتقويتها. فأين باول من رؤيته ؟
ما يحصل اميركياً واسرائيلياً يشكل استثماراً مباشراً في الارهاب، وليس في مكافحته أو اجتثاثه. فالأميركيون يفكرون ويقررون بناء علي الأكاذيب الاسرائيلية، ويرفضون الاعتراف بالحقائق كما هي علي الأرض. اسرائيل تخدع الولايات المتحدة لتحمي حالة الاحتلال ومكاسبها، والولايات المتحدة تخدع العرب بقليل من الكلام والنيات الحسنة ثم تستغرب ردود الفعل العربية حين تنكشف الخدعة. مهما حصل، اذا كان الهدف اقامة سلام لا يمكن أن يتوقع الأميركيون من العرب ان يعترفوا بأي شرعية للاحتلال. وإذا كانت اميركا تعترف فعلاً بأن المسألة تتعلق بشعب يعاني ارهاب الاحتلال ووحشيته، فإن الخروج من المأزق الراهن لا يكون بتصفية الرئيس الفلسطيني لتنصيب آلة قتل بوليسية بديلاً منه(الحياة اللندنية)
في النهاية استعادت اسرائيل زمام الأمور، واستطاعت ان تجيّر أي تغيير أحدثته تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) لمصلحة مشروعها العدواني. ساعدها ويساعدها في ذلك تيار في الادارة الأميركية وضع اللوم، منذ لحظة التفجيرات، علي العرب. فالأميركيون لا يرون حالياً سوي الارهاب في كل مكان، والاسرائيليون جاهزون لإنماء هذه الرؤية . صحيح ان الرؤية الأخري، التي اعلنها كولن باول، استطاعت ان تكتشف ان هناك احتلالاً اسرائيلياً، لكنها قصّرت عن اعتباره المشكلة الرئيسية. عدنا الي المربع الأول الذي يعتبر أن المشكلة تكمن في وجود مقاومة لهذا الاحتلال، والأخطر - اميركياً - ان هذه المقاومة اتخذت شكلاً ارهابياً!
نأتي الي المستوي العملي: يوم الأحد الماضي، بعد عمليات حماس في القدس وحيفا، طلب بوش من الرئيس الفلسطيني ان يتخذ اجراءات، واستجاب الأخير ليس فقط تلبية للرغبة الأميركية وانما انطلاقاً من مصلحة فلسطينية لأن العمليات جاءت في توقيت لا يناسب السلطة. وفي الوقت الذي كانت الاجراءات آخذة مجراها بدأ القصف الاسرائيلي علي السلطة، بل علي الأجهزة الأمنية التي يفترض ان تنفذ تلك الاجراءات. وفهم الاميركيون القصف بأنه الدفاع عن النفس ، وكأن البيت الأبيض افترض سلفاً أن من سيتعرفون الي موقفه المدافع عن شارون هم بالضرورة أغبياء، أو انهم سيفهمون انه مضطر لاستغبائهم. واقع الأمر ان الادارة الأميركية تصرفت حيال الشعب الفلسطيني وكأنها في السياق الأفغاني، فكما ارسلت الطائرات لقتل الأسري المقيدين في قلعة جانغي افلتت الوحش الشاروني ليقصف كما يشاء.
الأغرب ان باول، صاحب الرؤية اياها، وهو عسكري، قال بالأمس انه لم يرَ بعد نتائج اجراءات السلطة الفلسطينية. والأكيد أنه، مثل شارون وسائر أفراد عصابته، لا يريد نتائج ليتمكن من الاستمرار في ادانة عرفات وسلطته لتبرير الرغبة الاسرائيلية في التخلص منهما. فأي خبير أمني محايد يعرف ان الحصول علي وقف اطلاق النار لا يعتمد فقط علي جهد طرف واحد، وأن التوصل الي نتائج مستحيل اذا ضُربت السلطة واهينت واضعفت فيما هي تضرب في صفوف شعبها. ولا شك ان ضرب السلطة والشعب في آن يعني تعطيل أحد الهدفين، أما السعي الي تحقيقهما معاً فيعني بكلمة: الانتصار لسلطة الاحتلال وتقويتها. فأين باول من رؤيته ؟
ما يحصل اميركياً واسرائيلياً يشكل استثماراً مباشراً في الارهاب، وليس في مكافحته أو اجتثاثه. فالأميركيون يفكرون ويقررون بناء علي الأكاذيب الاسرائيلية، ويرفضون الاعتراف بالحقائق كما هي علي الأرض. اسرائيل تخدع الولايات المتحدة لتحمي حالة الاحتلال ومكاسبها، والولايات المتحدة تخدع العرب بقليل من الكلام والنيات الحسنة ثم تستغرب ردود الفعل العربية حين تنكشف الخدعة. مهما حصل، اذا كان الهدف اقامة سلام لا يمكن أن يتوقع الأميركيون من العرب ان يعترفوا بأي شرعية للاحتلال. وإذا كانت اميركا تعترف فعلاً بأن المسألة تتعلق بشعب يعاني ارهاب الاحتلال ووحشيته، فإن الخروج من المأزق الراهن لا يكون بتصفية الرئيس الفلسطيني لتنصيب آلة قتل بوليسية بديلاً منه(الحياة اللندنية)
التعليقات