ازولاي
حاوره أحمد نجيم: أندريه أزولاي واحد من أهم رجالات العاهل المغربي محمد السادس في الميدان الاقتصادي. اشتغل مع العاهل الراحل الحسن الثاني كمستشار اقتصادي، منذ التسعينات. خبرته وتجربته الطويلة في قطاعي المال والصحافة خولته&بلوغ هذا المنصب ذو الأهمية الكبيرة. وراء نجاحات هذا الرجل، أسباب كثيرة. إيلاف تسافر بزوارها إلى بعض من جوانب حياة أندري أزولاي الإنسان. يتحدث عن مدينته-معشوقته الصويرة، وما قدمته له، لذا لن يستغرب
الزائر بتعلقه الكبير بها. كما يتحدث عن أمه-المولدة بفخر واعتزاز وعن أبيه الموظف البسيط. يسافر بزوار إيلاف إلي باريس ومهامه كمدير لواحد من أهم مصارفها، ويتحدث عن تجربته الصحفية. وسر اهتمامه بتنمية مدينة الصويرة عن طريق تراثها الفني والثقافي.
أزولاي يتطرق كذلك لجهوده في تحقيق السلام في الشرق الأوسط-عن طريق جمعية "هوية وحوار"- من أجل قيام دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل، كما يتحدث عن الانتقادات الموجهة إليه من قبل بعض الأسبوعيات المغربية.
- ولدت مدينة جميلة وهي الصويرة، كيف عاش أندري طفولته؟
* يغمرني إحساس بأني كنت جد محظوظ بأن أولد بالصويرة. إنها رحمة من السماء حين ولدت بهذه المدينة.
علمت منذ دقائق فقط أن اليونسكو صنفت هذه المدينة من "التراث العالمي"-يوم الجمعة 14 كانون الثاني 2001-. ذلك يعود إلى ما تزخر به هذه المدينة من قيم إنسانية وحضارية. قيم مبنية على الاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين ساكنتها وإن اختلفوا جنسا أو دينا أو عرقا. بهذه المدينة التي عشت فيها نحس أننا أبناء حي واحد ومن عائلة واحدة.
عائلتي كانت مكونة من طفلين، أبي كان موظفا صغيرا. السلطات الاستعمارية الفرنسية، واعتمادا على قانون فيشي العنصري ضد اليهود اضطهدته وطردته من عمله. في هذه الفترة النازية والفترة "الفيشية" تعاطى للتجارة.
أما أمي فكانت مولدة، أتذكر ذلك باعتزاز لأن على يدها خرج إلى العالم مئات الأطفال، مسلمون ويهود. أطفال ستربطني ببعضهم صداقات في زقاقي وفي مدينتي.
- بعد مرحلة الطفولة في أحياء مدينة الصويرة، هل درست بنفس المدينة أم انتقلت إلى مدن أخرى؟
* للأسف الشديد كان حالي كحال أبناء مدينتي، لا يمكننا أن نستمر في الدراسة بعد فترة التعليم الأساسي.
لحد الآن لا تتوفر في المدينة جامعة. أبناؤها الحاصلون على الباكالوريا والراغبون في إتمام دراستهم الجامعية مجبرون أن يلجأوا لمدن جامعية، وهكذا يضيع على&المدينة أبناءها من جراء هذا.
أثناء دراستي، لم تكن هناك حتى ثانوية، لذا لجأت إلى مدن الجديدة ومراكش والدار البيضاء لإتمام دراستي. ثم بعد ذلك سافرت إلى باريس-مثل الكثير من المغاربة-لإتمام دراستي العليا، ثم عدت للعمل بمدينة الدار البيضاء. صلتي بمدينتي، الصويرة، لم تنقطع أبدا. لم تتأثر بدراستي ولا بطبيعة عملي.
- رغم التعلق بمسقط رأسك فرنسا ستؤثر على مساركم المهني؟
* بالفعل، شكلت فرنسا بالنسبة لي مرحلة جديدة. لاختيار في مركز لتكوين الصحافيين. أتذكر أنني كنت محظوظا ضمن الأربعين شخصا من بين مئات المترشحين لهذه المباراة. عموما كان ذلك الفوج يضم دكاترة في القانون و....
آنذاك كنت قد قضيت أربع سنوات بباريس، وكنت أبلغ العشرين. قبل الصحافة درست العلوم الاقتصادية والعلوم السياسية.
عدت إلى المغرب عام 1963 ، كنت رئيس تحرير يومية باللغة الفرنسية تسمى "ماروك أنفورماسيون-مغرب الأخبار- بتمويل من أحمد بنكيران صاحب المشروع. أن تكون رئيس تحرير في سن الثانية والعشرين، تجربة لن تكون سوى هامة. تجربة لم تعمر طويلا، حيث استنطقت من قبل الأمن.
- لماذا؟
* لأنني كنت مناضلا ملتزما مع أحزاب وتنظيمات شيوعية. كان ذلك منذ 1956 إلى حدود 1967.
- كنت دائما مع اليسار؟
* أعتبر نفسي دائما من أسرة اليسار.
- القلب مازال مع اليسار؟
* حتى فيما أقوم به من مهام، مازال قلبي وعقلي مع اليسار. بيد أن المعارك لم تعد كما كانت عليه سابقا. يبد أني لم أغير أبدا مرجعيتي الفكرية.
- بعد مشروع جريدة "مغرب الأخبار" باللغة الفرنسية، عدتم إلى فرنسا؟
* الجريدة التي كنت أشرف على تحريرها منعت، ربما كان ما ينشر سابق لأوانه، لذا فهمت أنه من الأحسن العودة إلى فرنسا. ثم بدأت حياتي في القطاع البنكي منذ 1967 حتى 1990 ببنك Paris-Bas. بدأت مشواري كملحق بسيط للإدارة وتمكنت بعد سنين من العمل من تولي الإدارة العامة.

- لماذا الانتقال من عالم الصحافة إلى عالم المال؟
* لم يكن هناك انتقال كبير لكوني حاصل على شهادة في الصحافة وفي الاقتصاد.
بموازاة مهامك التسييرية في القطاع البنكي، كنت مهتما بالعمل في قطاع الجمعيات. أسست العام 1974 جمعية "هوية وحوار" باريس. جمعية شبابية يهودية تضم مثقفين. كانت الجمعية الوحيدة في العالم الملتزمة من أجل قيام دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل.
- آنذاك هل كان من السهل الدعوة إلى هذا الاتجاه؟
* لا لم يكن الأمر هينا، كانت دعوتها محط انتقادات كثيرة ومن كلا الطرفين. من وجهة نظر الإسرائيليين كنا رجالات ومخبري منظمة التحرير الفلسطينية، ومن وجهة نظر الفلسطينيين كنا رجالات الموساد.
كنا آنذاك دعاة سلام وحيدون، شاركنا-كجمعية- في مفاوضات السلام، إلى جانب السياسيين.
كان ينسق معي ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لشبونة البرتغالية وأحد المقربين من أبي مازن عصام الصرطاوي. وعن طريق هذا الأخير تعرفت على أبي مازن.
أقول لك شيئا، لست يهوديا انطلاقا من الدم الذي يجري في عروقي، لكنني يهودي عندما تتحقق الحرية والكرامة لي ولمن يجلس أمامي، طالما أن الفلسطيني ليس حرا ولا يتمتع بكرامته، فلست يهوديا.
- كيف بدأت العلاقة بينكم وبين العاهل الراحل الحسن الثاني؟
* بعد منع الجريدة وعودتي إلى باريس واشتغالي في القطاع البنكي، بدأت علاقتي بالملك الراحل الحسن الثاني. كنت مسؤولا بالبنك عن إفريقيا الشمالية، وآنذاك بدأ بالتعرف علي وبما أقوم به من أجل القضية الفلسطينية. كان ذلك في العام 1974.
- سيعرض عليكم منصب للعودة إلى المغرب؟
* عرض علي العودة إلى المغرب كرئيس لبنك. لكني ترددت، اعتبرت أن الوقت لم يحن بعد.
- كنت مديرا عاما لتلك المؤسسة البنكية الباريسية، وعرض عليكم منصب، هذه المرة، مستشار اقتصادي للعاهل المغربي، ألم يكن هناك تردد، كما في السابق، من قبلكم لقبول منصب المستشار؟
* لم أتردد لأنه مع توالي السنين والأيام اكتشفت عمق تحليل العاهل الراحل الحسن الثاني للوضعية العامة في المملكة، اكتشفت صواب لأفكاره هذه. تحليلات أكثر نضجا. سعيد أن أشتغل مع العاهل المغربي، وأنا أعترف بنفاذ بصيرته، كما يحتفظ له التاريخ. كانت سياسته هي الأحسن، وكنت أنا المخطئ فيما كنت لأتبناه.
- مثل ماذا؟
* منع رحمه الله الحزب الوحيد عام 1961 وبأفكاري اليسارية كنت مع الحزب الوحيد، فهو من كان محقا وأنا من كان تقديره خاطئا. كان مع تطبيق سياسة اقتصاد ليبرالي، وكنت مع اقتصاد تحتكره الدولة، فهو من كانت له رؤية مستقبلية وليس أنا.
نقاط مثل هذه هي المهمة، من حسن الحظ أنه كان مسؤول عن تسيير الدولة.
- أعود لمدينة الصويرة، إن لها مكانة مهمة في حياتك، وكان أن حاولت أن ترد لها بعض الجميل، من خلال مهرجانات وتظاهرات ثقافية غدت ذات إشعاع عالمي. سبق وأن قلتم أن المدينة تعيش في قسم الإنعاش، هل خرجت من هذا القسم-بفضل الثقافة-؟
* المدينة كانت في طريقها إلى الانقراض، لذا تعبأ أبناء المدينة لإنقادها ولحمايتها, تحركنا لهدف وحيد وواحد هو إنقاذها وإنقاذ ما تمثله. العمل بدأ بتأسيس جمعية الصويرة موكادر التي كانت وراء الدعوة لاعتبار الصويرة تراثا عالميا من قبل "اليونسيف" العام 1991 ولم تقبل إلا يوم الجمعة 14 كانون الثاني (يناير) 2001 . في مرحلة متقدمة-1996-سينظم أول مهرجان للصويرة. المدينة عرفت تحركا مهما للمجتمع المدني، فاليوم ينشط فيها 123 جمعية.
اليوم، تقدمنا وأخرجنا المدينة من قسم الإنعاش، لكنها لم تتماثل لشفاء بعد، مازال هناك أشياء يتوجب القيام بها. المدينة تفتقد إلى جامعة، إلى مرافق.& الصويرة هي المدينة التي ظلت الدولة تقدم لها أقل نسبة من الدعم المالي في المغرب منذ أربعين سنة، لا أعرف السبب.&
- الاهتمام بالموسيقى من خلال مهرجان كناوة، هل له علاقة شخصية بينك وبين الموسيقى؟
* أظن أن تنمية مدن كالصويرة يتم أولا عن طريق الثقافة. الثقافة، قد تكون عامل تنمية، مع الحفاظ على تراثها وخصوصيتها. لذا فللصويرة ثلاثة مهرجانات: مهرجان الصويرة كناوة-مهرجان الموسيقى الكلاسيكية، الذي تنظمه جمعية ليزاليزي-ثم ستنطلق الدورة الأولى من مهرجان الموسيقى الأندلسية. الصويرة ستعرف كذلك كرنفالها، انطلاقا من هذه السنة. كرنفال تتم من خلاله تنظيم معارك بين قبيلتي بني عطار والشبانات. زقاقا المدينة تحول، مدة أسبوع، إلى ساحة معركة سلاحها الشعر والغناء والملابس والألوان. وهنا أسماء كالطيب الصديقي-مسرحي مغربي- يشتغل معنا في هذا المشروع.
- غالبية سكان الصويرة يرسمون ويهتمون بالتشكيل. شخصيا هل تمارسون التشكيل؟
* لا أمارس التشكيل، لكنني أعزف الموسيقى. أعزف على آلة العود والكمان. لكنني أشعر بمتعة ونشوة خاصتين وأنا أستمع للموسيقى. لموسيقى أم كلثوم بنفس المتعة وأنا أستمع لموسيقى كلاسيكية. أستمتع بسماع طرب الآلة كذلك. بالنسبة لي الموسيقى تراث عالمي.
- تربطك بالسينما علاقة خاصة كذلك؟
* الصويرة مدينة سينمائية، هنا صور أولسن ويلس رائعته "عطيل". ولقد كنت من بين الممثلين في هذا الفيلم. كنت طفلا، ولمدة ثلاثة أشهر لعبت دورا يتناسب مع سني"ألباربيي". كانوا يوزعون علينا-نحن أطفال المدارس- الشوكولا.
- صحف إسبانية حملتكم مسؤولية التصعيد في العلاقات المغربية الإسبانية وقالت أنكم تعيقون التعاون المغربي الإسباني لصالح علاقة متميزة بين المغرب وإسبانيا؟
* لا معنى لهذه الانتقادات على أرض الواقع، فما أقوم به هو ما يمليه علي عملي وواجبي فقط. ربما تقول بعض صحف فرنسية أو أمريكية غدا أنني اعمل&لصالح علاقة مغربية إسبانية على حساب العلاقة المغربية الفرنسية.
- هل هو المنصب الذي تتولونه ما يعرضكم لنقد وانتقاد قد يكون حادا؟
* في منصبي الذي أشغله، وكشخصية تعمل في الشأن العام، أعتقد أن انتقادي أمر عادي، إنه جزء من منصبي هذا، لكن ما لا يقبله أي شخص هو أن يصبح الانتقاد اعتباطيا أوعنصريا أوشخصيا.
- هل تعتقد أن بعض الجرائد الأسبوعية، كـ"دومان" تمارس نوعا من الانتقاد الاعتباطي. وهل هناك علاقة ما مع مدير نشر هذه الأسبوعية؟
* السي علي لمرابط لم يسبق له أن رآني، ولم أره قط. لم يسبق أن اتصل بي مستفسرا عن خبر سينشره ويهمني. صراحة، الصحافة التي تعلمتها كانت تبحث عن الخبر وتتقصى الحقيقة.