ان كان السؤال هو هل اقصاء صدام عن الرئاسة عمل سيثير غضب الحكومات العربية وثورة شعوب المنطقة، فان الاجابة الحقيقية عليه هي لا. ان احدا لن يذرف دمعة واحدة، لكن القلق دائما ان العمل لا يرقى الى الوعد فلا يخرج النظام وتبقى المأساة كما هي.
والذي لوح بعصا الرأي العام العربي أذكرّه بأن هذا الرأي نفسه انصرف عن مساندة بن لادن الى مشاهدة مسلسل "الحاج متولي" التلفزيوني في ليالي شهر رمضان التي توعدوا بأنها ستكون ساخنة.
ان احدا لا يستطيع ان يمد حبل النجاة للنظام العراقي لسبب تافه وهو أنه نفسه لا يدع احدا يساعده، والسنوات العشر الماضية حافلة بالادلة والبراهين على عجز المشفقين عليه والمتآمرين معه والمحايدين النزيهين والانتهازين ايضا، عن مساعدته، لأنه عاجز عن اتخاذ اي خطوات ايجابية الى الامام. ولعل ما حدث خلال هذه الازمة الخطيرة جدا كونها تستهدف النظام العراقي، اعظم دليل على فشله في فهم العالم من حوله وفهم مصالحه المباشرة. وسأضرب مثلا واحدا يوضح لماذا لن تحتاج حتى التماسيح الى دموع تذرفها عليه. فعندما انطلقت الدعوات من داخل واشنطن تهيئ لضرب العراق في الحملة العسكرية ضد الارهاب، وتعلن انها ستسقط النظام هذه المرة كما اسقطت حكم طالبان، كان اهم ما قيل دفاعا عن النظام العراقي، لم يصدر عن حلفائه التقليديين بل عن رئيس الاستخبارات السعودي السابق الامير تركي الفيصل. قال فيه ان العراق لا علاقة له بتنظيم "القاعدة" ولا برئيسها بن لادن، وان العراق بريء من الهجمات التي اصابت نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر. واوضح ان "القاعدة" لا تعتبر صدام مسلما، وإلى درجة انه قال ان الذين يريدون تصديق ان العراق مسؤول في احداث الهجمات هم الذين يريدون ذريعة لضربه. ولم ينشر كلامه هذا في مطبوعة عربية لارضاء بغداد بل نشره في "النيويورك تايمز" التي لا يمكن ان تغفل عينا البيت الابيض عن قراءتها.
قد تسأل ماذا كان رد الجميل من حكومة بغداد على هذا الموقف غير العادي، بل التصريح الوحيد الذي قيل في الغرب دفاعا عنها من طرف ليس صديقا لها؟ الرد جاء على لسان نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان في مقابلة تلفزيونية ذم فيها السعوديين بكل الصفات السيئة.
صدم كلام رمضان الكثيرين لكنه لم يكن مفاجئا للعارفين به، فهذا هو النظام العراقي الذي لا مفر من الاعتراف بأنه عاجز عن تغيير طبائعه السيئة او احترام الحد الادنى في العلاقات. وفي تصوري انه متى ما عزم الاميركيون على إقصاء النظام او رأسه كما فعلوا مع طالبان، فإننا سنرى انقلابا في مواقف كثير من الذين يشقون جيوبهم خوفا عليه.
مشكلة الحكومة العراقية انها لا تستطيع ان تتبدل في دعمها للارهاب، بدليل ما تحاول فعله في المناطق الكردية، ولن توقف تهديدها لجيرانها، بدليل انها اطلقت صواريخ على الكويت قبل ايام من احداث سبتمبر، ولن تشكر من يسعى لإنصافها، بدليل ان ياسين رمضان ذم السعودية في نفس الاسبوع الذي دافع فيه الامير تركي عن العراق. هناك شعور عام شاع في العالم العربي، هو انه اذا كان خروج النظام سيعني نهاية ازمة المنطقة ونهاية مأساة العراقيين على غرار ما حدث للافغان بعد سقوط طالبان، فليكن الامر كذلك في بغداد. لم يعد على العراق الا ان يدرك انه استنفد كل اسلحته ورشاويه واصدقائه ولم يعد له الا ان يغير اسلوبه قبل ان يجمع الجميع على ان يتغير وجوده.(الشرق الأوسط اللندنية)