&
عبد الرحمن الراشد
لم يكن ما قاله وزير المالية السعودي من ان عجز هذا العام، وهو عجز اصبح يصيب الميزانية كل عام، سيسدد بالاقتراض من الداخل، قولا يدعو للطمأنينة. فالدين دين أياً كان المقرض من داخل البيت او من خارج الحي، فإنه لن يعفى صاحبه من تسديده. والمشكلة في دولة مثل السعودية، ومثلها الدول العربية النشطة اقتصاديا، انها منذ ان دخلت نفق الاقتراض وهي من عجز الى عجز حتى بتنا لا نعرف حقيقة حجم الدين العام، وهذه قضية تقلقنا جميعا لأنها تمثل الخطر الحقيقي على مستقبل البلاد وأجيالها المقبلة.
فمأساة الارجنتين وليدة أزمة اقتصادية فقط حيث لم يشتك احد من المتظاهرين الا من تدهور المعيشة مع انه يشهد للحكومة بالانضباط الاداري. وهذا ما سيواجه حكوماتنا العربية التي تراكمت ديونها الخارجية فوق المائة والسبعين مليار دولار، كما يقول صندوق النقد العربي، وديونها المحلية تجاوزت المائتي مليار دولار، وهذا ما يبرر للبنانيين خوفهم من غول الدين المتراكم اكثر من كل القضايا السياسية مجتمعة، ومهما قلت لهم انظروا الى بيروت كيف تغيرت واصبحت مدينة عظيمة في ظرف زمني قصير فانهم يقولون لك ومن سيدفع هذا الدين الاكثر تعاظما. ومشكلة مصر ايضا كبيرة، فسبق ان حققت فعلا معجزة قبل عقد عندما خرجت من ركام سوق شبه منهارة الى وضع منتعش، وتمكنت حتى منتصف العقد الماضي من التخلص من معظم ديونها بالحنكة السياسية والمهارة الاقتصادية معا، لكن ها هي مؤشرات الديون تعاود الارتفاع وثمن الجنيه يسارع الى الانخفاض.
مشكلة حكوماتنا انها عاجزة عن ضبط النمو السكاني وعاجزة عن زيادة مداخيلها، فالمواليد في ازدياد كالارانب بما لا مثيل له في العالم لأسباب دينية واجتماعية. وكل مولود جديد دين جديد، فمن اين لهذه الحكومات المال لتطبيبه وتعليمه وتوظيفه وحفظ امنه وهي عاجزة عن تنمية مداخيلها؟ لا نرى دخولا جديدة، ولا ترغب الحكومات في الحد من نمو السكان، ولا تريد ان تغير مناهج التعليم وتوجهاته، وبالتالي لا يوجد من يرحب بها سوى المصارف بالاستدانة وتراكم الديون واستمرار العجز. ان سعر البترول لن يعود الى حلم الرقم الخرافي القديم، اي فوق الاربعين دولارا وسنكون سعداء جدا لو حافظ على نصفه، وعدد السكان لن يهبط الى ما كان عليه قبل عشرين عاما اي النصف تقريبا، وبالتالي كيف يمكن انجاز مهمتين صعبتين إن لم تكونا مستحيلتين; تسديد الديون وتسديد النفقات العامة؟ هذا مؤلم بالنسبة للدول التي تملك نفطا والحال عند الدول العربية الاخرى اكثر ايلاما وخطورة.
وعندما ترتفع الشكوى فمن السهل تقديم اصلاحات سياسية، لكن اذا كانت الشكوى مالية، كما رأينا في الارجنتين، فليست هناك من حيلة لتلافي دفع الديون الا باستحداث وتحسين ادوات الانتاج المحلية. وهذه مطالب باتت ملحة اليوم على السعودية وبقية الدول العربية ان تجعلها اهم من كل القضايا السياسية والادارية الاخرى.
&
(عن "الشرق الاوسط" اللندنية)