&
ايلاهي ميريل وهرفي رواش: حدث تاريخي. تلك العبارة تبدو محتومة لوصف الخطوة الحاسمة التي تقدم عليها اثنتا عشرة دولة من الاتحاد الاوروبي في منتصف ليل اليوم الاثنين اذ تبدأ التداول بالعملة ذاتها "اليورو"، رمز الوحدة في قارة مزقتها حروب طويلة.
&تجسد هذه العملة الوحيدة حلما راود مؤسسي القارة الأوروبية الذين رأوا غداة الحرب العالمية الثانية في توحيدها السبيل الوحيد لتجنب خلافات جديدة.
&وبانتشار القطع النقدية والأوراق المالية باليورو في منتصف ليل الاثنين، تصبح هذه العملة الوحيدة مألوفة، يومية ونهائية بعد ان ظلت طوال سنتين بعد ولادتها في الأول من كانون الثاني (يناير) 1999، حقيقة مجردة بالنسبة للمواطنين الثلاثمائة والأربعة ملايين الذين يتقاسمونها.
&والهدف من هذه الثورة النقدية الهائلة والأولى من نوعها والتي تجسدت في توزيع الأوراق النقدية الجديدة المتعددة الألوان والمتشابهة، إعطاء دفع جديد للاتحاد الاوروبي وتعزيز شعور الهوية والانتماء إلى مجموعة واحدة، من اجل المضي ابعد من التبادل الحر الاوروبي.
&ووصف المستشار الألماني السابق هلموت كول هذا الشعور قائلا "ان توحيد أوروبا لم يصبح في نظري وفي نظر العديد ممن رافقوني في هذه المعركة، عملية لا رجوع عنها الا مع اعتماد عملة موحدة".
&وسيكون سكان جزيرة لا ريونيون الفرنسية الصغيرة وجزيرة مايوت الفرنسية في ارخبيل القمر بحسب التوقيت المحلي أول من يباشر التعامل باليورو في الساعة20:00 بتوقيت غرينتش يوم الاثنين، قبل ان تطرح العملة الجديدة بعد ساعة في القسم الأكبر من منطقة يورو.
&وسيتم توزيع اكثر من 15 مليار ورقة مالية و50 مليار قطعة نقدية في أوروبا، على ان يتم إلغاء العملات الوطنية كليا في غضون شهرين. وستنظم احتفالات في منتصف الليل في مناطق عدة مثل بروكسل وفرانكفورت وماستريخت حيث بدأت المغامرة عام 1991 مع إبرام معاهدة الوحدة الأوروبية.
&قد لا يكون اليورو في الوقت الراهن سوى الشجرة التي تخفي الغابة، الإنجاز الاستثنائي الذي يحجب الضياع الكبير المسيطر على قادة مترددين ومنقسمين حول مستقبل المشروع الاوروبي.
&الا انه اتاح إنشاء البنك المركزي الاوروبي، المؤسسة الفدرالية الوحيدة التي تخلت لها الدول عن سيادتها النقدية.
&وسيتمكن الأوروبيون اخيرا ليل الاثنين الثلاثاء من التداول بالعملة الجديدة. وستؤمن الغالبية الكبرى من آلات توزيع النقود ذخائر لهذه الثورة النقدية منذ الساعات الأولى من العام الجديد.
&ويمثل الأمر تحديا كبيرا بالنسبة للتجار والمصارف. فسيتحتم على الأوائل ان يردوا النقود للزبائن باليورو ابتداء من الثلاثاء، في حين ستقوم الثانية بصرف وجمع مليارات الأوراق المالية.
&والتداول باليورو هو النتيجة المنطقية للسوق المشتركة. فإزالة الحواجز الجمركية والتداول الحر للبضائع كانا يستلزمان إنهاء التنافس النقدي بين الدول. والاقتصاد هو الذي أتاح منذ نصف قرن المضي في بناء أوروبا بواقعية وروح عملية.
&واضحت الضرورة واقعا خلال العام 1990، حين وافقت ألمانيا الموحدة على التخلي عن المارك مقابل انضمامها إلى أوروبا.
&ودفع الأوروبيون غاليا في التسعينات ثمن انضمامهم إلى العملة الموحدة، فامتثلوا لضرورات موازنة صارمة وتحملوا زيادات كبيرة في الضرائب.
&غير ان هذه العملة الجديدة أظهرت منافعها منذ ولادتها اذ سلحت الأوروبيين ضد الأزمات المالية، ولا سيما خلال العام 2001، حيث شهد الاقتصاد العالمي انكماشا ناتجا عن تباطؤ الاقتصاد الأميركي، زادت من حدته اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر).
&غير ان اليورو، وسط العولمة التي حولت الكوكب برمته الى قرية كبرى، لا يمكنه ان يحمي أوروبا تماما من الانكماش الذي يطرق ايضا ابوابها.
التعليقات