&
لو اخرجت فيلما عن الصراع العربي ـ الاسرائيلي اليوم، لسميته "عشر حروب وجنازة واحدة"، وذلك لأن المشكلة الكبرى في حل النزاع، هي ان هناك عشر حروب، على الاقل، تشن جميعا في نفس الوقت حول هذا النزاع، ولن تكون لدينا اية فرصة مهما كانت ضئيلة في ايجاد حل له، اذا لم نخفض هذه الحروب الى حرب واحدة فقط، ودعونا نستعرض قائمة الحروب: تقاتل اغلبية الاسرائيليين من اجل حق الدولة اليهودية في الوجود في الشرق الاوسط، وفقا للحدود التي كانت قائمة عام 1967، على وجه التقريب. ولكن هناك اقلية داخل اسرائيل تريد دولة يهودية بحدود عام 1967ودولة يهودية اخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتقف دليلا باهرا على ذلك الاعيب بنيامين نتنياهو في مؤتمر حزب الليكود الاخير، عندما حاول خدمة اغراضه السياسية واحراج رئيس الوزراء ارييل شارون، باقناع النواة المعتوهة في حزب الليكود برفض قيام اية دولة فلسطينية في الضفة الغربية. عمدا ومع سبق الاصرار، يحاول هؤلاء اليمينيون والمستوطنون، ان يدمغوا أية مقاومة يبديها الفلسطينيون للاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية، بأنها نوع من "الارهاب"، وذلك حتى يقنعوا الولايات المتحدة بدعم الاحتلال الاسرائيلي الممتد للاراضي الفلسطينية، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الحرب ضد الارهاب.
ونجد الظاهرة نفسها داخل ادارة بوش. وزارة الخارجية تنظر الى الحرب الدائرة في الشرق الاوسط كحرب حول حدود اسرائيل قبل حرب 1967، وتركز على الآليات الدبلوماسية "لحل النزاعات" التي ترمي، في النهاية، الى اعطاء الارض مقابل السلام. اما في البنتاغون، فالرأي السائد هو ان ياسر عرفات ليس مختلفا عن اسامة بن لادن، وان الزعماء العرب الآخرين لا يستحقون غير الاحتقار. وينظر البنتاغون الى الحرب الاسرائيلية لسحق عرفات كامتداد لحرب الولايات المتحدة ضد الارهاب، ويعتقد ان كل ما يمكن ان تفعله ازاء العرب والاسرائيليين هو "ادارة الازمة" وليس حلها.
يجد هذا الرأي دعما له في حقيقة ان الفلسطينيين يخوضون حربين. نعم، يقاتل كثير من الفلسطينيين، فقط، لاخراج اسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، حتى يتمكنوا من اقامة دولة لهم في هذه الاراضي. وهذا لا يعني انهم يعترفون بشرعية الدولة اليهودية داخل الحدود السابقة لحرب 1967، ولكن لانهم يعرفون، تماما، انهم لا يملكون القوة لتدميرها. ولكن بعض الفلسطينيين، ومن ضمنهم عرفات، لم يتخلوا عن الامل في تأسيس دولة فلسطينية بالضفة الغربية وغزة، عن طريق الدبلوماسية والنضال المسلح، وتأسيس دولة فلسطينية في المستقبل، داخل حدود اسرائيل قبل حرب 67، عن طريق التكاثر السكاني، وضمان حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين. لا تظهر اسرائيل على كثير من الخرائط التي يستخدمها عرفات. ولذلك دعونا نضع حدا للهراء الذي يقول ان كل الفلسطينيين لا يريدون شيئا غير "نهاية الاحتلال الاسرائيلي"، فلكم تمنيت ان يكون ذلك صحيحا.
الشيء نفسه يقال عن العرب. فالدول العربية يدعي جميعها ان كل ما تريده هو انسحاب اسرائيل الى حدود 67، ولكن كل من يطالع وسائل اعلامهم الرسمية، التي تنفث، دون انقطاع، مقالات تقارن اسرائيل بالمانيا النازية، وتمجد الفتيات الفلسطينيات اللائي يفجرن انفسهن وسط المواطنين الاسرائيليين في تل ابيب، لا يمكن ان يطمئن الى ان مشكلتهم الوحيدة هي الاحتلال الاسرائيلي، وليس حق الدولة اليهودية في الوجود ضمن بلدان الشرق الاوسط.
ويقال هذا وذاك عن الاوروبيين. صحيح ان كثيرا من الاوروبيين يريدون فقط انهاء الاحتلال الاسرائيلي، ولكن نزعة معاداة السامية التي تنبعث من اوروبا هذه الايام، تدل دلالة واضحة على ان بعض الاوروبيين يريدون، في اعمق اعماقهم، شيئا اخر. انهم يريدون ان يرتكب شارون مجزرة ضد الفلسطينيين، او يريدون ان يصفوا ما قام به في جنين بانه مذبحة، حتى يتخلصوا نهائيا من عقدة الذنب التي وضعتها على اكتافهم المحرقة، وحتى يتمكنوا من الصياح باعلى اصواتهم: "انظروا الى هؤلاء اليهود، انهم اسوأ منا بكثير".
حضرت مؤخرا مؤتمرا إعلاميا عربيا، وكنت على المنصة مع اريك رولو، مراسل صحيفة "لوموند" في الشرق الاوسط. وقال لي رولو انه تحدث مؤخرا مع بعض الجنرالات الفرنسيين، الذين علقوا على ما فعلته اسرائيل في جنين، بأنه اسوأ من أي عمل اقدمت عليه فرنسا في حرب الجزائر. مات في تلك الحرب مليون جزائري وصار مليونان بلا مأوى. واكتشفت حتى الان 60 جثة في جنين، كثيرون منهم كانوا مقاتلين. وليجر من يشاء مقارناته الحسابية.
صراحة، انا اشعر بالسعادة لان الرئيس بوش صار يلعب دورا اكبر في عملية السلام في الشرق الاوسط. ولكنه لن يصل الى اية نتيجة اذا لم يقنع الاطراف المختلفة، بما فيها مساعدوه، بالتخلي عن كل الحروب التي يخوضونها، وان يبلغوا شعوبهم، وان يقولوا لبعضهم البعض ان هناك حربا واحدة باقية، هي الحرب حول ترسيم الحدود بين الدولة اليهودية والدولة الفلسطينية. وكل من يواصل خوض حرب اخرى فانما هو عدو للسلام وعدو للمصالح القومية للولايات المتحدة.(عن "الشرق الأوسط" اللندنية)
ونجد الظاهرة نفسها داخل ادارة بوش. وزارة الخارجية تنظر الى الحرب الدائرة في الشرق الاوسط كحرب حول حدود اسرائيل قبل حرب 1967، وتركز على الآليات الدبلوماسية "لحل النزاعات" التي ترمي، في النهاية، الى اعطاء الارض مقابل السلام. اما في البنتاغون، فالرأي السائد هو ان ياسر عرفات ليس مختلفا عن اسامة بن لادن، وان الزعماء العرب الآخرين لا يستحقون غير الاحتقار. وينظر البنتاغون الى الحرب الاسرائيلية لسحق عرفات كامتداد لحرب الولايات المتحدة ضد الارهاب، ويعتقد ان كل ما يمكن ان تفعله ازاء العرب والاسرائيليين هو "ادارة الازمة" وليس حلها.
يجد هذا الرأي دعما له في حقيقة ان الفلسطينيين يخوضون حربين. نعم، يقاتل كثير من الفلسطينيين، فقط، لاخراج اسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، حتى يتمكنوا من اقامة دولة لهم في هذه الاراضي. وهذا لا يعني انهم يعترفون بشرعية الدولة اليهودية داخل الحدود السابقة لحرب 1967، ولكن لانهم يعرفون، تماما، انهم لا يملكون القوة لتدميرها. ولكن بعض الفلسطينيين، ومن ضمنهم عرفات، لم يتخلوا عن الامل في تأسيس دولة فلسطينية بالضفة الغربية وغزة، عن طريق الدبلوماسية والنضال المسلح، وتأسيس دولة فلسطينية في المستقبل، داخل حدود اسرائيل قبل حرب 67، عن طريق التكاثر السكاني، وضمان حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين. لا تظهر اسرائيل على كثير من الخرائط التي يستخدمها عرفات. ولذلك دعونا نضع حدا للهراء الذي يقول ان كل الفلسطينيين لا يريدون شيئا غير "نهاية الاحتلال الاسرائيلي"، فلكم تمنيت ان يكون ذلك صحيحا.
الشيء نفسه يقال عن العرب. فالدول العربية يدعي جميعها ان كل ما تريده هو انسحاب اسرائيل الى حدود 67، ولكن كل من يطالع وسائل اعلامهم الرسمية، التي تنفث، دون انقطاع، مقالات تقارن اسرائيل بالمانيا النازية، وتمجد الفتيات الفلسطينيات اللائي يفجرن انفسهن وسط المواطنين الاسرائيليين في تل ابيب، لا يمكن ان يطمئن الى ان مشكلتهم الوحيدة هي الاحتلال الاسرائيلي، وليس حق الدولة اليهودية في الوجود ضمن بلدان الشرق الاوسط.
ويقال هذا وذاك عن الاوروبيين. صحيح ان كثيرا من الاوروبيين يريدون فقط انهاء الاحتلال الاسرائيلي، ولكن نزعة معاداة السامية التي تنبعث من اوروبا هذه الايام، تدل دلالة واضحة على ان بعض الاوروبيين يريدون، في اعمق اعماقهم، شيئا اخر. انهم يريدون ان يرتكب شارون مجزرة ضد الفلسطينيين، او يريدون ان يصفوا ما قام به في جنين بانه مذبحة، حتى يتخلصوا نهائيا من عقدة الذنب التي وضعتها على اكتافهم المحرقة، وحتى يتمكنوا من الصياح باعلى اصواتهم: "انظروا الى هؤلاء اليهود، انهم اسوأ منا بكثير".
حضرت مؤخرا مؤتمرا إعلاميا عربيا، وكنت على المنصة مع اريك رولو، مراسل صحيفة "لوموند" في الشرق الاوسط. وقال لي رولو انه تحدث مؤخرا مع بعض الجنرالات الفرنسيين، الذين علقوا على ما فعلته اسرائيل في جنين، بأنه اسوأ من أي عمل اقدمت عليه فرنسا في حرب الجزائر. مات في تلك الحرب مليون جزائري وصار مليونان بلا مأوى. واكتشفت حتى الان 60 جثة في جنين، كثيرون منهم كانوا مقاتلين. وليجر من يشاء مقارناته الحسابية.
صراحة، انا اشعر بالسعادة لان الرئيس بوش صار يلعب دورا اكبر في عملية السلام في الشرق الاوسط. ولكنه لن يصل الى اية نتيجة اذا لم يقنع الاطراف المختلفة، بما فيها مساعدوه، بالتخلي عن كل الحروب التي يخوضونها، وان يبلغوا شعوبهم، وان يقولوا لبعضهم البعض ان هناك حربا واحدة باقية، هي الحرب حول ترسيم الحدود بين الدولة اليهودية والدولة الفلسطينية. وكل من يواصل خوض حرب اخرى فانما هو عدو للسلام وعدو للمصالح القومية للولايات المتحدة.(عن "الشرق الأوسط" اللندنية)
توماس فريدمان: صحافي وكاتب اميركي ـ خدمة "نيويورك تايمز" ـ خاص بـ "الشرق الاوسط".
التعليقات