&
في شهر حزيران من سنة 1860، ولد سعد زغلول في مصر. وفي شهر حزيران من هذا العام 2002، تمر الذكرى المئة واثنتين وأربعين عاما على ولادة <<أب المصريين>> سعد باشا زغلول.
وبالفعل، كم كان هربرت ماركوز على حق عندما قال أن <<من الضروري ان نجعل الغائب حاضرا، لأن القدر الأكبر من الحقيقة يكمن فيما هو غائب>>. وهذا ما ينطبق بشكل كبير على الزعيمين: سعد زغلول وسلطان الأطرش، اللذين جسدا بنضالهما وتفانيهما استحالة المستحيل في قاموس الكفاح الحق ضد الظلم والاستعمار، باعتبار ان للاستعمار وجها واحدا وطبيعة واحدة مهما تغيرت الأماكن وتعددت الأسماء... ومن هذا القبيل كان الاستعمار البريطاني في مصر، والاستعمار الفرنسي في سوريا تحت غطاء إسمه: الانتداب.
لكن الله قيض لمصر في تلك الفترة <<سعدها>> (سعد زغلول)، كما قيض لسوريا <<سلطانها>> (سلطان الأطرش)، اللذين رضعا الوطنية والعروبة من حليب الانسانية الحقة... ولأن للوطنية وللعروبة وللإنسانية مفهوما واحدا (وليس اكثر من مفهوم)، فقد التقيا في النضال والكفاح والكرامة، كل من موقعه وجغرافيته، من دون ان تسمح لهما الظروف بأن يلتقيا شخصيا وجها لوجه، فأنصفهما <<التاريخ>> بلقائهما في صفحاته.
من هذا المنطلق، لا نستغرب مقارعة سعد زغلول لمساوئ الاستعمار البريطاني في مصر.
كذلك الحال بالنسبة لسلطان الأطرش، حيث لا نستغرب مقارعته لمساوئ الاستعمار الفرنسي في سوريا كقائد عام للثورة السورية الكبرى .
وهكذا ذاب سعد زغلول وسلطان الاطرش في قضية وطنية قومية واحدة، جوهرها الحرية وهدفها الاستقلال، فذابت القضية فيهما، وتوحدا بالوطن فتوحد الوطن فيهما.
والواقع ان قليلين جدا في الوطن العربي هم الذين يعرفون ان وحدة النضال ووحدة القضية والكرامة بين هذين الرجلين تجسدت في رسائل تاريخية. وليست رسالة سعد زغلول الى سلطان الأطرش في 20 كانون الاول 1925 إلا الدليل الحي على ذلك.
وهذا هو النص الحرفي للرسالة:
<<من الزعيم المصري سعد باشا زغلول
الى المجاهد العربي الكبير
سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى
سِر على بركات الله ايها الرفيق، فإذا لم تقدر لك الخونة. خونة الوطن. هذه الوثبة العظيمة حق قدرها. فستقدرها الأجيال ويسجله لك التاريخ يا سلطان الشهامة والمروءة... مهما وصموا رايتك وغايتك المقدسة ومهما لوثوا خطتك الشريفة. ومهما تكهنوا في مقاصدك النبيلة. فسلطانك سيكون في القلوب مصورا. كما هو الآن علم البلاد. بني معروف. بني وطني. سيروا الى الأمام لأن يد الله مع الجماعة. والذي سيكون مع الحق والحقيقة لا يغلب. كيف لا يكون بجانبكم النصر وأنتم اصحاب البلاد. وانتم خيرة الأبناء. خيرة الشهامة. خيرة الفرسان. خيرة الخصم الشريف. لا بل أنتم خيرة حماة الوطن. طلبتم السلام والأمان بالشهامة فأجابوكم بالحرب. الحرب لمن يطلب الحرب. ولأجل هذا وذاك فقد نفضتم عنكم غبار الذل وعباءة الاستعمار. ولا زلتم في ميدان الجهاد تحت صليل السيوف. وقذايف المدافع. طالبين الموت في ساحات الوغى شرفاء. بدلا من ان تموتوا في مضاجعكم جبناء. أما وقد غسلتم هذه الإهانة، إهانة المستعمرين. بالدم. بهمة سلطانكم الوطني المتمثل بقول الشاعر العربي: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم.
فانتبهوا الآن. بحقكم أيها الرفاق. رفاق الوطن. وحافظوا جيدا على نفوسكم الغالية. واحقنوا الدماء. دماء الأبرياء والشهداء. مع المحافظة طبعا على حريتكم المقدسة والذود عن استقلالكم المنشود وإذا اردتم ذلك فليكن بدافع ما لكم من الحقوق الوطنية وبقوة اتحادكم وثباتكم وصلابة ارادتكم وعظمة حكمتكم. ناشدين السعد. سعد مصر. (لا استعباد. لا استعمار. لا حماية. لا رقابة. لا تداخل لأحد في شأن من شؤوننا). ثم رددوا وقولوا كما قال... (هذا ما نريد هذا ما لا بد ان نحصل عليه عاجلا او آجلا).
.. وإلى اللقاء يا دعاة الوطنية..
مصر في 20 12 1925 سعد باشا زغلول>>
وانطلاقا من كون الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كان متأثرا جدا بالمناضل سعد زغلول، فقد كان له لقاء بسلطان باشا الأطرش في محافظة السويداء بجبل العرب أثناء الوحدة المصرية السورية، حيث قلده <<أرفع وسام في الجمهورية العربية المتحدة>>، في ذلك الحين.
وهل هناك اعظم من لقاء عظيمين من عظماء العرب في جبل اسمه: <<جبل العرب>>؟
وطوبى لأمة تلد امثال هؤلاء العظماء الذين هم رموزنا. لا يولدون كل يوم، ولا يموتون في اي يوم، والعظمة الصادقة، في النهاية، خلود.
هذا، وإذا كان سهلا على اي محتل او غاصب ان يسلخ انسانا من ارضه ووطنه، فمن الصعوبة جدا ان يتمكن هذا الغاصب المحتل أن يسلخ هذا الوطن من قلب انسانه وشعبه، خصوصا عندما يتوحد القائد بالوطن والوطن بالقائد، كما توحد سعد زغلول وسلطان الأطرش.
كاتب لبناني. (السفير اللبنانية)
وبالفعل، كم كان هربرت ماركوز على حق عندما قال أن <<من الضروري ان نجعل الغائب حاضرا، لأن القدر الأكبر من الحقيقة يكمن فيما هو غائب>>. وهذا ما ينطبق بشكل كبير على الزعيمين: سعد زغلول وسلطان الأطرش، اللذين جسدا بنضالهما وتفانيهما استحالة المستحيل في قاموس الكفاح الحق ضد الظلم والاستعمار، باعتبار ان للاستعمار وجها واحدا وطبيعة واحدة مهما تغيرت الأماكن وتعددت الأسماء... ومن هذا القبيل كان الاستعمار البريطاني في مصر، والاستعمار الفرنسي في سوريا تحت غطاء إسمه: الانتداب.
لكن الله قيض لمصر في تلك الفترة <<سعدها>> (سعد زغلول)، كما قيض لسوريا <<سلطانها>> (سلطان الأطرش)، اللذين رضعا الوطنية والعروبة من حليب الانسانية الحقة... ولأن للوطنية وللعروبة وللإنسانية مفهوما واحدا (وليس اكثر من مفهوم)، فقد التقيا في النضال والكفاح والكرامة، كل من موقعه وجغرافيته، من دون ان تسمح لهما الظروف بأن يلتقيا شخصيا وجها لوجه، فأنصفهما <<التاريخ>> بلقائهما في صفحاته.
من هذا المنطلق، لا نستغرب مقارعة سعد زغلول لمساوئ الاستعمار البريطاني في مصر.
كذلك الحال بالنسبة لسلطان الأطرش، حيث لا نستغرب مقارعته لمساوئ الاستعمار الفرنسي في سوريا كقائد عام للثورة السورية الكبرى .
وهكذا ذاب سعد زغلول وسلطان الاطرش في قضية وطنية قومية واحدة، جوهرها الحرية وهدفها الاستقلال، فذابت القضية فيهما، وتوحدا بالوطن فتوحد الوطن فيهما.
والواقع ان قليلين جدا في الوطن العربي هم الذين يعرفون ان وحدة النضال ووحدة القضية والكرامة بين هذين الرجلين تجسدت في رسائل تاريخية. وليست رسالة سعد زغلول الى سلطان الأطرش في 20 كانون الاول 1925 إلا الدليل الحي على ذلك.
وهذا هو النص الحرفي للرسالة:
<<من الزعيم المصري سعد باشا زغلول
الى المجاهد العربي الكبير
سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى
سِر على بركات الله ايها الرفيق، فإذا لم تقدر لك الخونة. خونة الوطن. هذه الوثبة العظيمة حق قدرها. فستقدرها الأجيال ويسجله لك التاريخ يا سلطان الشهامة والمروءة... مهما وصموا رايتك وغايتك المقدسة ومهما لوثوا خطتك الشريفة. ومهما تكهنوا في مقاصدك النبيلة. فسلطانك سيكون في القلوب مصورا. كما هو الآن علم البلاد. بني معروف. بني وطني. سيروا الى الأمام لأن يد الله مع الجماعة. والذي سيكون مع الحق والحقيقة لا يغلب. كيف لا يكون بجانبكم النصر وأنتم اصحاب البلاد. وانتم خيرة الأبناء. خيرة الشهامة. خيرة الفرسان. خيرة الخصم الشريف. لا بل أنتم خيرة حماة الوطن. طلبتم السلام والأمان بالشهامة فأجابوكم بالحرب. الحرب لمن يطلب الحرب. ولأجل هذا وذاك فقد نفضتم عنكم غبار الذل وعباءة الاستعمار. ولا زلتم في ميدان الجهاد تحت صليل السيوف. وقذايف المدافع. طالبين الموت في ساحات الوغى شرفاء. بدلا من ان تموتوا في مضاجعكم جبناء. أما وقد غسلتم هذه الإهانة، إهانة المستعمرين. بالدم. بهمة سلطانكم الوطني المتمثل بقول الشاعر العربي: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم.
فانتبهوا الآن. بحقكم أيها الرفاق. رفاق الوطن. وحافظوا جيدا على نفوسكم الغالية. واحقنوا الدماء. دماء الأبرياء والشهداء. مع المحافظة طبعا على حريتكم المقدسة والذود عن استقلالكم المنشود وإذا اردتم ذلك فليكن بدافع ما لكم من الحقوق الوطنية وبقوة اتحادكم وثباتكم وصلابة ارادتكم وعظمة حكمتكم. ناشدين السعد. سعد مصر. (لا استعباد. لا استعمار. لا حماية. لا رقابة. لا تداخل لأحد في شأن من شؤوننا). ثم رددوا وقولوا كما قال... (هذا ما نريد هذا ما لا بد ان نحصل عليه عاجلا او آجلا).
.. وإلى اللقاء يا دعاة الوطنية..
مصر في 20 12 1925 سعد باشا زغلول>>
وانطلاقا من كون الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كان متأثرا جدا بالمناضل سعد زغلول، فقد كان له لقاء بسلطان باشا الأطرش في محافظة السويداء بجبل العرب أثناء الوحدة المصرية السورية، حيث قلده <<أرفع وسام في الجمهورية العربية المتحدة>>، في ذلك الحين.
وهل هناك اعظم من لقاء عظيمين من عظماء العرب في جبل اسمه: <<جبل العرب>>؟
وطوبى لأمة تلد امثال هؤلاء العظماء الذين هم رموزنا. لا يولدون كل يوم، ولا يموتون في اي يوم، والعظمة الصادقة، في النهاية، خلود.
هذا، وإذا كان سهلا على اي محتل او غاصب ان يسلخ انسانا من ارضه ووطنه، فمن الصعوبة جدا ان يتمكن هذا الغاصب المحتل أن يسلخ هذا الوطن من قلب انسانه وشعبه، خصوصا عندما يتوحد القائد بالوطن والوطن بالقائد، كما توحد سعد زغلول وسلطان الأطرش.
كاتب لبناني. (السفير اللبنانية)
التعليقات