كميل الحداد : نحن بعض الشباب اللبنانيين شاركنا في رحلة سياحية الى تركيا لاستكشافها، ولاسيما منها مناطق: اسكندرون، مرسين، وكابادوكيا.
سلكنا طريق البر من لبنان فاجتزنا الحدود اللبنانية - السورية ومنها الى الحدود السورية - التركية، فالى منطقة لواء اسكندرون، المنطقة السياحية البحرية التي ما زال سكانها يتكلمون العربية بطلاقة، حيث تمتعنا بمناظرها الطبيعية التي تطغى عليها الزهور والسهول الخضراء الكثيفة نظراً الى خصب تربتها المميزة. ثم تجولنا صباحاً في اسواقها الجديدة والقديمة، مستفيدين من الاسعار الزهيدة، حاملين معنا ما خف وزنه وارتفع ثمنه من تذكارات وتحف وغيرها، خصوصاً الجلديات التي تشتهر بها تركيا.
ولاحظنا التطور السياحي الذي تبذله البلديات والدولة لتقديم افضل ما لديها من خدمات سياحية من فندقية، منتزهات ومطاعم عربية، تركية، اجنبية، وسواها من الخدمات التي ترضي السائح الذي طالما تمتع بطقس تركيا وجمال طبيعتها وحسن ضيافة اهلها والـ"مرحبا" والـ"اهلاً وسهلاً"، وتعدد مناطقها الاثرية والسياحية، اضف الى ذلك معالمها الدينية الغنية. وتتميز منطقة اسكندرون بشواطئها وبالمطاعم والملاهي الممتدة بكثافة، والمنتزهات البحرية.
أمضيت الليل برفقة الشباب اللبناني، واختلطنا بالمجموعات السياحية التي تضيق بها الفنادق والملاهي في سهرة عامرة غناء ورقصاً، وجعلناها مميزة بالـ"دبكة" اللبنانية، يداً بيد مع الشباب التركي والاجنبي وعلى انغام تركية، اجنبية، وختامها مسك مع الانغام العربية واللبنانية التي اضفت جواً مميزاً، كما لفت اللبنانيون انظار الساهرين بالـ"هيصة" التي يزرعونها اينما حلّوا.
&
كابادوكيا
في اليوم التالي توجهنا الى منطقة كابادوكيا الاثرية والغنية بالمناظر التي تلهم المصوّر والكاميرا، كما الهمت عدساتي التي لم تشبع رغبتها في ضم كل ما تشـاهـده فـي ذاكـرتـهـا، مـن منـاظـر فريـدة.
كابادوكيا سكنها الحثيون، والرومان، والارمن وبعدهم الاتراك. هذه المنطقة كانت ملجأ للمسيحيين المضطهدين ايام الرومان حيث حفروا في الجبال منازل وأديرة وقرى. التشبث بالدين اوجد جدارة ومهارة لدى القديمين لا مثيل لهما على صعيد الفكر والهندسة وحب البقاء على ايمان تمسكوا به حتى التضحية بالحياة.
ليلاً سهرنا على الانغام التركية والعروض الفولكلورية، كرقصات العرس وتحضير العريس والعروس للزفاف، وذكرتنا هذه العروض بتقاليدنا القروية القديمة. وكالعادة رقص الشباب اللبنانيون وأضفوا جواً محبباً. واحتل الشباب اللبناني الساحة حتى الفجر، حين خرجنا الى حفلة الوداع بالطبل والزمر وحلقة النار التي تدل على الترحيب والوداع الحار بالضيوف. وصباحاً اجتزنا آلاف الكيلومترات براً، متجولين في مناطق جبلية وصحراوية وسهول خضراء مزروعة قطناً وقمحاً.
&
مجازر الارمن
ثم مررنا بمنطقة غور Guor)) التي حصلت فيها مجازر الارمن، وهي ما زالت منقسمة قسمين، وما زالت البيوت المدمرة والمهجورة فيها على حالها، وكأن المأساة حصلت بالامس القريب. هناك شعرنا بأن التاريخ توقف عند هذه اللحظة، لتبقى ذاكرة الحروب جرحاً لا يلتئم في ذاكرة الشباب الساعين الى السفر والتعرف الى حضارات الآخرين والاختلاط بمجتمعات قريبة وبعيدة منه. وفجأة صرخ أحد الشباب "دخيلك لا تصور الدمار، لا تذكرنا بالحروب والدمار. صوّر واكتب فقط عن الجمال والطبيعة وعرّف الـعـالـم بـلـبـنـان وشـبـابـه الفرح المحب للحياة".
ثم وصلنا الى منطقة مرسين البحرية المتطورة بفنادقها واسواقها وملاهيها الليلية التي يقصدها الشباب من اقطار العالم المختلفة. في اسواقها يحار المرء بما سيحمله من تحف وتذكارات وهدايا وجلديات، والاهم من تعدادها كلها: تدني الاسعار... وكالـعـادة "طـحـشـنـا" لـيـلاً الـى السـهـر، حيث لفت الشـبـاب اللـبـنـانـي انـظـار الـسـاهـريـن. انتهى الليل على انغام الدبكة و"راجع يتعمّر"، ثم جاء الصباح ليسرق منا اجمل لحظات تركنا فيها هموم الوطن والمواطن في بلادنا لننساها ولو لساعات تمنينا الا تنتهي... لكنها انتهت مع بداية العودة.
&
عودة وعبرة
رغم تعدد اسفاري واستكشافاتي لبلاد عديدة لم احظ بمثل هذا الشعور مع الشباب الذين رافقوني، حيث اقتنعت بأن الرحلات والسياحات لا تنجح الا معهم. وشكرت شركة "عماد غروب" لما قدمته لنا جميعاً، والشباب اللبناني الذي تصدر وبجدارة لائحة عشاق السفر.
نام رفاق دربي في طريق العودة لفرط التعب، لكني كتبت هذه السطور وتحديت "النعاس" على مدى اربعة ايام، كي لا أنسى لحظة واحدة من "غزونا" لهذه البلاد، حاملين معنا المحبة والسلام والانفتاح الى دولة غزتنا اكثر من 400 عام عسكرياً، لكننا غزوناها حباً ووعداً بالعودة الى استكشاف ما تبقى من مناطقها الدينية والاثرية والسياحية.
تركيا في سطور
عام 1923 وبعد انهيار دولة تركيا المقسمة بين ايطاليا واليونان والسلاطين حوّل الزعيم أتاتورك تركيا دولة علمانية ونجح في لملمة أوصال جمهوريته وبناها على أسس جديدة. كما حاول أتاتورك تغيير النسل التركي بزواج ابناء بلده بالشعوب البعيدة عنه.
مساحة تركيا حوالى 780،000 كلم، ويسكنها 75 مليون نسمة (داخلها 3 في المئة في الجزء الاوروبي). حدودها الدولية تمتد لمسافة 3000 كلم، وبحراً يحدها بحر مرمرة والبحر الاسود. تتعدد فيها القوميات ومنها: الاتراك، الارمن، الاكراد، اليهود، والعرب (خصوصاً في لواء اسكندرون).
كان اسم عاصمتها القسطنطينية ايام البيزنطيين، ثم سمّيت اسطنبول (ايام السلطنة العثمانية وما زالت). تمتاز تركيا بصناعة السيارات والباصات السياحية. تتركز السياحة فيها في اسطنبول وانطاليا، اضافة الى ثلاث عواصم سياحية اخرى: اسكندرون، مرسين، كابادوكيا. ومن العادات التركية عند تطهير اي طفل ان تجول السيارات الشوارع في احتفال شعبي كبير، ويتم تعليق المناشف على المرايا للدلالة على ان عدد الرجال في البلاد ازداد واحداً.(نهار الشباب اللبنانية)