&
منذ اليوم الأول لتولي& الملك مقاليد الحكم، أدار شئون البحرين الداخلية والخارجية وفقا لرؤية واضحة وأفق متفتح. وتجسدت هذه الرؤية العصرية في سياسات ومواقف داخلية وخارجية نلمس جميعا نتائجها وثمارها العملية على جميع الأصعدة. وتأتي زيارة عظمة الملك لإيران، والتي ستبدأ السبت القادم خطوة أخرى في سياق هذه الرؤية الانفتاحية، وتجسيدا للحرص على تدعيم وتطوير العلاقات مع الدول المجاورة الصديقة.
الكل يعلم أن العلاقات البحرينية ــ الإيرانية مرت عبر تاريخها بمراحل شتى وشهدت تطورات كثيرة، إيجابية وسلبية. وشهدت منطقةالخليج في الخمس والعشرين سنة الماضية أحداثا جساما، وحربين اقليميتين. وهي أحداث وتطورات لم يكن لنا في البحرين يد فيها. ونحن مطالبون باستمرار بأن نتعلم من التاريخ وان نستخلص الدروس من خبرة الماضي. ولعل الدرس الأكبر الذي يجب أن نتعلمه من التاريخ ومن خبرة الماضي أن العوامل والاعتبارات الاقتصادية كانت دوما هي الاعتبار الحاسم في أي تطور أو نهضة، وفي نفس الوقت، فإنه لا يمكن أن يحدث تطور أو نهضة اقتصادية بدون استقرار سياسي. وإيران، باعتبارها أكبر دولة في منطقة الخليج، تتحمل مسئولية أساسية يجب أن تضطلع بها، إذا كان لنا ان نشهد استقرارا وأمنا في المنطقة. والأمر المؤكد ان الدور الأكبر الملقى على عاتق إيران في هذا المجال هو العمل على تعزيز الثقة المتبادلة، والتفهم المشترك مع الدول المجاورة في المنطقة، وتطوير العلاقات التجارية وأوجه التعاون الاقتصادي. من شأن العلاقات القائمة على الثقة المتبادلة والتعاون المشترك على هذا النحو أن تقطع الطريق على أي قوة أجنبية وتحول بينها وبين التدخل في شئون المنطقة وتخريب العلاقات بين الجيران. ولا شك أن زيارة صاحب العظمة الملك لإيران من شأنها أن تفتح صفحة جديدة مشرقة في العلاقات، وتعزز أوجه التنسيق والتعاون على جميع الأصعدة وفي جميع المجالات.
وهذا التطور المنشود في العلاقات البحرينية ــ الإيرانية من شأنه أن يقدم نموذجا لما تحتاج إليه منطقة الخليج بصفة عامة. ذلك أنه لو استطاعت دول المنطقة أن تصل إلى صيغ مستقرة لعلاقاتها وإلى توافق حول القضايا الإقليمية، وتوثيق للعلاقات الاقتصادية، سيتحقق الاستقرار المنشود لمنطقة الخليج، ولن يصبح بمقدور القوى الأجنبية أن تخرب هذا الاستقرار. وكما أشرت، فإن العلاقات والروابط الاقتصادية هي القاعدة الصلبة لتعزيز الثقة المتبادلة والتفهم المشترك. ومنذ أسابيع قليلة، شهدنا مثالا حيا يؤكد هذه الحقيقة عندما وصلت الأزمة بين الهند وباكستان إلى الذروة.
فحين كان البلدان على حافة الحرب، كان رجال الأعمال الهنود هم الذين مارسوا ضغوطا شديدة على الحكومة الهندية وحذروها من المخاطر الفادحة لدخول الحرب. وقد حذر رجال الأعمال والصناعة الهنود من أنه إذا كانت الهند قد نجحت في بناء صناعة معلومات متقدمة تدر مليارات الدولارات من الخارج، فإن كل هذا سوف ينهار إذا نشبت الحرب وانعدم الاستقرار. ولم يكن أمام نيودلهي سوى أن ترضخ لهذا المنطق وتتعامل على أساسه. والبحرين من جانبها تؤمن بالأولوية القصوى للروابط الاقتصادية والثقة المتبادلة في صياغة وإدارة العلاقات مع إيران. لهذا، فإن الأمل معقود على ان زيارة عظمة الملك لطهران، والمحادثات التي سوف يجريها مع القادة الإيرانيين، سوف تسفر عن إرساء قاعدة صلبة لفتح صفحة جديدة من العلاقات الوثيقة بما يخدم البلدين ومنطقة الخليج بصفة عامة.