إيلاف- خاص*: في مقال ينشر لأول مرة لكوندوليزا رايس، مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي، خصت به نشرة واشنطن التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية، وتنشره (إيلاف) بالتزامن، تتحدث عن جدل قديم بين ما تسمى المدرسة "الواقعية" في الشؤون الخارجية والمدرسة "المثالية".
وتبسيطا للأمور أقول، إن الواقعيين يقللون من أهمية القيم بينما يشددون على توازن القوى باعتباره المفتاح للاستقرار والسلام. ويشدد المثاليون على أولوية القيم وخلق المجتمعات باعتبارهما حاسمين بالنسبة إلى سلوك دول تجاه دول أخرى.
وفي حين أن هذا يمكن أن يشكل نقاشا أكاديميا مهما، إلا أنه في الحياة الفعلية، تعتبر القوة والقيم مترابطتين بصورة لا انفصام فيها. فالدول الكبيرة تستطيع أن تؤثر على ملايين البشر وتغير التاريخ. وقيم الدول الكبرى هي ذات شأن. فلو أن الاتحاد السوفياتي كسب الحرب الباردة، لكان العالم مكانا مختلفا جدا اليوم.
وهناك قيم عديدة مشتركة تجمع بين الولايات المتحدة وحلفائنا حول العالم --التزام واسع بالديمقراطية، وحكم القانون، واقتصاد يستند إلى السوق، وتجارة منفتحة. إضافة إلى ذلك، أصبحت الدول الكبرى في العالم منذ 11 أيلول / سبتمبر متحالفة بصورة متزايدة ضد قوى الإرهاب والفوضى. ونحن نعتقد، زيادة على ذلك، بأن الوقت هو في صالح هذه القيم.
وهذا التلاقي في القيم والمصالح المشتركة يوجد فترة من الفرص العظيمة. فعوضا عن تكرار النمط التاريخي من التنافس المدمر بين الدول الكبرى، نستطيع أن نسعى لتحقيق تعاون بين الدول الكبرى للاتجاه نحو مشاكل تتطلب حلولا متعددة الأطراف -- من الإرهاب، إلى البيئة.&&
إن الأمن يجب أن يستند إلى قوة عسكرية، ولكن ليس إلى ذلك فقط. فلكي نستمر في البناء على ما يسميه الرئيس بوش توازنا للقوى داعما للحرية، علينا أن ننشر إلى أوسع مدى ممكن منافع الحرية والازدهار التي نستمتع بها نحن في العالم المتطور. علينا مسؤولية أن نبني عالما ليس فقط أكثر أمنا، بل وأفضل.
إن الولايات المتحدة، مع شركائنا الدوليين، ستحارب الفقر، والمرض، والظلم لأن ذلك هو الأمر الصائب-- والأمر الذكي -- الذي ينبغي عمله. وقد رأينا كيف يمكن أن تصبح دول فقيرة دولا ضعيفة أو حتى واهنة، عرضة للإختطاف على أيدي شبكات إرهابية-- بنتائج كارثية محتملة.
إننا سنتولى قيادة الجهود لبناء نظام تجاري عالمي نام وأكثر تحررا. فتوسيع التجارة هو أمر جوهري للجهود التنموية للدول الفقيرة وللتعافي الاقتصادي لجميع الدول.
وسنستمر في قيادة العالم في الجهود الرامية إلى مكافحة مرض الأيدز-- وهو وباء يتحدى إنسانيتنا ويهدد مجتمعات بكاملها.
وسنسعى إلى إدخال كل دولة في دائرة متزايدة الاتساع من حيث التنمية. وقد اقترح الرئيس بوش في وقت سابق من هذا العام زيادة بنسبة 50 بالمئة في مساعدة الولايات المتحدة للتنمية. لكنه جعل من الواضح أيضا أن الأموال الجديدة تعني شروطا جديدة. فالموارد الجديدة لن تكون متوفرة إلا لتلك الدول التي تعمل من أجل أن تحكم بعدل، وتستثمر في صحة وتعليم أبنائها وبناتها، وتشجع الحرية الاقتصادية.
ويجب أن يكون محور جهودنا المشتركة تصميما على الوقوف إلى جانب الرجال والنساء في كل دولة الذين يكونون رمزا لما دعاها الرئيس بوش، "المطالب المتعلقة بالكرامة الإنسانية غير القابلة للتفاوض" -- ألا وهي الخطاب الحر، العدالة المتساوية، احترام المرأة، التسامح الديني، ومحدودية سلطة الدولة.
وفي مساعدتنا للتنمية، ودبلوماسيتنا، وإذاعاتنا الدولية، وفي مساعدتنا التعليمية، يتوجب على الدول المحبة للحرية في العالم أن تنمي الاعتدال، والتسامح، وحقوق الإنسان.
علينا أن نرفض الرأي المتسامي القائل إن الحرية لن تنمو في تربة الشرق الأوسط-- أو أن المسلمين لا يشاركون بشكل ما في الرغبة بأن يكونوا أحرارا. فالاحتفالات التي شهدناها في شوارع كابول العام الماضي تثبت عكس ذلك. وفي تقرير للأمم المتحدة نشر مؤخرا، أقرت هيئة من 30 مفكرا عربيا بأنه لكي تستطيع دولهم أن تشارك كليا في تقدم عصرنا، ستحتاج إلى حرية سياسية واقتصادية أكثر، ومنح المرأة مزيدا من السلطة، وتعليم أفضل وأكثر تمشيا مع العصر.
علينا أن نرفض الرأي المتسامي القائل إن الحرية لن تنمو في تربة الشرق الأوسط-- أو أن المسلمين لا يشاركون بشكل ما في الرغبة بأن يكونوا أحرارا. فالاحتفالات التي شهدناها في شوارع كابول العام الماضي تثبت عكس ذلك. وفي تقرير للأمم المتحدة نشر مؤخرا، أقرت هيئة من 30 مفكرا عربيا بأنه لكي تستطيع دولهم أن تشارك كليا في تقدم عصرنا، ستحتاج إلى حرية سياسية واقتصادية أكثر، ومنح المرأة مزيدا من السلطة، وتعليم أفضل وأكثر تمشيا مع العصر.
نحن لا نسعى إلى فرض ديمقراطية على سوانا، بل نسعى فقط إلى المساعدة على إيجاد ظروف يستطيع الناس من خلالها أن يحققوا مستقبلا أكثر حرية لأنفسهم. ونحن نقر أيضا بأن ليس هناك جواب هو بمثابة "قياس واحد يناسب الجميع". فالمانيا، واندونيسيا، واليابان، والفيليبين، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، وبولندا، وتايوان، وتركيا تبين أن الحرية تظهر& بمظاهر مختلفة حول العالم-- وأن حريات جديدة تستطيع أن تجد لنفسها مكانا مشرفا وسط تقاليد قديمة.
في بلاد أمثال البحرين، الأردن، المغرب، وقطر، الإصلاح جار، ويتكيف حسب الظروف المحلية المختلفة. وفي أفغانستان هذا العام، كان اجتماع تقليدي لمجلس اللويا جيرغا لتشكيل حكومة ذات أوسع تمثيل في تاريخ أفغانستان.
إن الولايات المتحدة تعلم أن علينا بسبب تاريخنا أن نكون صبورين ومتواضعين. إن التغيير -- حتى لو كان من أجل الأفضل-- هو في الغالب صعب. والتقدم يكون أحيانا بطيئا. وأميركا لم تكن دائما على مستوى مبادئنا السامية. فعد مئتين وستة وعشرين عاما من فوزنا بحريتنا، ما زلنا نتدرب كل يوم على تصحيحها.
إن الدول المحبة للحرية، إذ تعمل مجتمعة لديها القدرة على أن تصوغ القرن الحادي والعشرين بحيث يكون مرتقيا إلى مستوى آمالنا وليس متدنيا إلى مستوى مخاوفنا-- لكن فقط إذا كنا مثابرين وصابرين في ممارسة نفوذنا في خدمة مثلنا، وليس فقط أنفسنا.
&
*الكاتبة هي كوندوليزا رايس مستشار الأمن القومي الأميركي، والمقال ينشر لأول مرة
التعليقات