&&
بيروت مكتب "الرياض"&من&جهاد فاضل: في حوارها التالي مع "الرياض" تشيد الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي صاحبة مؤسسة "بروتا"، أو رابطة الشرق والغرب، بالدعم المادي والمعنوي الذي تلقاه مؤسستها من هيئات وجهات ثقافية وإنسانية سعودية.. فقد ذكرت انها بصدد انجاز مشروعين ثقافيين أولهما ترجمة& 52كتاباً حول مكارم الأخلاق الإسلامية صدرت في المملكة العربية السعودية برعاية صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز، وثانيهما وضع كتاب ضخم عن "السرديات القصصية العربية في العصور الكلاسيكية" أخذت جامعة الملك سعود بالرياض على عاتقها تمويله حتى يصدر لاحقاً بالعربية والانكليزية على السواء.
حول الأسباب الموجبة للمشروع الأول وهو نقل الكتب السعودية عن مكارم الأخلاق الإسلامية إلى الانكليزية بعد اختصارها اختصاراً لا يخل بمضمونها، قالت الدكتور سلمى الخضراء الجيوسي ل "الرياض".
يعلم الجميع ما يواجهه العرب والمسلمون في الغرب الآن من هجوم وتحقير لتراثهم وأخلاقياتهم ومقدساتهم التي لم ينج منها حتى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. فقد نعته قسيس أميركي قبل فترة بأنه إرهابي.. لذلك أصبح من الضروري مواجهة هذه الحملة الشرسة بحملة ثقافية تتوخى اظهار نواحي النبل والشهامة والتسامح التي اتصفت بها الثقافة العربية الإسلامية واتصف بها المجتمع العربي الإسلامي.
من أجل ذلك اتصلت بسمو الأمير مشعل بن عبدالعزيز الذي ساند تأليف وإصدار هذه الكتب باللغة العربية.. قلت لسموه: لابد من استخلاص زبدة ما كتب في هذه الكتب ونقله إلى الانكليزية.. في الغرب يشتموننا ويحقرون كل ما هو عربي وإسلامي، وينكرون كل ما أنجزناه ولا يعترفون للعرب بأية فضيلة.. ولأن الجو أصبح قاتماً ومليئاً بالأكاذيب، فلابد من التصدي لهم والتحدث عما قدمه المسلمون للبشرية، وبخاصة في حقل الأخلاقيات بالذات.
تتحدث سلمى& الخضراء الجيوسي عن الأمير مشعل بن عبدالعزيز باكبار شديد.. قالت انه تلطف واستقبلنا لمدة ساعة ونصف السنة.. من الصعب أن أنسى مجلسه وما رواه لنا من ذكريات ينبغي أن تأخذ طريقها إلى النشر في يوم ما.. "وجدت في الأمير مشعل ناحية إنسانية عالية.. لا أستطيع أن أصف لك شمائله وسجاياه..أمير مثقف مختلف لم يهتم بأن يؤكد لنا انه أمير، بل انه كان انساناً بأرفع معاني هذه الكلمة.. لقد قابلت في حياتي مسؤولين وسياسيين كباراً، ولكن اثنين بقيا في خاطري وذاكرتي هما الملك الاسباني خوان كارلوس والأمير مشعل بن عبدالعزيز.. أخذنا عدة صور مع الملك الاسباني، فأرسلها لي لاحقاً بالبريد مذيلة بتوقيعه وعبارات لطيفة& منه".
قلت لسمو الأمير مشعل: أرجو يا صاحب السمو أن تمكننا في مؤسسة (بروتا) من إصدار موسوعة مكارم الأخلاق الإسلامية باللغة الانكليزية دحضاً لمزاعمهم وللتدليل على ما يتضمنه تراثنا الإسلامي من مكرمات خالدة على الدهر.. وضع الأمير مشعل يده على أنفه وقال: "على خشمي"..
حول المشروع الثاني لمؤسسة (بروتا) الذي لقي دعماً من جامعة الملك سعود بالرياض، قالت الدكتورة سلمى: لابد للشيء الذي ينبغي أن يُعمل، أن يعمل.. أنت تعرف مدى اهتمامي بالثقافة العربية وغيرتي عليها.. في الخمسينيات، كنا نجلس في "خميس مجلة شعر"، وفي سواها، فنسمع كلاماً يفيد ان العرب لم يعرفوا القصة ولم يعرفوا الرواية.. طيّب! الأجانب وحتى القرن السابع عشر لم يعرفوا الرواية.. فلماذا يكون عند العرب رواية في العصور القديمة؟
الواقع ان ما يُعرف الآن بالرواية، من نوع الرواية الحديثة التي نقرأها، لم يعرفه العالم القديم.. الرواية جنس أدبي جديد نهض مع اختراع الطباعة.. مع اختراع الطباعة.. ازداد عدد القراء.. الناس تعلموا.. تقول لي ان الرواية وليدة المجتمع البورجوازي والمدينة المعاصرة.. هذا صحيح ومعروف.. ولكن الناس قبل اختراع الطباعة لم يكونوا يقرأون.. لم يكن هناك مجال لكتابة الرواية بسبب عدم وجود مطابع.. كان النسخ باليد.. عندما وُجدت المطبعة، قامت الصحافة في القرن الثامن عشر، وعندما بدأت الرواية تُكتب، كانت تصدر في الصحف والمجلات على صورة مسلسلات.. وهكذا كتب شارلز ديكنز في انكلترا رواياته، وكذلك دستويفسكي في روسيا.. وسواهما أيضاً.
لم تقم الرواية عند العرب قديماً لا لأن الفرنسيين أو الأوروبيين أذكى منا، بل لأنه لم تكن هناك ظروف موضوعية لقيامها.
هذه المسألة بقيت تلتهب كالجمرة في قلبي إلى أن قررتُ، وعلى حين فجأة قبل عشرة أشهر، ان أضطلع بهذا العمل، أن أُنجز كتاباً عن "السرديات القصصية العربية في العصور الكلاسيكية".. كتبت إلى علماء وأساتذة أكاديميين غربيين حول هذا المشروع فرحبوا به ترحيباً شديداً.. طبعاً هم يعرفونني من خلال تاريخي في النشر والنجاح الكبير للكتب التي أصدرتها بالانكليزية في الغرب.
أقسم بالله اني كنت أرسل لأحد هؤلاء العلماء رسالة بالبريد الالكتروني، أو بالفاكس، فيأتيني الجواب فوراً خلال ثلاثة أسابيع تجمعت عندي& 36دراسة موعودة.. عندما تجمعت عندي هذه الرسائل كتبت إلى جامعة الملك سعود، فوافقوا على تبني المشروع ودعمه.. تألفت لجنة أكاديمية في الجامعة السعودية.
استفدت كثيراً من ملاحظاتها.. توسعت الآفاق أكثر.. أصبح عندي الان بين& 45و 50دراسة من أجل تغطية كل جوانب الكتاب.
وأضافت الدكتورة سلمى: تعرف أن "رسالة الغفران" للمعري كتبت على شكل قصة.. المقامات نوع من القصص.. كليلة ودمنة قصص.. ولكن القصص موجودة في مظان كثيرة في تراثنا الأدبي والفكري: موجودة في كتب التاريخ، في كتب الحديث، في كتب السيرة، وفي الكتب العلمية.. الأسلوب القصصي موجود.. أريد أن أبرهن أن الأسلوب القصصي أمر غريزي في الإنسان.. الإنسان يحب القصة ويجب أن يستمع إليها، فيتقنها في الكثير من المواضيع التي هي في الأساس غير قصصية.. القصة جانب هام جداً في الابداع العربي القديم.
ثم ان القصة ليست، كما يظن الأجانب أو بعضهم على الأقل، وقفاً على هؤلاء الأجانب.. العرب عندهم ثروة هائلة وطريفة في القصص.. بل انني لا أبالغ إذا قلت انه كان للقص العربي تأثير كبير على القص في الغرب.. مثلاً: سرفانتس صاحب "دون كيشوت" أمضى في الجزائر خمس سنوات.. تعلم العربية في الجزائر.. اطلع على المقامات، عاد إلى الأندلس (ونحن نتكلم عن القرن السادس عشر) ولم تزل فيها بعد ليس بقايا عربية إسلامية، بل لباب الثقافة العربية الإسلامية.. والعرب كانوا موجودين أيضاً بصورة من الصور.
أخذ سرفانتس من المقامات أولاً "البيتارسك"، أي الشخصية المتناقضة التي تحتوي جداً وهزلاً، والتي فيها نوع من التهكم على المجتمع، مثل ابطال المقامات.. أخذ من المقامات الصوتين: الكاتب الأساسي وراوية عنده راو عربي اسمه "بن حمدة".
الأجانب يعتبرون ان سرفانتس صاحب دون كيشوت هو أبو الرواية الأجنبية.. ولكن الرواية الأجنبية هذه تأسست كما ترى على القصة العربية!
الأجانب ينكرون الآن كل شيء عربي.. لا يرى هؤلاء فينا أية مكرمة أو فضيلة.. انفتح المجال الآن أمامهم ليقصوا علينا أبشع القصص، وليخترعوا عنا أبشع الأشياء.. والعالم صامت وساكت، بما في ذلك العالم الإسلامي، نحن لا نفعل ما يجب فعله، وهو اعطاء البرهان على كذبهم ودجلهم!
قسمنا كتاب السرديات أربعة أقسام:
- القسم الأول: مختلف أنواع القص.
- القسم الثاني: تأثر الأوروبيين بالقص العربي.
- القسم الثالث: استعادة القص العربي في القصة والرواية الغربية الحديثة.
- القسم الرابع: المضمون وكيف عكس ثقافة العرب وحضارتهم في القرون الوسطى.
جامعة الملك سعود اعتبرت ان هذا الكتاب سيكون فريداً من نوعه، وسيصدر خلال سنة إن شاء الله.
وتحدثت الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي عن خمسة مشاريع كتب أخرى ستصدر قريباً عن مؤسسة (بروتا) هي التالية:
- مشروع كتاب عنوانه: "عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين".. وأبطاله رحالون عرب وغير عرب مسلمون جابوا أقطاراً شتى في الغرب على الخصوص وكتبوا عن رحلاتهم هذه.. كثيراً ما قال لي علماء أوروبيون في شرق أوروبا أو من شمالها الغربي: "نحن نفتقر إلى معرفة جوانب من تاريخنا في حقب معينة غطّاها رحالة وجغرافيون مسلمون".. وفي اعتقادي ان مثل هذا العمل مفيد جداً.. سننشر هذا العمل بالعربية قريباً ونترجمه لاحقاً إلى الانكليزية.
كتاب آخر عن افريقيا السوداء.. في الكتب العربية التي كتبت عن افريقيا السوداء يظهر السماح العربي والرفض للعرقية.. لم يكتب العرب عن افريقيا باحتقار كما كتب الأجانب.. عامل الأجانب الأفارقة كمتوحشين.. العرب لم يتدنوا إلى هذا الدرك.. بالعكس هم احترموا الأفارقة، وهذا من الأمور التي نود ابرازها.. والغريب ان من تحوّل إلى متوحش في زماننا الراهن هو الغرب نفسه!
- كتاب ثالث سيكون عن العرب والشرق الأقصى: الهند والصين واندونيسيا.. ابن بطوطة ذهب إلى اندونيسيا وتزوج وترك هناك أولاداً..
- كتاب رابع عن المدينة الإسلامية في التاريخ.
- كتاب خامس عن الحضارة العربية الإسلامية في البرتغال ومالطة وصقلية ومدينة "باري" الايطالية.. بقي العرب في "باري" مئة سنة.
وذكرت الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي أخيراً أن هناك كتاباً جديداً "لبروتا" سيصدر خلال أسابيع قليلة عن دار جامعة كولومبيا في نيويورك حول القصة والرواية العربية يتضمن& 172ادخالاً مقتبسا من روايات عربية، أو قصص قصيرة.
ما يجدر ذكره ان مؤسسة يوم القدس في العاصمة الأردنية كرمت سلمى الخضراء الجيوسي، ضمن نشاطها السنوي، باعتبارها "سفيرة الثقافة العربية في الخارج".