الدكتور توفيق آلتونجي
&
بقى قيصر ابن الخامسة مستيقظا الى ساعة متاخرة من الليل ولم يفلح والديه باقناعه في النوم المبكر...
فتح باب غرفة النوم بقوة وصعد على السرير حاشرا بجسمه الصغير بين ابويه ولم ينسى لعبته المفظلة ذلك الارنب الابيض الذي يصطحبه معه ساحبا اياه من أذانه حيث& يجره جرا...
أبدت والدته بعض الامتعاض ولنكها أدارت بجسدها جانبا وراحت في نوم عميق على عادتها حيث تنهظ في الصباح الباكر في حوالي الرابعة والنصف ولا تزال المدينة نائمة لتحظر القهوه ثم لتذهب الى عملها مع باص الخامسة والربع حيث تعمل كعاملة في احد المصانع بينما يجاهد الاب ومنذ خمسة عشر عاما بايجاد عمل مناسب له ولم يفلح لحد الان فما كان منه الا ان يوافق على جميع الكورسات الدراسية والعملية التي يعرضها عليه مكتب العمل في المدينة او يرسلوه الى موقع عمل كمتدرب مجاني.
نام قيصر من جديد ولكن لبعض الوقت حيث استيقضت والدته على صوته هذه المرة وهو يغني أغنية القديسة لوسيا في منتصف الليل.
- ما هذا التعذيب يا قيصر... يجب ان اذهب الى العمل في الصباح الباكر... نم, نم يا عزيزي. قالت والدته.
أما أنا فقد كنت على وشك النوم وهذا هو حالى بعد كل مرة ياتي الينا ضيفنا العزيز مع الارنب فيسرقان النوم من جفوني لاسرح في ربوع الوطن الذي تركته منذ اكثر من ثلاثين من الاعوام.
- ما هذا الذي تقوله يا هذا.. اي شارع هذا الذي تتحدث عنه؟
يسال احدهم عندما احدثهم عن شوارع مدينتي, يقولون ان كل شيئ تغير حتى البنايات والمقاهي وبدا النخر والصدع في فكر الناس ولم يعد هناك الكثير من العادات والتقاليد القديمة كاحترام الجار والكرم والعفة والنبالة والاحسان والرفق بالمسكين والقريب.
انت باقي من زمن العثمنلي.
&يقولون ويزيدون على ذلك:
-& شنو بغداد هسة تضيع لو تروح لهناك بلكي يحتاجلك فدواحد يجي وياك لكل مكان علمود لا تضيع... ويظحكون فيما بينهم بسخرية.
&كل عام وفي يوم الثالث عشر من كانون الاول تحتفل شعوب دول الشمال الاسكندنافية بيوم "القديسة لوسيا", تلك القديسة التي جلبت النور والظياء الى المعمورة بعد ان كاد الدجى ان يسود الثرى.
قرر قيصرنا ان يكون "بابا نوئيل" هذ العام, سأل والده ميئوسا.
- أبي انا لا أستطيع الطيران, كيف ساكون بابا نوئيل.. انه ياتى من السطوح مخترقا المدخنة, أليس كذلك؟
بقت القاعة المظلمة والتي تجمع فيه ولي امر أطفال روظة "جون باور" ساكنة تكاد تسمع همسات الناس المتجمعين في احدى زوايا الغرفة بينما بداء& صوت ألهي غريب يغني ومن بعيد.
يمضي الليل بتثاقل
....
.
هناك في الخارج البرد والظلام
يلف البيوت
...
ايتها القديسة لوسيا....
أيتها القديسة لوسيا....
يدخل طابور طويل من الاطفال الصغار& بمصاحبة معلماتهم الى القاعة المليئة بالمشاهدين الذين امتلئت قلوبهم فخرا وأعتزازا بأبنائهم الصغار وهم يلتقطون الصور الفوتغرافية والبعض الاخر راح يصور بكاميرة الفديو ليحتفظ بفلم عن ابنه ليعرظه هو بدوره مستقبلا على ابنائه او ربما لم لا& يعرضه على احفاده& وأحفاد أحفاده كذلك.
قيصر الذي بدا فخورا بملابس الشيخ الجليل عمانوئيل ذلك القس الاناظولي الذي كان يوزع الهدايا على الاطفال وتحول الى رمزا لاعياد الميلاد في كافة ارجاء الدنيا يجلب الفرحة للافئدة الندية.
&
&
كنت قد قضيت شهر رمضان كعادتي ومنذ اكثر من اربعين عاما في العبادة والصوم ولم يكن يتعدى عمري التاسعة عندما صمت لاول مرة ليس لكوني متدينا,& لعدم وعيي انذاك بالدين,& بل لوعد قطعه لي احد أعمامي بشراء بنطلون العيد& أذا صمت مكان جدتي.
&طلبوا مني ترديد النية في اول ايام رمضان وقبل العيد اصطحبني عمي الى احد المحلات التي تبيع الملابس في نهاية "شارع الاوقاف" كي أختار بنطالا& تقديرا ومكافئة لصومي خلال الاربع الاسابيع الماضي.
&وهو يهم بدفع& ثمن البنطال قال لصاحب المحل هامسا.
- أنه ابن أخي اليتيم.....
لم يكن والدي قد وافاه الاجل فأبيت الا ان أمزق البنطال لاحقا أربا أربا رغم العقاب القاسي الذي لاقيته من والدي رحمة الله عليه.... لم افكر قطعا ان اشرح لهم لاحقا سبب فعلي ذلك.... لحد هذا اليوم.
هناك في الخارج البرد والظلام
يلف البيوت
... ايتها القديسة لوسيا....أيتها القديسة لوسيا......
ترك الصغار القاعة بينما تعالى التصفيق لفلذة أكبادنا.