ابراهيم الابراهيم

ليس جديدا القول ان الكويت احدى الدول النادرة التي لا تفرض ضرائب او رسوما او زكاة مستقطعة من المداخيل والرواتب. وهي بالفعل نادرة حتى بمقاييس دول مثل منظومة مجلس التعاون الخليجي المعروف عنها عدم التعاطي مع ضرائب الدخول او زكواتها باستثناء اقل القليل منها.
اقول ان هذا ليس جديدا، لكن من المناسب القول ان المبادرة التي اطلقها صاحب السمو امير البلاد قبل ستة وعشرين عاما من الان، باستقطاع نسبة من ارباح الشركات المساهمة المدرجة لمصلحة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، كانت فكرة عظيمة ارتبطت بما عرف دوما عن سموه من اهتمام بالمستقبل يوازي الحاضر ان لم يفقه احيانا، ومن حرص على التطلع نحو الافق البعيد بدرجة الابصار الآتي ذاتها. ولا غرو ان مؤسسة التقدم العلمي ككيان شب في كنف الرعاية السامية لصاحب السمو، ليست قاصرة على سبر اغوار العلم الموغل في الاكتشافات والاختراعات، بل كان من صميم اغراضها واهدافها خدمة المجتمع الكويتي والارتقاء بمتطلباته وحاجاته وتوسيع مشروعاته الاقتصادية والانسانية، اي ان الفكرة السامية كانت تندرج في الاصل في خانة تطوير المجتمع الكويتي عبر التقدم العلمي او عبر رؤيته في الارتقاء بالبلاد بأكملها.
في ركاب هذا التوجه الجميل، انطلقت قافلة المؤسسة مدعومة باستقطاع كانت نسبته 5% من ارباح الشركات المساهمة المدرجة في البورصة، واستمر ذلك حتى عام 1998 عندما جرى تخفيض النسبة الى 2% وكانت نسبة الاستقطاع الاولي على اي حال، تبدو متسقة مع واقع القطاع الخاص الكويتي في ذلك والذي كانت نسبة مساهمته في الناتج المحلي تزيد على الـ 80%، فبدا ان المساهمة وان علت في الظاهر، الا انها ليست مهولة، غير ان ما حصل هو ان هذه الاستقطاعات راحت تتراكم كفوائض مالية للمؤسسة، فبلغ سيلها زباها، حتى جاوزت الـ 350 مليون دينار، اي اكثر من مليار دولار، وهذه فوائض مطلوب استخدامها، على وجه السرعة، في دعم مجموعة من الخدمات الانسانية مثل دعم التعليم والجامعات الخاصة والمستشفيات وغيرها، ثم ما المانع في ان يكون هناك اسكان شعبي تباع وحداته باسعار التكلفة واحسب انه قطاع يصب في قلب الاهداف التي انشئت من اجلها مؤسسة التقدم العلمي؟
وحين بادرت المؤسسة مرة اخرى الى تخفيض نسبة الاستقطاع من 2 الى 1% عن ارباح السنة المالية 2002 وما يليها، استبشرت الشركات المعنية بهذه المكرمة لجهة ما طرأ على استقطاعاتها من تخفيض وصل الى نسبة النصف، غير ان المبادرة وان بدا انها صبت لصالح هذه الشركات، الا انها - في تقديرنا - ليست في صالح المجتمع، وفي بلد نعيش فيه بدون ضرائب على الاطلاق، ولعل حجتنا في ذلك ان هذه المساهمة من جانب الشركات لم يكن هدفها تحقيق اكتفاء مالي ذاتي للمؤسسة، ثم التوقف بعد ذلك، لان السؤال الذي يتبادر للاذهان الان هو: هل جاء هذا الخفض لاكتفاء المؤسسة ام لعدم قدرتها على استغلال فوائضها المالية؟
وايا كانت الاجابة فان الخاسر الماثل امامنا هو حاجة البلد لمشاريع تخدم مجتمعها في مجالات الصحة والتعليم والتكنولوجيا وكافة الحاجات الانسانية التي يتطلبها اي مجتمع، ونحن في الكويت، بصرف النظر عن رخاء الدولة، لسنا في حالة اكتفاء في التعليم العالي مثلا او في الصحة او في قطاع التكنولوجيا ، فبلدنا بحاجة الى جامعة كاملة القوام وباسعار رمزية، وبحاجة الى مستشفيات متخصصة وبحاجة الى معاهد وكاديميات تكنولوجية معاصرة، وهذه كلها نماذج لما كان يمكن لمؤسسة التقدم العلمي ان تسهم فيه وتباشر تنفيذه، ولهذا فاننا نتمنى ان تعود هذه النسبة، وتستخدم في خدمة ودعم جميع القطاعات الخيرية والعلمية. وتقتضي الاشارة هنا الى ان هناك قلة من الشركات ذات العطاء الجزيل في اعمال الخير، بعضها علني وبعضها سري .