قصة قصيرة بقلم خالد محمد غازي
&
&
"إذا أهناك نصبنا لك حظوظ نفسك، فجعلناك تتقلب في الملذات"
&
سيل حكايات تنسجها ظنوني ·· تجمعت في ذهني قطرة قطرة وتجمدت وأصبحت جليدا مع مرور الوقت، وإذا جاءت قطرة أخري تبعتها قطرات ضخمت حجم وشكل الجليد ·· وتخطف الحكايات مشاعري، فأصبح أسيرة لها.
&
**&*
واصلت الصعود ·· لا تدري أهو صعود أو هبوط ··
كانت هذه أول مرة تذهب إليه في شقته، خطواتها خجلي وهي تواصل الصعود، خطواتها بطيئة، إيقاعها مهزوم، حاولت الصعود بسرعة، ارتفعت دقات حذائها لكنها أيضا خجلي ومنكسرة ·· وصلت أخيراً إلي الشقة، ترك بابها مواربا لها، حتي لا تدق فينتبه الجيران إليها، دلفت الي الداخل وأغلقت الباب بسرعة، وقفت أمامه مرتبكة، أطلت من صدرها تنهيدة عميقة،& الضيق محفور في أغوار نفسها، ابتلعت ريقها، حدقتي عيناها تؤلمانها، ساقاها ترتعشان، وضربات قلبها تكاد تفضح خوفها، تململت في وقفتها، جاهدت أن تتكلم لكن صوتها ضاع منها، اقترب منها طمأنها أن لا تخاف، وضع يده علي كتفها، اقترب أكثر مال عليها،كان أطول قامة منها، دنا أكثر من وجهها، من شفتيها، قبلها برغبة، وأمسك بيديها ·· شفتاها كخشب السنط المتشقق، أطرافها باردة، قالت : انتظر قليلا حتي أستريح من صعود السلم ·· قال : أنا مشتاق جدا إليك ·
ابتلعت ريقها في امتعاض ·· تناولت كأس الماء الموجود علي الطاولة بعد أن جلست وذهب هو إلي المطبخ· لا طعم لشيء في حلقي، فما الذي غير الاشياء وأفقدها مذاقها ·· في فمي مرارة وجفاف "·
&
***
&
تهجم علي وجه سكرتيرتك، تبحث عن شفتيها تقبلها قبلة محمومة، وتفرك صدرها المكتنز بكلتا يديك فتتأوه من ألم الرغبة، والاخري " إيمان " موظفة الارشيف عندما فاجأتك بحضوري بعد انصراف الموظفين وجدتها في مكتبك، ارتبكت هي، لكنك لم يبدو عليك أي آثار ·· يالك من ماكر ·· في هاتف المنزل تتحدث مع النساء أمامي بصيغة المذكر ·· كل هذه أوهام ·· عندما ألمحت لك ببعض هذه التصرفات قلت لي : أنا لا أخونك، وإذا أردت ذلك لن يكون مع موظفات يعملن معي ·· أنا رجل واضح ·· وشكوك تدفعني لأخونك بالفعل أو أتزوج من أخري وأتركك، تندبين حظك وتلعنين شكك الذي اغتالك ·
إذن لا دليل ولا مستند لخيانتك سأحصل عليه، أنك حريص علي عدم ترك أي معالم أو دليل لخيانتك ·· تعبت من تفتيش ملا بسك وحقيبة سفرك وأوراقك الخاصة، حتي سيارتك حرضت السائق علي أن يفتشها ·
&
***
هبطت في جوف الليل، خضبت ملامحي القتامة، دار رأسي، تحول الزمن إلي ومض خاطف، وهو ينقض علي، ربما المفاجأة ألجمتني، انتبهت، دفعته بقوة، لكنه كان كالجبل لم تهزه دفعتي، قاومت، قاومت لكن هيهات مزق حمالة من حمالات القميص، فاندفع نصف صدري هاربا كالسجين من القميص، انزل الحمالة الاخري فبان صدري كاملا، أخذ يقبلني بجنون علي رقبتي وأنا أرده، انحسر نصف القميص من أعلي جسدي، دفعني إلي السرير، نام فوقي وهو يلتهم جزئي الاعلي، وأنا تحته أقاوم إلي أن انحسر القميص من علي فخدي، وخارت مقاومتي ·
&
***
إنه صباح يوم العيد، وهو مسافر في مهمة عمل، لم يكلف نفسه عناء العودة، ليمضي أيام العيد معنا، لابد أنه في أحضان إحدي عشيقاته·
بعد عودته من السفر عادة ما أظهر له لهفتي، أحس أنه يبتسم بملل، قائلاً باختصار " اشتقت إليك لكنني مرهق من السفر والانتقال بين المطارات··"
الناس تحتفل بالعيد، وأنا وحدي في المنزل مع الطفلين، عطل في التيار الكهربائي دفعني إلي طرق أبواب الجيران أسألهم المساعدة، لكن معظهم لم يكن في المنزل حتي البواب ذهب إلي بلدته، جارتي في المبني المجاور نصحتني أن أترك عندها الطفلين، وأذهب إلي أول الشارع، هناك محل للكهربائيات ربما يكون مفتوحاً، فأجد فيه من يساعدني ··كان شاباً وسيماً، تجاوز الخامسة والعشرين، طويل القامة ممتلئ الجسد، مفتول العضلات ·· أخبرته عن عطل الكهرباء فاقترح علي أنه يرافقني فوراً سرت أمامه ببضعة أمتار، سار هو خلفي فوصلت قبله، صعدت الدرج، وفتحت الباب بالمفتاح·· أتراه لاحظ ذلك؟
دخل، لم يتكلم، أشرت إلي مكان العطل، فشرع يعمل، صرت أروح وأغدو أمامه، كنتُ أحس بالإضطراب لوجوده، وبسخونةٍ حادة تعتصر أحاسيسي ·· صنعت القهوة، قدمتها له، ثم جلست علي مسافة منه، ثوبي انحسر قليلاً عن ساقي، فبانت بيضاء ممتلئة ·· كان يحبها في سنوات زواجنا الأولي· تركتُ الثوب منحسراً، وأنا أدري أنه يسترق النظر إلي بخوف وتردد، وربما بعض الرغبة، ماذا دهاني أتراني أحببت التأكد أن سحري الأنثوي مازال طاغياً ؟!
أحسستُ بالحر الشديد ينبض من ملامحي، والعرق يخرج من مساماتي، قمت إلي حجرة النوم لأبدل ثيابي، بثياب البيت، تركته يكمل عمله، لابد أنه قارب علي الإنتهاء حين فككت أزرار الثوب، وهممت بخلعه وجدت الكهرباء تعود إلي البيت، ورأسه يطل - مباغتة - باحثاً عني ليخبرني أنه أتم عمله، شده حين رآني·
لم أصرخ، اكتفيت بأن حاولت رفع ثوبي من جديد·· الثوب يبدو منحسرًا عن كتفي وصدري، لم أتكلم كان تمتم بعبارات لم أفهمها في الحين·· هل كان علي أن أنهره علي جرأته للسير إلي غرفة نومي؟ لكنني لم أفعل، تلعثمت، بدا علي الارتباك، اقترب مني خطوات، ثم أمسكني بجرأة ·
&
***
&
&
كعادته لم يلاحظ أي تغيير فيَّ ؟ لكن هل تغير شئ·، عاد من سفره مرهقًا، ربما من مضاجعة النساء، لم أثقل عليه هذه المره، تركته لينام·
الآخر يتصل بي، يلح علي بالقدوم إليه، يقول أنه يشتاق إليّ، وأنني أعجبه، حين أرفض يهددني بإبلاغ زوجي عن حقيقة علاقتي به، وحين أذهب إليه يمارس معي الجنس بشوق ينسيني معاتبته علي تهديداته، يشعرني بأنني الأنثي الوحيدة في العالم، وأنني أميرة أتكرم عليه بالحب، يحتويني يشيق لم أعرفه من قبل، يقبل كل جسدي، يفرض عنف رجولته لملاحقة كل أنوثتي، أما زوجي فيشعرني دائمًا أنني امرأة عادية، بدأت أنوثتي بالذبول بعد تجاوزي الثلاثين بسنوات
&
***
&
مازالت تتابع السير إليه، وحينما تصل عليها أن تواصل الصعود، لكن إلي متي كل هذا التعب؟ إنه يسكن في منطقة بعيدة في طابق مرتفع، ما من مبررٍ لوجودها فيه، ماذا لو شاهدها أحد؟ في الأسبوع السابق، إلتقت بصديقة لحماتها، بدا عليها الاضطراب وهي تخترع حكاية وهمية عن قدومها لزيارة إحدي الصديقات، لكن المرأة أبدت إستغراباً لرؤيتها في هذا المكان، وصارحتها بأنها ظنتها قادمة لزيارة أحد المشايخ·
&
***
&
لو لم يكن يخونني، ما كنت وصلت إلي هنا·· ما كنت ارتميت في أحضان الآخر بكل هذا الجنون ·· دائماً يتجاهل رغباتي، يفكر في عمله أكثر مما يفكر بي، طبعًا لأن في عمله فتيات صغيرات وجميلات، وهو يستغلهن ويضغط عليهن، وآخريات يستسلمن له لحاجتهن الملحة للعمل، لكن لم ؟قالت صديقتي التي عملت معه أنه جاف ومحدد مع النساء، حتي جارتي اللعوب وصفته بأنه عبوس ولا يبتسم.. أتراني واهمة؟ ماذا عن تأخره اليومي في العمل إلي ما بعد منتصف الليل، وتبرمه الدائم من أسئلتي عن مواعيده، وكأنني سأكشف خيانته!!
لكن كيف سأستمر في هذا الطريق ؟ لم أعد أقوي علي كل هذا القلق والتوتر والخوف في كل مرة آتي إليه· هذه المرة سأخبره أنها زيارتي الأخيرة، وأنني لن أبالي بكل كلماته، سأطلب منه ألا يعاود الاتصال بي، وإن فعل لن استجيب له·
&
***
&
حين وصلت الشقة وجدت الباب مغلقًا، علي غير عادته قرعت الباب، ظهر لها، وجه غريب الملامح، أدركت أنها لم تشاهده من قبل، ترددت قبل أن تسأل عنه، لكنها لفظت اسمه بانكسار وخجل، بانت علي وجه الغريب إبتسامة ماكرة وهو يقول: "هو ليس هنا، لقد رحل وسكنت مكانه، لقد حدثني عنك كثيرًا··"
أحست بأن قدميها لا تقويان علي حملها إلي طريق العودة، وأن حلقها جاف، الصور والخيالات تتكسر في رأسها، إنها بحاجة لجرعة ماء، كي تطفئ الظمأ الذي يحرق جوفها نظرت إلي وجه الرجل الغريب، ابتسمت نصف ابتسامة، ثم قالت: هل تعطيني كوب ماء من فضلك؟ أردف قائلا وهو يبتسم إبتسامة عريضة: تفضلي سيدتي بالدخول"·
&
القاهرة 01/21/2002


كاتب وصحافي مصري. مدير وكالة الصحافة العربية - صدرت له مجموعتان قصصيتان "أحزان رجل لا يعرف البكاء" و"الرحيل عن مدن الهزائم" إضافة إلي عدة كتب نقدية ودراسات أدبية.